الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصبكم سنة جدب، أو هزيمة، يفرحوا بذلك إن أصابكم- وهذا منتهى العداء- ثم وجهنا الله- عز وجل إلى ما إن تحققنا به لا يضرنا كيد غيرنا لنا، وهو الصبر والتقوى فقال: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً أي: وإن تصبروا على تكاليف الدين ومشاقة، وما ابتلاكم الله به، وتتقوا الله في اجتناب محارمه، لا يضركم مكرهم وخططهم ضدكم شيئا، بل تكونون في حفظ الله، وذلك لقوله: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ فهو المحيط بمكرهم، وكيدهم. فإذا كنتم صابرين متقين أحبط ذلك لكم.
وفى نهاية الآية إرشاد من الله تعالى إلى طريق السلامة من شر الأشرار، وكيد الفجار، بالتحقق بالصبر والتقوى، والتوكل على الله الذي هو محيط بأعدائنا، فلا حول ولا قوة لنا إلا به، وهو الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يقع في الوجود شئ إلا بتقديره. ومشيئته، ومن توكل عليه كفاه.
فوائد:
1 -
نهتنا الآيات أن نتخذ بطانة من دوننا، وبينت لنا سبب ذلك، وشعرنا من خلال الآيات أن المقصود الأول بذلك هم كفرة أهل الكتاب، وإذا كانوا كذلك، فغيرهم أولى أن نحذر. والنهي أعم من هذا كله، فالنهي منصب على عدم جواز اتخاذ بطانة من دوننا، دخل في ذلك الكافرون كلهم من أهل الكتاب، والمشركون والملحدون، ودخل في ذلك المنافقون لأنهم ليسوا منا. قال تعالى الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ والمنافقون يعرفون من أوصافهم في كتاب الله، ومن أقوالهم. ويدخل في ذلك من باب الورع والاحتياط، كل من نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كونه منا من ذلك «من غشنا فليس منا» ، «من رغب عن سنتي فليس مني» ، «ومن أصبح ولم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم» ، «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية» ، «ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية» ، «ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا» ، ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه». أمثال هؤلاء ينبغي أن نحتاط، فلا نتخذهم خاصتنا، ولا نفشي لهم أسرارنا، ولا نظهرهم على عوراتنا، ولا نطلعهم على مخططاتنا، ولا نستشيرهم في أمورنا.
2 -
في حديث صحيح رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما بعث الله
من نبي، ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالسوء وتحضه عليه، والمعصوم من عصمه الله».
3 -
روى ابن أبي حاتم: «قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن هاهنا غلاما من أهل الحيرة حافظ، كاتب، فلو اتخذته كاتبا؟ فقال: قد اتخذت إذا بطانة من دون المؤمنين» . قال ابن كثير: «ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين، واطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب» أقول: من كلام ابن كثير يفهم جواز استعمالهم فيما سوى ذلك.
وبعد أن بين الله- عز وجل النهي عن اتخاذ بطانة من دوننا وأسبابه، ووعد عباده المؤمنين، أن يحبط مكر الكافرين في حالة تقوانا، وصبرنا. يضرب لنا مثلين عن حالتين تولى عباده المؤمنين فيهما: يوم أحد، ويوم بدر، فأحبط كيد أعدائهم بسبب صبرهم وتقواهم. والدليل على أن هاتين القصتين مساقتان كنموذجين على تولي الله المؤمنين، وإحباط كيد أعدائهم في حالة صبرهم وتقواهم، هو ورود ذكر الصبر والتقوى في الآيات السابقة:
وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً.
ووروده فيما يأتي: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ.
وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ المراد بالقتال هنا معركة أحد، والغدو: الخروج صباحا، والمعنى: واذكر يا محمد مثلا على تولي الله المؤمنين، حين خرجت من أهلك بالمدينة تبوئ، أي: تنزل المؤمنين في منازلهم ومواطنهم، ومواقفهم للقتال من الميمنة، والميسرة، والقلب، والجناحين، والساقة. وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ أي: سميع لأقوالكم، عليم بنياتكم وضمائركم.
إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما هذا الذي سيقت القصة من أجله، وأمر بالتذكير فيه، إذ حمى الله- عز وجل طائفتين من المؤمنين يوم أحد من أن تتخذا مواقف المنافقين، إذ انسحبوا، فكان في ذلك حفظ لهما، ودعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفشيل لكيد المنافقين. والمعنى: واذكر إذ همت عشيرتان: هم بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، أن تجبنا وتضعفا، وتنسحبا، ولكن الله محبهما وناصرهما، ومتولي أمرهما ولذلك صرفهما عن مشاركة المنافقين بالانسحاب فلم يفعلا.
وهذه القصة تعلمنا أن نسلم أمورنا لله، وأن نتوكل عليه، وألا نخالف أمره. ومن ثم