الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في سورة آل عمران:
كنا لاحظنا ملاحظة مبدئية، أن الآيات الأولى في سورة البقرة، بدأت بقوله تعالى: الم. وأن تلك الآيات التي وصفت المتقين في سورة البقرة، انتهت بقوله تعالى: أُولئِكَ
عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
وأن سورة آل عمران مبدوءة ب الم ومنتهية بقوله تعالى: لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. فآخر آية فيها هي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وقلنا كذلك مبدئيا: إن سورة آل عمران تفصل في الآيات الأولى من سورة البقرة. فإذا كان الكلام عن المتقين في سورة البقرة، قد استتبع الكلام عن الكافرين والمنافقين، حتى جاء قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ.* فإننا كذلك نفترض أن سورة آل عمران يستتبع الكلام فيها عن صفات المتقين أن يكون فيها تفصيل لما ورد في مقدمة سورة البقرة، أي لما ورد في العشرين آية الأولى. هذا كله ندعيه وعلينا أن نأتي بالبرهان.
لنلاحظ الآن بعض الأمور: أول آيتين في البقرة هما: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. فههنا حديث عن الكتاب مباشرة وليس فيهما حديث عن منزل الكتاب، والملاحظ أن سورة آل عمران تبدأ بالحديث عن منزل الكتاب سبحانه: الم* اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ. كما نلاحظ أنه بعد آيات يأتي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ ....
وبعد الآيتين الأوليين من سورة البقرة يأتي قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. والملاحظ أن القسم المبدوء بقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ....
من آل عمران يرد فيه قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ. فكأنه فصل من فصول الإيمان بالغيب تفصل فيه سورة آل عمران، وبعد الآية الثالثة من البقرة يأتي قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. والملاحظ أن الآية قبل الأخيرة في سورة آل عمران هي: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. ألا ترى أن هذه النقاط العلام الواضحة تدل على صحة ما ذهبنا إليه؟! ولكن الأمر سنرى براهينه
بشكل أوضح.
والآن نريد أن نذكر لك شيئا جديدا حول الوحدة القرآنية لم نذكره من قبل: إن مقدمة سورة البقرة هي محور سورة آل عمران كما ذكرنا، ولكن مقدمة سورة البقرة لها امتداداتها في سورة البقرة نفسها، فمثلا في مقدمة السورة ورد قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ. ومن امتدادات هذا المعنى قوله تعالى:
…
وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ. ومن امتداداته أيضا قوله تعالى:
. وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ....
وفي مقدمة السورة ورد قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
…
ومن امتدادات هذا المعنى قوله تعالى: وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ. وقوله تعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ .... وإذن ففي سورة البقرة نفسها آيات تفصل آيات. فإذا اتضح ذلك فلنقل كلمة أخرى سيأتي دليلها: إن سورة آل عمران محورها مقدمة سورة البقرة، ولكنها تفصل وتبني على المحور وامتداداته. ومن ثم فإن الحوار الذي جرى في سورة البقرة مع أهل الكتاب- في دعوتهم إلى الإيمان- نجد في موضوعه- قسما برأسه في آل عمران، ومبنيا على الحوار الذي تم في سورة البقرة. فمثلا: في سورة البقرة كلام عن النسخ. وفي سورة آل عمران ضرب مثل على نوع من النسخ حدث في حياة يهود:
إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ. وقال تعالى في سورة البقرة: وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ. وفي سورة آل عمران: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ. إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا. وهكذا نجد أن سورة آل عمران تفصيل لمقدمة سورة البقرة، وامتداد معاني المقدمة في السورة كلها. فالأمر بالنسبة للوحدة القرآنية أوسع مما صورناه مبسطين في أول هذا التفسير، وهو شئ لا ينقضي منه العجب كما سنرى.
وحتى الآن نعتبر أن كل ما قلناه دعوى وعلينا أن نقيم عليها البرهان، ونكمل دعوانا فنقول: إن سورة آل عمران تنقسم إلى خمسة أقسام، واضحة المعالم، وقد دلنا على ذلك:
المعاني، وبعض المعالم. فالقسمان الأولان نهايتهما متشابهة، والقسم الثالث نهايته
مشابهة لبدايته، والقسمان الأخيران بدايتهما متشابهة:
القسم الأول: يمتد من الآية الأولى إلى نهاية الآية (32) وخاتمته: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.
القسم الثاني: ويمتد من الآية (33): إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ
…
وينتهي بنهاية الآية (63) التي خاتمتها: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ.
لاحظ التشابه بين نهايتي القسمين!.
القسم الثالث: ويمتد من الآية (64) إلى نهاية الآية (99). بدايته قوله تعالى:
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ .... ونهايته قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. لاحظ أن البداية والنهاية فيها: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ.*
القسم الرابع: ويمتد من الآية (100) إلى نهاية الآية (148) وبدايته.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ.
القسم الخامس:
وبدايته من الآية (149): يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ. وينتهي بنهاية السورة، لاحظ التشابه بين بدايتي القسمين!!
وسيأتي البرهان والتفصيل فيما بعد.
فلنبدأ- على بركة الله- تفسير السورة، وقد رأينا من قبل الأحاديث الواردة في فضلها مع سورة البقرة. ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام:«اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران؛ فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو- غيايتان- أو كأنهما فرقان من طير صواف، يحاجان عن أهلهما يوم القيامة» . وكان سعيد بن جبير يروي عن عمر قوله: «من قرأ البقرة وآل عمران في ليلة كان- أو كتب- من القانتين» .
وكان يزيد بن الأسود الجرشي يحدث: أنه من قرأ البقرة وآل عمران في يوم برئ من النفاق حتى يمسي، ومن قرأهما في ليلة برئ من النفاق حتى يصبح. قال فكان يقرؤهما كل يوم وليلة سوى جزئه.