الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة النساء (4): الآيات 92 الى 93]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَاّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلَاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (93)
كلمة في المقطع:
قلنا أثناء الكلام عن آيات القتال الأولى وما قبلها في سورة البقرة:
وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ.
إن مجئ هذه الآيات في سياق الكلام عن التقوى والطرق التي توصل إليها يصحح مفاهيم خاطئة عن التقوى، فالكثيرون من الناس يفهمون أن التقي هو المسالم أبدا، وهو الذي لا يرد الاعتداء، وهذا تصور مغلوط عن التقوى. وكذلك فإن كثيرين لا يعتبرون أن الوصول إلى الشئ من بابه هو من التقوى، وهذا شئ مغلوط بينته تلك الآيات، وكثيرون لا يعتبرون أن حريتهم في التصرف بأموالهم مقيدة بقيود الشرع، وذلك تصور مغلوط صححته الآيات هناك.
وإذا كان المحور الرئيسي لسورة النساء هو التقوى، وتبيان ماهيتها، والدلالة على طريقها، فهي تأمر، ومن خلال الأمر تصحح مفاهيم، ومن المفاهيم الضائعة في قضية التقوى، موضوع الطاعة والحركة الجهادية، إن كثيرين من الناس لا يعرفون لمن يعطون طاعتهم، ولا يعرفون كيف ينبغي أن يتحركوا الحركة الجهادية، والمقاطع التي بين أيدينا من سورة النساء حددت الطاعة، وأطلقت الطاقة. ففي المقطع الخامس تحددت الطاعة، وفي المقطع السادس وما بعده مباشرة تحريك للطاقة في الطريق الذي لا يصح أن
تتوقف الحركة فيه، وهو طريق الجهاد الذي لا يعرف الكثيرون كيف يقيمون أمر الله- عز وجل فيه.
يأتي هذا المقطع ليبين معان من العبادة والتقوى، مرتبطة بموضوع القتال، ففيه الأمر بالنفير العام، وفيه كلام عن المتقاعسين، وفيه حض على القتال، وبيان لأسبابه، وبيان لنوعية قتال المؤمنين، ولطبيعة قتال الكافرين، ثم عودة لتبيان طبيعة المتقاعسين، ومعالجة لها. وإذ كانت الطاعة ركن القتال، فإنه يأتي كلام عن الطاعة، وإذ كانت الشائعات جزءا من المعركة، فإن المقطع يحدد موقف المسلم من الشائعة، ويأتي ذلك في سياق الأمر بتدبر القرآن، ثم يأتي أمر بالقتال، ولو نكص الناس جميعا. وفي هذا السياق يأتي كلام عن التحية والشفاعة والتوحيد، وفي ذلك إشارة إلى أن المسلم يقابل بالأحسن، وأن تلافي آثار القتال يحتاج إلى شفاعة، وأن التوحيد يقتضي توكلا، وكل ذلك له صلة بالقتال من وجه. ثم يأتي كلام عن المنافقين ومتى يجوز قتالهم؟ ومتى لا يجوز؟ وفي هذا السياق يأتي تبيان تحريم قتل المؤمن عمدا، وماذا يجب أن يفعل من قتل مؤمنا خطأ؟ فالمقطع يوضح لنا محل القتال في التقوى، وما هي مواقف المتقين حيث ينبغي القتال، وفي المقطع تأكيد لكلمة الإيمان إذ الإيمان الحق هو الذي ينبثق عنه القتال الحق.
رأينا أن سورة البقرة تحدثت عن المتقين والكافرين والمنافقين، ثم جاء المقطع الأول في القسم الأول يحدثنا عن الطريق إلى التقوى، والطريق إلى الكفر والنفاق، ورأينا في سورة البقرة أمرا بقتال الذين يقاتلوننا، وقلنا هناك إن الكلام عن القتال جاء يصحح مفهوما عن التقوى والمتقين، وهاهنا نلاحظ أن التقاعس عن القتال نوع نفاق، وأن محاولة الوقوف على الحياد بين أهل الإيمان والكفر نفاق، وأن على أهل الإيمان أن يتصرفوا ضمن حدود معينة مع المنافقين. فالمقطع يفصل في الطريق للتقوى، وفي ماهية التقوى في أمور متعددة. ولعلنا نتذكر أن الأمر بقتال من يقاتلنا في سياق القسم الثاني من أقسام سورة البقرة، هو القسم نفسه الذي فيه حديث عن القصاص. وهذا المقطع يختتم بالكلام عن القتل العمد والقتل الخطأ.
إن سورة النساء تفصل في التقوى، والطريق إليها، وامتدادات ذلك في سورة