الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: "الغَفْلَةُ"؛ أي: البالغة المحذورة، أو التي يُهتم بالحذر منها.
32 - ومنها: الإصرار على المعاصي، وعدم الاتعاظ بآيات الله
، وترك التضرع عند نزول النبلاء، والاستكانة، والتجلد على قضاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف: 130]؛ أي: فلم يتذكروا أنه تنبيه من الله تعالى.
وهذا غاية ما يكون في الإصرار.
قال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا
آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ}: الجوع (1).
قال قتادة: عامًا فعامًا، وكان الجوع في باديتهم وأهل مواشيهم.
{وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [الأعراف: 130]: في أمصارهم وقراهم (2).
وقال رجاء بن حيوة: حتى كانت لا تحمل النخلة إلا بُسْرًا واحدة. أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وغيرهما (3).
وروى الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يَبس كل شيء لهم، وذهبت مواشيهم حتى يَبس نيل مصر، واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت كما تزعم فأتنا في نيل مصر بماء.
قال: غدوة يصبحكم الماء.
فلما خرجوا من عنده قال: أي شيء صنعت؟ أنا أقدر أن أجري في نيل مصر ماء؟ غدوة أصبح فيكذبوني.
فلما كان في جوف الليل قام واغتسل، ولبس مدرعة صوف، ثم خرج حافياً حتى أتى نيل مصر، فقام في بطنه، فقال: اللهم! إنك تعلم
(1) رواه الطبري في "التفسير"(9/ 28)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1542).
(2)
رواه عبد الرزاق في "التفسير"(2/ 390)، والطبري في "التفسير"(9/ 29).
(3)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1542)، وكذا الطبري في "التفسير"(9/ 29).
أني أعلم أنك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماء، فاملأه ماءً.
فما علم إلا بخرير الماء مقبل، فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله لهم من الهلكة (1)؛ أي: من هلاكهم باعتقاد أن فرعون هو الذي أجراه لهم.
وفي هذه القصة أن الخارق قد يظهر على يد الكاذب لأجل فتنته أو فتنة غيره، والله يفعل ما يشاء في ملكه، وليس في ذلك كرامته، بل إنهاؤه إلى حضيض ضلالته المقدرة له؛ إذ الفرق بين الكرامة والفتنة: أن الخارق إن اقترن بالطاعة فإما أن يكون مع التحدي، وهو دعوى النبوة وهو المعجزة، أو لا، وهو الكرامة.
وإن اقترن بالمعاصي والعظائم فهو إما فتنة واستدراج، وإما سحر، وهو من جملة الفتنة.
ومن هذا القبيل ما يتفق للظلمة والخوارج من التمكين والنصرة، وفتح الكنوز، وتسخير الناس، وغير ذلك، ثم يؤُول أمرهم إلى الهلاك والدمار، وخراب الديار كما وقع لفرعون.
ومن أعجب ما وقع له ولقومه أنَّ الله تعالى عذبهم بالماء نضوبًا، وعذبهم به طوفانا على ما ستعلم.
قال ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة، وابن إسحاق -على ما نقله الثعلبي وغيره-: لما آمنت السحرة لموسى عليه السلام رجع فرعون
(1) ورواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1542).
مغلوباً، ثم أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله تعالى عليهم الآيات، وأخذهم بالسنين، ونقص من الثمرات، ولم يؤمنوا، وقال موسى عليه السلام: يا رب! إنَّ عبدك فرعون علا في الأرض، وبغى وعتا، بن قومه قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدك، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدهم من الأمم الباقية آية وعبرة، فبعث الله عليهم الطوفان (1).
روى ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الطُّوْفَانُ المَوْتُ"(2).
وروى أبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الطوفان الغرق (3).
وروى هو وابن أبي حاتم عنه قال: أرسل الله على قوم فرعون الطوفان، وهو المطر (4).
