الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترك التثبت، وقلة البحث عن حال من تقتلونه. والعرض: المال سمي به لسرعة فنائه.
فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوذ به من التعرض له لتأخذوا ماله كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ. أي: إنكم أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة؛ فحقنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم، فمن الله عليكم بالاستقامة والاشتهار بالإيمان. فافعلوا بمن يدخل في الإسلام كما فعل بكم، واقبلوا منهم ما قبل منكم. ويحتمل إنكم كنتم أيها المسلمون في ابتداء الأمر تخفون إسلامكم بين قومكم، كما يخفي هذا الذي أظهر لكم الإسلام- أثناء القتال- إسلامه بين قومه، فيظهره لكم إذا جئتم، فمن الله عليكم أنتم بأن أصبحتم تجهرون بالإسلام، ولكن لا تنسوا حالكم الأول، وارحموا أمثالكم. ويحتمل أن يكون المعنى: إنكم أيها المسلمون كنتم قبل إسلامكم تقاتلون وتقتلون من أجل الدنيا، فمن الله عليكم بالإسلام، فأصبحتم تقاتلون في سبيل الله، فلا تكفروا نعمة الله. فَتَبَيَّنُوا كرر الأمر بالتبين تأكيدا عليهم. إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً قال سعيد بن جبير:
«وهذا تهديد ووعيد» . التهديد بعلم الله بما يخفى وما يظهر هنا يفيد النهي عن التهافت في القتل، والأمر بأن يكونوا محترزين، محتاطين في ذلك.
فوائد:
1 -
في سبب نزول هذه الآية، آثار كثيرة كلها يرفد بعضها، وكلها يفسر بعض وجوهها والعبرة كما نكرر دائما لعموم اللفظ، ومما ورد في سبب نزولها:
أ- روى الإمام أحمد والترمذي، وقال عنه حسن صحيح عن ابن عباس قال: مر رجل من بني سليم- بنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرعى غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: لا يسلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه وأتوا بغنمه النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ
…
الآية إلى آخرها.
ب- وقد ذكر ابن كثير قصة رجل اسمه ضرار، هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عماية الليل، وكان قد قال لهم: إنه مسلم، فلم يقبلوا منه، فقتلوه، فقال أبوه:
فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ألف دينار ودية أخرى، وسيرني فنزل قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا
…
ج- وقد روى الإمام أحمد قصة محلم بن جثامة، ورواها ابن جرير بسياق أتم منه هذا هو: «عن ابن عمر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محلم بن جثامة مبعثا فلقيهم عامر ابن الأضبط فحياهم بتحية الإسلام، وكانت بينهم إحنة في الجاهلية، فرماه محلم بسهم فقتله، فجاء الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
فجاء محلم في بردين، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستغفر له فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا غفر الله لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه، فما مضت له سابعة حتى مات ودفنوه، فلفظته الأرض، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم، ولكن الله أراد أن يعظكم» ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة فنزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا ....
د- روى البخاري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد تعليقا على حادثة، ويروي الحادثة كلها البزار، وهذه روايته عن ابن عباس قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها المقداد ابن الأسود، فلما أتوا القوم وجدوهم قد تفرقوا، وبقي رجل له مال كثير لم يبرح، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأهوى إليه المقداد فقتله، فقال له رجل من أصحابه:
أقتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله! والله لأذكرن ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله! إن رجلا شهد أن لا إله إلا الله، فقتله المقداد، فقال:«ادعوا لي المقداد، فقال: يا مقداد أقتلت رجلا يقول لا إله إلا الله؟! فكيف لك بلا إله إلا الله غدا» . قال: فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا الآية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمقداد «كان رجل مؤمن يخفي إيمانه مع قوم كفار، فأظهر إيمانه فقتلته، كذلك كنت تخفي إيمانك بمكة قبل» .
هـ- وذكر النسفي: أن مرداس بن نهيك أسلم، ولم يسلم من قومه غيره فغزتهم سرية لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى منفرج من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد، واستاق غنمه، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد وجدا شديدا وقال:«قتلتموه إرادة ما معه ثم قرأ الآية على أسامة» .
2 -
من هذه الآية نفهم أن الفارق الرئيسي بين قتال المسلمين، وقتال غيرهم. أن غير المسلمين يقاتلون من أجل الدنيا متمثلة باحتلال أرض، أو بسوق اقتصادي، أو من