الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالبداية والنهاية في موضوع واحد. وفي وسط المقطع ذكرنا الله- عز وجل بمنتين علينا: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ
…
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وفي منة الله- عز وجل علينا بذلك في وسط الكلام الذي ينهانا عن مواطأة الكافرين والمنافقين في قضية الموت، ما هو كالبيان لنعم يذكرنا الله- عز وجل بها، لا ينبغي معها أن نواطئ الكافرين والمنافقين في اعتقادهم في شأن الموت.
وفي هذه الأجواء، أجواء القتل في سبيل الله، وأجواء أقوال الكافرين والمنافقين في من قتلوا في سبيل الله، مما يترك آثاره في قلوب المسلمين يأتي قوله تعالى:
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فإلى ماذا يشير هذا؟
إن هذا يشير إلى أن القائد عليه أن يكون لينا، وأن يعفوا ويستغفر ويشاور، فليس دخول معركة يترتب عليه ما يترتب أمرا سهلا، خاصة وأن الكافرين والمنافقين سيثيرون زوابع. فلا بد أن يكون الصف الإيماني على غاية من الوعي والتلاحم، وذلك لن يتم إلا إذا كان على رأس الأمر قائد هذه صفاته.
وفي هذا السياق يذكرنا الله بالتوكل عليه، وأن النصر والخذلان منه، وفي هذا السياق يعمق الثقة بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم مما يوحي بأن القائد لا ينبغي له الغلول، ولا ينبغي أن يكون محل شك، فعلى القادة أن يلاحظوا ذلك.
ولنبدأ عرض المقطع:
في هذا المقطع نهى الله عباده المؤمنين عن مشابهة الكفار في اعتقادهم الفاسد، الدال عليه قولهم، عن إخوانهم الذين ماتوا في الأسفار والحروب: لو كانوا تركوا ذلك لما أصابهم ما أصابهم، ثم بين الله- عز وجل أنه خلق هذا الاعتقاد الفاسد في قلوبهم ليزدادوا حسرة على موتاهم وقتلاهم، ثم رد عليهم اعتقادهم الفاسد، بأنه تعالى بيده الخلق وإليه يرجع الأمر، ولا يموت أحد ولا يحيا إلا بمشيئته وقدره، ولا يزداد في عمر أحد ولا ينقص منه شئ إلا بقضائه وقدره. ثم بين أن علمه وبصره نافذ في جميع خلقه، لا يخفى عليه من أمورهم شئ، ثم بين أن القتل في سبيله والموت في سبيله خير من البقاء في الدنيا وجمع حطامها الفاني؛ لأن القتل أو الموت في سبيله وسيلة إلى نيل رحمته وعفوه ورضوانه، ثم
أخبر تعالى أن كل من مات أو قتل فمصيره ومرجعه إلى الله- عز وجل فيجزيه بعمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وفي هذه المعاني رد على تصور الكافرين الفاسد. وفي نهاية المقطع عود إلى هذه المعاني. وبين نهاية المقطع وهذه البداية معان سنرى الصلة بينها وبين ما قبلها وما بعدها، فبعد المعاني التي ذكرناها، من الله- عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بما ألان قلب رسوله لهم، فأطاب لفظه لهم. ثم بين الحكمة في ذلك، بأنه لو كان عليه السلام سيئ الكلام، قاسي القلب، لانفضوا عنه وتركوه، ولكن الله جمعهم عليه، وألان جانبه لهم تأليفا لقلوبهم. وفي ذلك رحمة من الله بالجميع. ثم أمر رسوله أن يعفو عنهم، وأن يشاورهم، وأن يستغفر لهم تطييبا للقلوب، وزيادة حرص على خيرهم. ثم أمره إذا شاور وعزم، أن يتوكل على الله ويمضي، فالله يحب المتوكلين. ثم بين لهم أن النصر والخذلان من الله، ثم أمرهم بالتوكل بعد ما بين لهم من قبل أنه يحب أهله. ثم بين عصمة رسوله من الخيانة في أمر الدنيا والدين، وهدد الخائنين بعقابه وجزائه. ثم بين عدم استواء من يتبع رضوان الله مع من يسخط الله. ثم بين أن أهل الخير وأهل الشر درجات، وأن كلا موفى عمله. ثم بين أن له على المؤمنين منة أخرى ببعثته رسولا للمؤمنين من جنسهم، ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به، ويعلمهم ويربيهم بعد أن كانوا في جهالة وضلالة، ثم يعود السياق إلى البداية التي لها علاقة في غزوة أحد، ودروسها وتصحيح التصورات حول الموت والقتل.
فما الصلة بين ما ذكر في وسط هذا المقطع، وبين طرفيه؟ إن منة الله على عباده ببعثة رسوله، وبخصائصه، وعصمته، وأمر الله له صلى الله عليه وسلم بالمشاورة كل ذلك مرتبط بما ينبغي أن يرافق ما يحدث للمسلمين بالرضا سواء كان قتلا أو غيره، كما ينبغي أن يرافقه شعور بالنعمة لا يبقى معه أي بقية للتصورات الكفرية في أي شأن، كما ينبغي أن يرافقه شعور بتولي الله للمؤمنين في كل حين، كيف وقد من عليهم بكل هذا.
وإذا اتضح شئ من الصلة بين وسط المقطع وطرفيه، فلنذكر المعاني العامة الواردة في طرفه الأخير: بين للمسلمين في نهاية المقطع سبب ما وقع بهم من قتل، مع تذكيرهم بنعمته عليهم يوم بدر، وأن علة ذلك هم. ثم بين أن ما أصابهم كان بمشيئة الله؛ تأديبا وتمحيصا للمؤمنين؛ وتمييزا للصف الإيماني من الصف المنافق، الذي تخلى عن القتال في أشد اللحظات بحجة أنه لا قتال، يقولون هذا وهم يكتمون خلافه، ويقولون عمن قتل: لو أطاعنا ما قتل، فرد الله عليهم أن يردوا عن أنفسهم الموت إن كانوا صادقين.