قال: أرسل الله عليهم السماء حتى كادوا أن يهلكوا، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، ولم يدخل بيوت بنو إسرائيل من الماء قطرة، وفاض الماء على أراضيهم فمنعهم من الحرث والعمل، ودام ذلك عليهم سبعة
(1) انظر: "تفسير الطبري"(9/ 38 - 39).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 31)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1544).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 31).
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3042).
أيام من السبت إلى السبت، فقالوا لموسى عليه السلام: ادع لنا ربك يكشف عنا المطر لنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل.
فدعا ربه، فرفع عنهم الطوفان، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، وعادوا شراً مما كانوا، وأنبت الله لهم شيئًا لم ينبته قبل ذلك، فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، وما كان هذا إلا نعمة علينا وخصبا.
فأقاموا شهرًا في عافية، فبعث الله عليهم الجراد، فأكلت عامة زروعهم وثمارهم، وأوراق الشجر، حتى كانت تأكل الأمتعة والثياب، والسقوف والأبواب حتى خربت بيوتهم.
قال عطاء رحمه الله تعالى: بلغني أنَّ الجراد لما سلط على القبط أكل أبوابهم حتى أكل مساميرهم. رواه أبو الشيخ (1).
قالوا: وابتلى الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع، غير أنَّه لم يدخل بيوت بني إسرائيل، ولم يصبهم منه شيء، فعجوا وضجوا إلى موسى عليه السلام، وعاهدوه على الإيمان إن كشف الله تعالى ذلك عنهم، فدعا موسى عليه السلام، فكشف الله تعالى عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيام، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلَاّتهم بقية، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا، فما نحن بتاركي ديننا، وعادوا إلى أعمالهم السوء، فأقاموا شهرًا في عافية، ثم بعث الله تعالى عليهم القُمَّلَ، وهو السوس الذي يكون في الحنطة. رواه ابن جرير، وابن المنذر عن سعيد
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(5/ 1791).
ابن جبير (1).
وكان أحدهم يخرج عشرة أقفزة إلى الرحا، فلا يرد منها ثلاثة أقفزة.
وقيل: هو الْجُعل. رواه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت (2).
وقيل: صغار الجراد، وهو الدبا الذي لا أجنحة له. رواه أبو الشيخ عن عكرمة (3).
وقرأ الحسن: القَمْلَ -بفتح القاف، وإسكان الميم-.
وروى ابن أبي حاتم عنه أنه فسره به (4).
وقيل: هو البراغيث. رواه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن ابن زيد، عن بعضهم (5).
وقيل: نوع من القراد.
قيل: أمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يمشي إلى كثيب أعفر بقرية يُقال لها: عين شمس، فمشى إليه، وضربه بعصاه، فانثال عليهم،
(1) رواه الطبري في "التفسير"(9/ 38).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1547).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 523)، وروى الطبري في "التفسير" (9/ 33) عنه أنه قال: بنات الجراد.
(4)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1547).
(5)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1547).
فملأ، فتتبع ما بقي من زروعهم وأشجارهم فأكله، ولحس الأرض كلها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده، ويأكل أحدهم فيمتلئ طعامه قملاً، وأخذ القمل شعورهم وحواجبهم وجفونهم، ولزم جلودهم كأنَّه الجدري، ومنعهم النوم والقرار، فاستغاثوا بموسى عليه السلام، فدعا لهم، فكشف الله تعالى البلاء عنهم بعد ما أقام عليهم سبعة أيام، فنكثوا، وعادوا لأخبث أعمالهم، وقالوا: ما كنَّا أحق أن نستيقن به ساحراً منَّا اليوم؛ يجعل الكثيب دوابًا! وعزة فرعون لا نصدقه أبدًا، ولا نتبعه.
فأرسل الله تعالى عليهم الضفادع بعد ما أقاموا شهرًا في عافية، فدخلت عليهم دورهم، وامتلأت منها أفنيتهم وأطعمتهم، وكان أحدهم يجلس في الضفادع إلى ذقنه، ويضطجع فتكون عليه ركامًا، ويفتح فاه لأكلته فتسبق الضفاع لقمته، ولا يعجن عجينا إلا شدخت فيه، ولا يطبخ قدراً إلا امتلأت ضفادع (1).
