الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَنْ كانَ يَخْشَى زُحَلاً
…
أَوْ كانَ يَرْجُو الْمُشْتَرِي
فَإِنّنَي مِنْهُ وَلَوْ
…
كانَ أَبِي الأَدْنى بَرِي (1)
12 - ومنها: اتخاذ الأصنام، وعبادتها
.
وهو من أقبح أنواع المعاصي، وأشد الكفر.
وقريب من اتخاذها عمل آلات اللهو المحرمة، وقد علمت أن أول من اتخذها أولاد قابيل.
13 - ومنها: اعتقاد أن الحذر يدفع القدر
.
وقد روى الديلمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَنْفَعُ حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ"(2).
ورواه الحاكم في "المستدرك"، ولفظه:"لا يُغْنِي حَذَرٌ مِنْ قَدَرٍ"(3).
14 - ومنها: الفرار من الطاعون مع أنه لا يرد شيئًا من قدر الله تعالى
.
قال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16)} [الأحزاب: 16].
(1) انظر: "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (3/ 482).
(2)
رواه الديلمي في "مسند الفردوس"(5367).
(3)
رواه الحاكم في "المستدرك"(1813). قال ابن حجر في "التلخيص الحبير"(4/ 121): وفي إسناده زكريا بن منظور، وهو متروك.
وذكر أبو الحسن المدائني: أنه قلما فر من الطاعون أحد فسلم.
واستنبطه الشيخ تقي الدين السبكي من هذه الآية، وهو ظاهر.
وقال ولده الشيخ تاج الدين: إنه مجرب، وليس ببعيد أن يجعل الله تعالى الفرار منه سببًا لقصر العمر.
وقال ابن قتيبة في "مختلف الحديث": حدثني سهل قال: حدثني الأصمعي عن بعض البصريين: أنه هرب من الطاعون، فركب حماراً ومضى بأهله نحو سفوان، فسمع حاديًا يحدو خلفه وهو يقول:[من الرَّجز]
لَنْ يُسْبقَ الله عَلى حِمارِ
…
وَلا عَلى ذِي ميعةٍ طَيَّارِ
أَوْ يأتِي الْحَتْفُ عَلى مِقْدارِ
…
قَدْ يُصْبحُ اللهُ أَمام السَّارِي
ثم وقع به الطاعون قبل الصباح، فهلك منه (1).
وروى الشيخان عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: أن عمر ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بِسَرْغ لقيه أمراء الأجناد؛ أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء قد وقع بالشام.
قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فد عوتهم، فاستشارهم، فاختلفوا، فقال: ارتفعوا عني.
ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاختلفوا، فقال: ارتفعوا عني.
(1) انظر: "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (ص: 104).
فقال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجِرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه رجلان؛ فقالوا: نرى أن نرجع بالناس ولا ندعهم على هذا الوباء.
فنادى عمر رضي الله تعالى عنه في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه.
فقال أبو عبيدة رضي الله عنه: أفرارًا من قدر الله؟
[فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله](1)، أرأيت لو أن لك إبلاً كثيرة فهبطت واديًا له عُدْوتان؛ إحداهما خصبة، والأخرى جَدْبة، ألست إن رعيت الخصبة رعيتها بإذن الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟
قال: فجاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه - وكان متغيباً في بعض حاجته - فقال: إن عندي من هذا لعلمًا؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بأَرْضٍ فَلا تَقْدُمُوْا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ".
قال: فحمد اللهَ عمرُ، ثم انصرف (2).
وسرغ - بفتح السين المهملة، وإسكان الراء، وبالغين المعجمة - مدينة بالشام افتتحها أبو عبيدة بن الجراح هي واليرموك، والجابية، والرمادة متصلة.
(1) زيادة من مصدري التخريج.
(2)
رواه البخاري (5397)، ومسلم (2219).
وفي "المطالع" عن مالك: أن سرغ قرية بوادي تبوك من طريق الشام، وهي آخر عمل الحجاز (1).
قال أبو عمر بن عبد البر: الطاعون موت شامل لا يحل لأحد أن يفر من أرض نزل فيها إذا كان من ساكنيها، ولا أن يقدم عليه إذا كان خارجًا عن الأرض التي نزل بها.
وقال ابن السبكي: مذهبنا - وهو الذي عليه الأكثر - أن النهي عن الفرار منه للتحريم؛ قال: واتفقوا على جواز الخروج لشغل غرض غير الفرار (2).
ويدل للتحريم ما رواه الإمام أحمد، وغيره عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُوْنِ كَالفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ"(3).
ورواه الإمام أحمد، وابن خزيمة في "صحيحه" عن جابر رضي الله عنه، وزاد فيه:"وَالصَّابِرُ فِيْهِ كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ"(4).
وقد علم من قصة عمر المارَّة رضي الله تعالى عنه: أن الامتناع من دخول بلد الطاعون ليس من الفرار منه ولا فيه معناه، وإنما هو من باب الأخذ بالحزم والحذر، والدفع للأوهام المشوشة، والخوف عليه
(1) وانظر: "معجم البلدان"(3/ 211).
(2)
انظر: "فتاوى الرملي"(6/ 62).
(3)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(6/ 82). وحسن ابن حجر إسناده في "فتح الباري"(10/ 188).
(4)
رواه الإمام أحمد في "المسند"(3/ 324). قال ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 188): وسنده صالح للمتابعات.
من سوء الاعتقاد.
ومن هذا الباب حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: "لا يُوْرَدُ مُمْرِضٌ عَلَىْ مُصِحٍّ". رواه الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، وابن ماجه (1).
وحديثه أيضًا: "لا عَدْوَى، وَلا طَيَرَةَ، وَلا هَامَّةَ، وَلا صَفَرَ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُوْمِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ". رواه البخاري (2).
وفي قوله: "مِنَ الْمَجْذُومِ" بعد نفي الطيرة والعدوى إشارةٌ إلى أن ذلك ليس من هذا الباب، وكذلك الحديث.
قيل: بل هو من باب الخوف على ضعفاء الأمة من سوء الاعتقاد، وإلا فقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد مجذوم فوضعها مَعَهُ في القصعة، وقال:"كل بسم الله، ثقةً بالله، وتوكلاً عليه". رواه ابن خزيمة في "صحيحه"(3).
وأمَّا وجه النهي عن الفرار من بلد الطاعون فقال بعض العلماء: إن الطاعون إذا وقع في البلد عمَّ جميعَ من فيه بمداخلة سببه، فلا يفيد الفرار منه مع ما ينضاف إلى ذلك من مشقات السفر المزعجة للبدن، المضاعِفة للألم، ومن ثم كان الأصح أن تصرفات الصحيح في بلد الطاعون حال وقوعه كتصرفات المريض مرض الموت.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند"(2/ 406)، والبخاري (5437)، ومسلم (2221)، وأبو داود (3911).
(2)
رواه البخاري (5380).
(3)
ورواه أبو داود (3925)، والترمذي (1817) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه.