الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِقَومِ شُعَيبٍ عليه السلام
(9)
بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّشبُّهِ بِقَومِ شُعيْبٍ عليه السلام
وهم أول المطففين.
قال الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 85] الآية.
روى ابن عساكر عن إسحاق بن بشر عن ابن القطامي، وكان نسَّابة عالماً بالأنساب؛ قال: هو يثروب بالعبرانية، وشعيب بالعربية ابن عيفا بن يَوْبَب بن إبراهيم عليه السلام (1).
ويثروب: بمثناة تحتية مفتوحة، ومثلثة ساكنة، وراء، وواو بَعْدَها موحدة.
وعيفا: بمهملة مفتوحة، وتحتية ساكنة، وبالفاء.
ويوبب على وزن جعفر: أوله مثناة تحتية، وبعد الواو موحدتان.
وقيل: اسمه في التوراة: ميكائيل، واسمه بالسريانية: جرير،
(1) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (61/ 32).
وبالعبرانية: شعيب بن سخر بن لاوى بن يعقوب عليه السلام.
وقيل: شعيب بن يوبه - بهاء عوض الموحدة الثانية - ابن مدين ابن إبراهيم.
وقيل: شعيب بن صفوان بن عيفا بن ثابت بن مدين.
وقيل غير ذلك.
وكان ابن بنت لوط عليه السلام (1).
وقيل: كان زوجًا لبنت لوط عليه السلام (2).
وروى ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنه بعث بعد يوسف بن يعقوب عليهم السلام، بعثه الله تعالى إلى مدين، وهم أصحاب الأيكة، وهي الغَيضة المُخْصِبة.
وقيل: هما طائفتان.
وقيل: بعث إليهما وإلى أصحاب الرس.
وكان قومه يعبدون الأصنام، ويقطعون السبيل، ويطففون المكيال والميزان، ويأكلون أموال الناس بالباطل، فلما تمادوا في ذلك أهلكهم الله تعالى بالصيحة والظُّلة.
وقيل: أهلك الله مدين بالصيحة، وأصحاب الأيكة بالظلة. رواه ابن عساكر من طريق إسحاق بن بشر عن عكرمة، والسدي، وقالا:
(1) انظر: "تفسير الطبري"(1/ 196).
(2)
انظر: "تفسير الثعلبي"(4/ 260).
ما بعث الله تعالى نبياً مرتين إلا شعيباً عليه السلام (1).
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: فلما عتا أهل مدين على الله تعالى أخذتهم الرجفة، وذلك أن جبريل عليه السلام صاح عليهم صيحة رجفت منها الجبال والأرض، فخرجت أرواحهم من أبدانهم، فذلك قوله تعالى:{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [الأعراف: 78]. أخرجه ابن عساكر، وغيره (2).
وروى ابن عسكر أيضاً عن جبلة بن عبد الله قال: بعث الله تعالى جبريل عليه السلام إلى أهل مدين شطر الليل ليأفكهم بمغانيهم، فألفى رجلاً قائماً يتلو كتاب الله، فهابه أن يهلكه فيمن يهلك، فرجع إلى المعراج، فقال: اللهم أنت سبوح قدوس، بعثتني إلى مدين لأفك مغانيهم، فأصبت رجلاً قائماً يتلو كتاب الله، فأوحى الله تعالى إليه: ما أعرفني به! هو فلان بن فلان، فابدأ به؛ فإنه لم يدفع عن محارمي إلا موادعاً (3).
وفي هذا الأثر إطلاق المعرفة على الله تعالى، وقد منعها الأكثرون لعدم الورود.
والمراد بالكتاب الذي كان يتلوه: صحف إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
(1) انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 502).
(2)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 74)، و"الدر المنثور" للسيوطي (3/ 502).
(3)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 74).
وقد روى إسحاق بن بشر، ومن طريقه ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن شعيبا عليه السلام كان يقرأ الكتب التي أنزلها الله تعالى على إبراهيم عليه السلام (1).
وروى أيضاً أنه قال في قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ} [الحجر: 80] قال: كانوا أصحاب غيضة بين ساحل البحر إلى مدين {إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ} [الشعراء: 177]، ولم يقل أخوهم، أي: كما قال في أهل مدين: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا} [الأعراف: 85] لأنه لم يكن من جنسهم {أَلَا تَتَّقُونَ} [الشعراء: 177](2).
وقال في قوله تعالى: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء: 189]: أرسل الله عليهم سموماً من جهنم، فأطاف بهم سبعة أيام حتى أنضجهم الحر، فحميت بيوتهم، وغلت مياههم في الآبار والعيون، فخرجوا من منازلهم ومجالسهم هاربين والسموم معهم، فسلط الله تعالى عليهم الشمس من فوق، فغشيتهم حتى تقلقلت منها جماجمهم، وسلط الله عليهم الرمضاء من تحت أرجلهم حتى تساقطت لحوم أرجلهم، ثم نشأت لهم ظلة كالسحابة السوداء، فلما رأوها ابتدروها يستغيثون بظلها حتى إذا كانوا تحتها جميعاً أطبقت عليهم، فهلكوا ونجَّى الله شعيباً عليه السلام والذين آمنوا معه (3).
(1) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 78).
(2)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 75).
(3)
انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 76).
وكلام ابن عباس هذا والذي سبق عنه مُشْعِران بأن أهل مدين غير أصحاب الأيكة، وأنهما أمتان بعث الله تعالى إليهما شعيباً عليه السلام، غير أن مخازيهما وقبائحهما متشابهة.
وعلى قول من يقول: إنما بعث مرة إلى أمة واحدة هم أهل مدين، وهم أصحاب الأيكة، فقال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى: إن أهل مدين عذبوا بثلاثة أصناف من العذاب: أخذتهم الرجفة في دارهم حتى خرجوا منها، فلما خرجوا منها أصابهم فزع شديد، فَفَرَقوا أن يدخلوا البيوت أن تسقط عليهم، فأرسل الله تعالى عليهم الظلة، فدخل تحتها رجل فقال: ما رأيت كاليوم ظلة أطيب ولا أبرد؛ هلموا أيها الناس، فدخلوا جميعاً تحت الظلة، فصاح فيهم جبريل عليه السلام صيحة واحدة، فماتوا جميعاً. أخرجه ابن المنذر، وابن أبي حاتم (1).
وقال أبو عبد الله البجلي: أبو جاد، وهواز، وكلمن، وسعفص، وقرشت أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم في زمن شعيب كلمن، فقالت أخت كلمن تبكيه:[من مجزوء الرمل]
كَلمُنْ قَدْ هَدَّ رُكْنِي
…
هُلْكُهُ وَسْطَ الْمَحَلَّة
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتاهُ الـ
…
ـحَتْفُ نارٌ وَسْطَ ظُلَّة
جَعَلَتْ نارٌ عَلَيْهِمْ
…
دارَهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّة (2)
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2815).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 4).