الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال بعض العلماء: إنما لم يقبل إيمانه لأنَّه قلد بني إسرائيل من غير جزم بما لله تعالى من الصفات التي لا بدَّ من التصديق بها، ولو قال: لا إله إلا الله جازمًا بها لنفعه، لاشتماله على ذلك.
قلت: ويدل لهذا القول ما رواه الترمذي وصححه، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذكر: "أنَّ جبرِيلَ عليه السلام جعل يَدُسُّ في فيِّ فِرعونَ الطينَ خَشيَةَ أن يقولَ: لا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ فَيَرحَمَهُ اللهُ"(1).
وإجماع الأمة إلا من شذ أن فرعون مات على الكفر، وأنه خالد مخلد في النار.
وروى ابن عدي في "الكامل"، والطبراني في "الكبير"، واللالكائي في "السنة" عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "خَلَقَ اللهُ تَعَالَى يَحْيَى بنَ زكَرِيَّا في بَطْنِ أُمِّهِ مُؤْمِنًا، وَخَلَقَ اللهُ فِرْعَوْنَ في بَطْنِ أُمِّهِ كَافِرًا"(2).
26 - ومن أخلاق فرعون وقومه: كفران نعم الله تعالى، وهو أشدهم كفرانا
.
ذكر القرطبي عن عبد الله بن عمرو، وابن عباس، وكعب رضي الله عنهم:
(1) تقدم تخريجه.
(2)
رواه ابن عدي في "الكامل"(1/ 350)، والطبراني في "المعجم الكبير"(10543)، واللالكائي في "السنة" (2/ 32). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 193): إسناد الطبراني جيد.
أن الله تعالى أمسك نيل مصر عن الجريان في زمان فرعون، فقالت له القبط: إن كنت رباً فأجر لنا الماء.
فركب وأمر بجنوده قائداً قائداً، وجعلوا يقفون على درجاتهم، وقعد حيث لا يرونه، ونزل عن دابته، ولبس ثياباً له أخرى، وسجد وتضرع إلى الله تعالى، فأجرى الله له الماء، فأتاه جبريل عليه السلام وهو وحده في هيئة مُسْتَفْتٍ، فقال: ما يقول الأمير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته لا سيد له غيره، فكفر نعمه وجحد حقه، وادعى السيادة دونه؟
فكتب فرعون: يقول أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان: جزاؤه أن يغرق في البحر.
فأخذه جبريل ومر، فلما أدركه الغرق ناوله جبريل خطه (1).
وكفران النعمة -سواء كانت النعمة من الله تعالى، أو من غيره، وكلها سواء، نعمة من نعمه سبحانه وتعالى مذمومٌ مؤاخذ به، ومرتكبه متعرض به للنقمة ولو بزوال تلك النعمة.
وفي الحديث "ثَلاثٌ مُتَعَلِّقَاتٌ بِالْعَرْشِ؛ الرَّحِمُ تَقُوْلُ: اللهُمَّ إِنِّي لَكَ فَلا أُقْطَعُ، وَالأَمَانَةُ تَقُوْلُ: اللهُمَّ إِنِّي لَكَ فَلا أُخَانُ، وَالنِّعْمَةُ تَقُوْلُ: اللهُمَّ إِنِّي لَكَ فَلا أكْفَرُ". رواه البزار من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه مرفوعًا (2).
(1) انظر: "تفسير القرطبي"(8/ 378).
(2)
رواه البزار في "المسند"(4181). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" =