الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبت خيله أن تقتحم، فنزل جبريل على ماذيانه، فَتَشَامَتِ الحصين ريح الماذيانة، فاقتحمت في أثرها، حتى إذا هَمَّ أول قوم فرعون أن يخرج ودخل آخرهم، أمر البحر أن يأخذهم، فالتطم عليهم (1).
وروى ابن أبي حاتم عن كعب رحمه الله تعالى: أن الريح الشمال جالت حين أتى فرعون البحر، وتحت جبريل عليه السلام فرسٌ وَرِيقٌ، وميكائيل عليه السلام يسوقهم لا يشذ منهم شاذ إلا خمسة (2).
فتأمل غباوة فرعون؛ شهد الخارق الذي رآه في البحر لهيبته، ونشي هيبة الله تعالى، ولم يتفطن لمكره به، وأعظم ما ينزل بالمُصِر المأخوذ على عصيانه وإصراره عليه أن يؤخذ على غِرَّته.
*
فائِدَةٌ ثامِنةٌ:
في الحديث: "نُصِرْتُ بِالصَّبا، وَأُهْلِكَتْ عادٌ بِالدبورِ"(3).
وفي أثر كعب هذا: أن غرق فرعون كان بريح الشمال (4).
وروى أبو الشيخ في كتاب "العظمة" عن ابن عباس رضي الله
(1) رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2775)، وكذا الطبري في "التفسير"(1/ 278).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير"(8/ 2770).
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
تقدم تخريجه.
تعالى عنهما قال: الماء والريح جندان من جنود الله تعالى، والريح جند الله الأعظم (1).
قلت: وقد سخرهما الله تعالى معاً في هلاك فرعون، والله تعالى يسخرها كيف يشاء؛ فيجعلها رحمة، ويجعلها عذاباً، ومن هنا جاء النهي عن سبِّها.
قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرّيْحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تأتِي بِالرَّحْمَةِ وَبِالْعَذَابِ؛ فَلا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا الله مِنْ خَيْرِهَا، وَعُوْذُوا باللهِ مِنْ شَرِّهَا". رواه الإِمام الشافعي، والإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2).
وروى ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله تعالى -مرسلاً- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تَسُبُّوا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، وَلا الشَّمْسَ وَلا القَمَرَ، وَلا الرِّيْحَ؛ فَإِنَّهَا تُبْعَثُ عَذَابًا عَلَى قَوْمٍ، وَرَحْمَةً عَلَى آخَرِيْنَ"(3).
(1) رواه أبو الشيخ في "العظمة"(4/ 1336).
(2)
تقدم تخريجه عن أبي داود وابن ماجه، لكن لم يعزه هناك إلا إلى أبي داود. ورواه الإِمام الشافعي في "الأم"(1/ 253)، والإمام أحمد في "المسند"(2/ 267)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10765).
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(26310)، وكذا ابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (ص: 277).