روى ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كانت الضفادع برِّية، فلما أرسلها الله تعالى على آل فرعون سمعت وأطاعت، فجعلت تقذف بنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التنانير وهي تفور، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء -وفي رواية: والثرى- إلى يوم القيامة (2).
(1) انظر: "تفسير الطبري"(9/ 38).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 37)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1548).
ورواه ابن أبي حاتم بنحوه عن ابن عمرو، وقال: فأبدلهنَّ الله تعالى أبرد شيء نعلمه؛ الماء، وجعل نقيقهنَّ تسبيحاً (1).
قالوا: فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا إلى موسى، وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود، فدعا ربه، فكشف عنهم الضفادع بعد ما أقامت عليهم سبعة أيام، فأقاموا شهرًا في عافية، ونقضوا العهد، وعادوا لكفرهم، فدعا عليهم موسى عليه السلام، فأرسل الله تعالى عليهم الدم.
قال زيد بن أسلم: وهو الرعاف. رواه ابن جرير وابن أبي حاتم (2).
وقال سعيد بن جبير: الطاعون (3).
وقال الأكثرون: سأل النيل عليهم دمًا، وصارت مياههم كلها دماً عبيطاً، وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء، وما يلي القبطي دماً، حتى إن المرأة من القبط كانت تقول للمرأة من بني إسرائيل: اسقيني من مائك، فتصب لها من القربة أو الجرة، فيعود الماء دماً، وكانت تقول لها: اجعليه في فيكِ ومجِّيه في فيَّ، فتأخذ الماء في فيها، فإذا مجته في فيها صار دماً عبيطاً، وهو الرِّجز الذي قال الله تعالى:{وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ} [الأعراف: 134] الآية (4).
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1548).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 39)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1549).
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(9/ 40).
(4)
انظر: "تفسير الطبري"(9/ 35)، و"تفسير ابن أبي حاتم"(5/ 1549).
وقوله تعالى: {آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ} [الأعراف: 133] حالٌ من مفعولِ: أرسلنا.
قال ابن عباس في قوله: {مُّبَيِّنَاتٍ} (1): بعضها على أثر بعض لتكون الحجة لله عليهم. رواه ابن أبي حاتم (2).
وعنه: يتبع بعضها بعضا، تمكث فيهم الآية سبتًا إلى سبت، ثم ترتفع عنهم شهرًا. أخرجه ابن المنذر (3).
فتكون الآيات التسع دون السنة، وهو قول الأكثرين.
وقال زيد بن أسلم رحمه الله تعالى: الآيات التسع في تسع سنين، في كل سنة آية (4).
وقال نوف الشَّامي: مكث فيهم موسى عليه السلام بعد غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات التسع. أخرجهما ابن أبي حاتم (5).
وقد يجمع بين هذا وبين ما سبق عن الأكثرين؛ فإنها كانت تتابع فيهم عشرين سنة، كل سنة تتابع مرة في الأسابيع والشهور، وهو أبلغ، فلما تابع الله تعالى عليهم هذه الآيات فلم يؤمنوا، اشتدَّ عليهم غضب الله تعالى آخراً، فأغرقهم كما قال الله تعالى: {فَلَمَّا
(1) في؛ تفسير الطبري": "مفصلات" بدل "مبينات".
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 3061)، والطبري في "التفسير"(9/ 40) واللفظ له.
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 524).
(4)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 525).
(5)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(5/ 1549).
كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ (135) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 135، 136].
روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: اليم: البحر (1).
والمشهور أنه بحر القُلْزُم -كقنفذ-: بلدة بين مصر ومكة قرب جبل الطور، وإليها يضاف البحر لأنها على طرفه، أو لأنَّه يبلع من ركبه.
والقلزمة: الابتلاع كالتقلزم؛ كما ذكره في "القاموس"(2).
وقيل: بل أغرق فرعون في النيل، وهو اليم كما في قوله تعالى:{فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ} [القصص: 7](3).
وقيل: هو بحر وراء مصر يقال له: أساف. حكاها شيخ الإِسلام والدي في "تفسيره"(4).
وقال الله تعالى حكايته عن فرعون: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} [الزخرف: 54 - 56].
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(1/ 107).
(2)
انظر: "القاموس المحيط" للفيروز آبادي (ص: 1486)(مادة: قلزم).
(3)
انظر: "تفسير ابن أبي حاتم"(9/ 2942).
(4)
ورواه الطبري في "التفسير"(20/ 78)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(9/ 2980) عن قتادة.
قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله: {آسَفُونَا} : أغضبونا (1).
وفي رواية: أسخطونا (2). رواهما ابن جرير، وابن أبي حاتم.
وقال مجاهد رحمه الله تعالى في قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا} : هم قوم فرعون، كفارهم سلف لكفار أمة محمَّد صلى الله عليه وسلم.
{وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ} ؛ قال: عبرة لمن بعدهم. رواه ابن جرير (3). وروى أبو نعيم في "الحلية" عن محمَّد بن كناسة قال: سمعت عمر بن ذر رحمه الله تعالى يقول: آنسك حلمه فوثبت على معاصيه، أفأسفه تريد؟ أما سمعته يقول:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} .
ثم قال: أيها الناس! أجلُّوا مقام الله بالتنزه عما لا يحل؛ فإن الله عز وجل لا يؤمن إذا عصى (4).
وروى الشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ الله لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، وقرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى
(1) رواه الطبري في "التفسير"(25/ 84)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3284).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(25/ 84)، وكذا ذكره البخاري (4/ 1820) معلقا.
(3)
رواه الطبري في "التفسير"(25/ 85).
(4)
رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(5/ 111).
وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102](1).
وهذه الآية ذكرها الله تعالى بعد أن ذكر الأمم المكذبة من قوم نوح، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم لوط، وقوم شعيب، وفرعون وقومه.
وقبلها: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود: 100]؛ أي: منها ما يرى مقامه وأثره، ومنها ما عفا أثره ودُرِس.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} ؛ أي: بارتكاب المعاصي.
{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ} ؛ أي: ما قدرت أن تدفع عنهم أو تنفعهم آلهتهم.
{الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ} ؛ أي: نقمته وعذابه.
{وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود: 101]؛ أي: تخسير وهلاك.
{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} [هود: 102] الآية.
روى ابن جرير عن ابن زيد قال: إن الله تعالى حذر هذه الأمة سطوته بقوله: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102](2).
وروى أبو الشيخ عن أبي عمران الجوني رحمه الله تعالى أنه قال: لا يغرنكم طول النسيئة ولا حسن الطلب؛ فإن أخذه أليم شديد (3).
(1) رواه البخاري (4409)، ومسلم (2583)، والترمذي (3110)، والنسائي في "السنن الكبرى"(11245)، وابن ماجه (4018).
(2)
رواه الطبري في "التفسير"(12/ 114).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (4/ 474).
والمعنى -والله أعلم-: وكما أمهل الله هذه الأمم ثم أخذهم فلم يفلتهم، كذلك يملي للظالم ثم يأخذه فلا يفلته، فلا ينبغي الاغترار بالله تعالى.
وروى الإِمام أحمد، وابن أبي حاتم، والطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "الشعب" عن عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إِذَا رَأَيْتَ الله يُعْطِي العَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيْمٌ عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْهُ اسْتِدرَاجٌ"(1).
زاد ابن أبي حاتم، ثم تلا:{فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف: 55].
وروى ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ، والبيهقي في "الأسماء والصفات" عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى في قوله تعالى:{سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] قال: نسبغ عليهم النعم، وننسيهم الشكر (2).
وروى أبو الشيخ عن يحيى بن المثنى رحمه الله تعالى في الآية قال: كلما أحدثوا ذنبا جدَّدنا لهم نعمة تنسيهم الاستغفار (3).
