الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثيرات. ولم يضيق الله عليه في ذلك. بل وسع عليه أن يتزوج حتى الأربع من النساء. وذلك من أجل أن لا يقع ظلم. ثم أمر أن تعطى المرأة مهرها، فريضة واجبة على الرجل. فإن طابت هي له- بعد تسميته- عنه، أو عن شئ منه فليأكله حلالا، طيبا له.
وعلى هذا فإننا نفهم من السياق أن من قضايا التقوى الرئيسية، عدم ظلم اليتامى، وخاصة إذا كن نساء. والاقتصار في الزواج على أربع، وإعطاء المرأة مهرها، وعدم الاعتداء عليه. فإعطاء الحق لليتيم والمرأة من أول مظاهر التقوى. ومن ثم صدرت سورة النساء بهذا الموضوع.
المعنى الحرفي:
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ. اليتم في اللغة: الانفراد. وفي الشريعة: من مات أبوه، فانفرد عنه. وحق هذا الاسم أن يقع على الصغار والكبار. لبقاء معنى الانفراد عن الآباء. إلا أنه قد غلب أن يسموا به قبل أن يبلغوا مبلغ الرجال. فإذا استغنوا بأنفسهم عن كافل وقائم عليهم زال هذا الاسم عنهم. قال صلى الله عليه وسلم «لا يتم بعد الحلم» .
يعني إذا احتلم لم تجر عليه أحكام الصغار. ومعنى النص: آتوا اليتامى أموالهم بعد البلوغ. وسماهم يتامى مع أنه لا يتم بعد حلم، لقرب عهدهم بالصغر. وفيه إشارة إلى أنه لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عن حد البلوغ، إن أنس منهم الرشد. وأن يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار بحكم الاستمرار، وذلك بمجرد البلوغ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ. أي: ولا تستبدلوا الحرام- وهو مال اليتامى- بالحلال:
وهو مالكم، أو تستبدلوا الأمر الخبيث، وهو اختزال أموال اليتامى، بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها. وقال سفيان الثوري عن أبي صالح في تفسيرها:(لا تعجل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الرزق الحلال الذي قدر لك). وقال السدي: (كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم، ويجعل مكانها الشاة المهزولة. ويقول:
شاة بشاة. ويأخذ الدرهم الجيد، ويطرح مكانه الزيف ويقول: درهم بدرهم).
وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ. أي: لا تخلطوها فتأكلوها جميعا، أو تضموها إليها في الإنفاق حتى لا تفرقوا بين أموالكم وأموالهم، قلة مبالاة بما لا يحل لكم وتسوية بينه وبين الحلال. إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً. أي: إن أكلها كان ذنبا عظيما.
فالحوب: هو الإثم. والمعنى: إن أكلكم أموالهم مع أموالكم إثم عظيم، وخطأ كبير
فاجتنبوه.
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى. أي: وإن خفتم ألا تعدلوا في الإناث اليتامى، لأن كلمة اليتامى جمع ليتيم ويتيمة. والمراد بها هنا النساء.
فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ. أي: فانكحوا ما حل لكم من النساء ثنتين، أو ثلاثا، أو أربعا. فصار معنى ما مر من الآية. أي: إذا كان تحت حجر أحدكم يتيمة، وخاف أن لا يعطيها مهر مثلها. فليعدل إلى ما سواها من النساء فإنهن كثيرات. ولم يضيق الله عليه. فانكحوا ما شئتم من النساء سواهن، إن شاء أحدكم ثنتين، وإن شاء ثلاثا، وإن شاء أربعا. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ. أي: فإن خفتم ألا تعدلوا بين هذه الأعداد. أو إن خفتم تعداد النساء ألا تعدلوا بينهن فالزموا، أو اختاروا أن تقتصروا على واحدة، أو على الجواري.
أي فليقتصر من خاف الجور على واحدة، أو على الجواري السراري. فإنه لا يجب قسم بينهن، بل يستحب. فمن فعل، فحسن. ومن لا، فلا حرج. وسوى في اليسر بين الحرة الواحدة وبين الإماء من غير حصر. ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا. أي: اختيار الواحدة أو التسري أقرب من ألا تميلوا ولا تجوروا، يقال: عال الحاكم في حكمه، إذا جار.
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً. الصدقات: المهور. والنحلة: العطية.
وفسرها كثيرون بالفريضة، والواجب. والخطاب للأزواج. وقيل: للأولياء. لأنهم كانوا يأخذون مهور بناتهم كما يفعل كثير من الأعراب في عصرنا من أخذ المهر، أو بعضه.
والمعنى: أعطوا النساء مهورهن طيبة بذلك أنفسكم. والأمر هنا للوجوب. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً. فإن طاب الزوجات للأزواج عن شئ من الصداق. فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً. أي: فكلوا ما وهبنه لكم أكلا هنيئا لا إثم فيه، أو هنيئا في الدنيا لا يطالبكم به أحد. مريئا- أي سائغا- لا تنغيص فيه ولا تبعة. والتعبير يفيد المبالغة في الإباحة، وإزالة التبعة. والمعنى: فإن وهبن لكم شيئا من الصدقات. وتجافت عنه نفوسهن طيبات، لا بسبب منكم تضطروهن به إلى الهبة من شكاسة أخلاقكم، وسوء معاشرتكم، فعندئذ فكلوه سائغا، لا تنغيص فيه.
وفي الآية دليل على ضيق المسلك في ذلك، ووجوب الاحتياط حيث بنى الشرط على طيب النفس فقال: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ. ولم يقل، فإن وهبن لكم. إعلاما بأن المراعى هو تجافي نفسها عن الموهوب، طيبة نفسها بذلك.