الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعدو يعيب عدوه بما لا يعد عيباً، أو كان فرعون يعلم اللَّثغة من موسى عليه السلام إمَّا لأنَّها كانت في أصل الخلقة، أو لمَّا كان موسى عليه السلام صغيراً في حجر فرعون تناول لحيته، فغضب فرعون وأراد قتله، وقال: هذا عدوي.
فقالت له آسية بنت مزاحم امرأة فرعون: إنَّه صغير لا يعقل، وأمرته أن يقدم له الجمر والتمر، فتناول جمرة بيده فوضعها في فيه، فاحترقت يده ولسانه، فبقي أثر ذلك في لسانه (1).
وكان فرعون يعهد هذا من موسى، ولم يعلم أنَّ الله تعالى عافاه منها أو عيَّره بها بعد زوالها.
وكثير من الحمقى يعيرون أعداءهم ونظرائهم بما تقدم لهم من نقص وعيب وإن زال.
وفرعون كان في أعلى طبقات الحماقة.
وقيل: كانت لموسى عليه السلام حدة، فكان يتردد في الكلام إذا ابتدأ، ثم يفصح، فعابه فرعون بذلك، ولذلك قال فرعون:{وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف: 52]، ولم يقل: ولا يُبيِّن.
*
تنبِيهٌ:
مُعادي أولياء الله تعالى ومُؤْذيهم متعرض للهلاك إلَّا أن يتوب؛
(1) رواه الطبري في "التفسير"(16/ 159) عن السدي، والحاكم في "المستدرك"(4097) عن وهب بن منبه.
فإنه إمَّا أن يعرض الولي عنه ويحلم، ويغار الله تعالى لوليه، ويغضب له عليه فيأخذه.
وفي الحديث الصحيح: "مَنْ عَادَى لِي وَليًّا فَقَدْ آذَنتهُ بِالحَرْبِ"(1).
وما أحسن قول الشيخ رضي الدين جَدِّي: [من الرجز]
مَنْ بَارزَ الرِّجَالَ بالأَذَى وَلَم
…
يَخْشَ وَلَمْ يَخَفْ عِقَابَ رَبِّهِ
ويلٌ لَهُ دنْيَا وَأُخْرَىَ كَيْفَ لا
…
واللهُ قَد آذَنَهُ بحَربِه
وإما أن يتنفس عليه الولي بدعوة فتحرقه وتمحقه، ويطمس على دنياه، ويحرم خير عقباه، كما اتفق لموسى وهارون عليهما السلام بعد أن صبرا على فرعون وقومه أربعين سنة، دعوا عليهم، فأهلكهم الله تعالى واستأصلهم.
وإنما قال: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} والداعي موسى فقط؛
(1) تقدم تخريجه.