(1) رواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 145)، وابن أبي حاتم في "التفسير"(10/ 3284)، والطبراني في "المعجم الكبير"(17/ 330)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(4540).
(2)
رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر"(ص: 41)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(3/ 620).
(3)
انظر: "الدر المنثور" للسيوطي (3/ 618).
وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي عن ثابت البناني رحمه الله تعالى أنه سئل عن الاستدراج فقال؛ هو مكر الله بالعباد المضيعين (1).
ونقل السلمي في "حقائقه"، وغيره: أنه قيل لذي النون رحمه الله تعالى: بِمَ يخدع العبد؟
قال: بالألطاف والكرامات، ثم تلا الآية (2).
وروى الإِمام عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد" عن الحسن قال: كم من مستدرج بالإحسان إليه! وكم من مفتون بالثناء عليه! وكم من مغرور بالستر عليه! (3).
وروى البيهقي في "الشعب" عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"إِذا رَأَيْتَ كُلَّمَا طَلَبْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَابْتَغَيْتَهُ يُسِّرَ لَكَ، وَإِذَا رَأَيْتَ كُلَّمَا أَرَدْتَ شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا وَابْتَغَيْتَهُ عُسِّرَ عَلَيْكَ فَاعْلَمْ أَنَّكَ عَلَى حَالٍ حَسَنَةٍ، وإِذَا رَأَيْتَ كُلَّمَا طَلَبْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الآخِرَةِ وَابْتَغَيْتَهُ عُسِّرَ عَلَيْكَ، وإِذَا طَلَبْتَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا يُسِّرَ لَكَ فَأَنْتَ عَلَى حَالٍ قَبِيْحَة"(4).
(1) رواه ابن أبي الدنيا في "الشكر"(ص: 41)، والبيهقي في "الأسماء والصفات"(3/ 60).
(2)
انظر: "حقائق التفسير" للسلمي (1/ 299).
(3)
رواه عبد الله ابن الإِمام أحمد في "زوائد الزهد"(ص: 267).
(4)
رواه البيهقي في "شعب الإيمان"(10454) وقال: هكذا جاء منقطعًا.
وروى أبو نعيم في "الحلية" عن معقل بن يسار رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَأتِي عَلى النَّاسِ زَمَانٌ يَخْلَقُ فِيْهِ القُرْآنُ في قُلُوْبِ الرجَالِ كَمَا تَخْلَقُ الثيَابِ عَلَى الأَبْدَانِ، يَكُوْنُ أَمْرُهُمْ كُلُّهُ طَمَعًا لا خَوْفَ مَعَهُ، إِنْ أَحْسَنَ أَحَدهمْ قَالَ: يُتَقَبَّلُ مِنِّي، وَإِنْ أَسَاءَ قَالَ: يُغْفَرُ لِي"(1).
قلت: والمراد بقوله: يتقبل مني: أن يقول ذلك على سبيل الجزم والثقة من العمل، والاعتماد عليه، فإن قال ذلك على سبيل الرَّجاء والاستبشار مع التَّبرِّي من الحول والقوة فهذا من أخلاق المؤمنين.
روى الطبراني عن أبي موسى رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنتهُ، وَسَاءَتْهُ سَيْئتُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ"(2).
وروى ابن ماجه، والبيهقي في "الشعب" عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كان يدعُو: "اللهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِيْنَ إِذَا أَحْسَنُوا اسْتَبْشَرُوا، وإِذَا أَسَاءُوا اسْتَغْفَرُوا"(3).
(1) رواه أبو نعيم في "حلية الأولياء"(6/ 59).
(2)
ورواه الإِمام أحمد في "المسند"(4/ 398). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(1/ 86): رواه أحمد والبزار والطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح، ما خلا المطلب بن عبد الله، فإنه ثقة، ولكنه يدلس، ولم يسمع من أبي موسى، فهو منقطع.
(3)
رواه ابن ماجه (3820)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6992). قال العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء" (1/ 270): وفيه علي بن زيد بن جدعان، مختلف فيه.