الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. وقال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً. فقد كتموا؟. فقال ابن عباس: أما قوله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. فإنهم لما رأوا يوم القيامة، أن الله لا يغفر إلا لأهل الإسلام، ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا، ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره، جحد المشركون فقالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ؛ رجاء أن يغفر لهم فختم الله على أفواههم، وتكلمت أيديهم، وأرجلهم بما كانوا يعملون. فعند ذلك يود الذين كفروا، وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
تحقيق وتعليق
1 -
يقول الألوسي مبينا وجهتي النظر في قوله تعالى وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ. هم موالي الموالاة. أخرج ابن جرير. وغيره عن قتادة قال: كان الرجل يعاقد الرجل في الجاهلية فيقول دمي دمك، وهدمي هدمك، وترثني وأرثك، وتطلب بي وأطلب بك؛ فجعل له السدس من جميع المال في الإسلام، ثم يقسم أهل الميراث ميراثهم، فنسخ ذلك بعد في سورة الأنفال بقوله سبحانه: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ.
وروي ذلك من غير ما طريق عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذلك عن غيره، ومذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه أنه إذا أسلم رجل على يد رجل وتعاقدا على أن يرثه ويعقل عنه صح وعليه عقله وله إرثه إن لم يكن له وارث أصلا، وخبر النسخ المذكور لا يقوم حجة عليه، إذ لا دلالة فيما ادعى ناسخا على عدم إرث الحليف لا سيما وهو إنما يرثه عند عدم العصبات وأولي الأرحام، والأيمان هنا جمع يمين بمعنى اليد اليمنى، وإضافة العقد إليها لوضعهم الأيدي في العقود أي بمعنى القسم اهـ.
2 -
ويقول صاحب الظلال عند قوله تعالى الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ.
إن الأسرة- كما قلنا- هي المؤسسة الأولى في الحياة الإنسانية. الأولى من ناحية أنها نقطة البدء التي تؤثر في كل مراحل الطريق. والأولى من ناحية الأهمية لأنها تزاول إنشاء وتنشئة العنصر الإنساني، وهو أكرم عناصر هذا الكون، في التصور الإسلامي.
وإذا كانت المؤسسات الأخرى الأقل شأنا، والأرخص سعرا، كالمؤسسات المالية والصناعية والتجارية، وما إليها .. لا يوكل أمرها- عادة- إلا لأكفاء المرشحين لها، ممن تخصصوا في هذا الفرع علميا، ودربوا عليه عمليا، فوق ما وهبوا من استعدادات طبيعية للإدارة والقوامة
…
إذا كان هذا هو الشأن في المؤسسات الأقل شأنا والأرخص سعرا
…
فأولى أن تتبع هذه القاعدة في مؤسسة الأسرة، التي تنشئ أثمن عناصر الكون .. العنصر الإنساني ..
والمنهج الرباني يراعي هذا. ويراعي به الفطرة، والاستعدادات الموهوبة لشطري النفس لأداء الوظائف المنوطة بكل منهما وفق هذه الاستعدادات، كما يراعي به العدالة في توزيع الأعباء على شطري النفس الواحدة. والعدالة في اختصاص كل منهما بنوع الأعباء المهيأ لها، المعان عليها من فطرته واستعداداته المتميزة المتفردة ..
والمسلم به ابتداء أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله. وأن الله- سبحانه- لا يريد أن يظلم أحدا من خلقه، وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة!
وقد خلق الله الناس ذكرا وأنثى .. زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون .. وجعل من وظائف المرأة أن تحمل، وتضع، وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل .. وهي وظائف ضخمة أولا، وخطيرة ثانيا. وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى: فكان عدلا كذلك أن ينوط بالشطر الثاني- الرجل- توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى؛ كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة؛ ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل .. ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد. وكان عدلا كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي
والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه. وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك. وكان هذا فعلا .. ولا يظلم ربك أحدا .. ومن ثم زودت المرأة- فيما زودت به من الخصائص- بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال، والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة- بغير وعي
ولا سابق تفكير- لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها- حتى في الفرد الواحد- لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه، بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية! لتسهل تلبيتها فورا وفيما يشبه أن يكون قسرا. ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج؛ ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك، لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى. مهما يكن فيها من المشقة والتضحية! صنع الله الذي أتقن كل شئ.
وهذه الخصائص ليست سطحية. بل هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة .. بل يقول كبار العلماء المختصين: إنها غائرة في تكوين كل خلية. لأنها عميقة في تكوين الخلية الأولى، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين، بكل خصائصه الأساسية! وكذلك زود الرجل- فيما زود به من الخصائص- بالخشونة والصلابة، وبطء الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة. لأن وظائفه كلها من أول الصيد الذي كان يمارسه في أول عهده بالحياة إلى القتال الذي يمارسه دائما لحماية الزوج والأطفال. إلى تدبير المعاش .. إلى سائر تكاليفه في الحياة .. لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام، وإعمال الفكر، والبطء في الاستجابة بوجه عام! .. وكلها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها .. وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة، وأفضل في ممارستها .. كما أن تكاليفه بالإنفاق- وهو فرع من توزيع الاختصاصات- يجعله بدوره أولى بالقوامة، لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها .. وهذان هما العنصران اللذان أبرزهما النص القرآني، وهو يقرر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي.
قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد. ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات. ولها أسبابها من العدالة في التوزيع من ناحية، وتكليف كل شطر- في هذا التوزيع- بالجانب الميسر له، والذي هو معان عليه من الفطرة.
وأفضليته في مكانها .. في الاستعداد للقوامة والدربة عليها والنهوض بها بأسبابها .. لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة- كسائر المؤسسات الأقل شأنا والأرخص سعرا- ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها معان عليها، مكلف تكاليفها. وأحد الشطرين غير مهيأ لها، ولا معان عليها .. ومن الظلم أن يحمل تكاليفها إلى جانب
أعبائه الأخرى .. وإذا هو هيئ بالاستعدادات الكامنة، ودرب عليها بالتدريب العلمي والعملي فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى .. وظيفة الأمومة .. لأن لها هي الأخرى مقتضياتها واستعداداتها. وفي مقدمتها سرعة الانفعال، وقرب الاستجابة.
فوق الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي، وآثارها في السلوك والاستجابة! إنها مسائل خطيرة .. أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر .. وأخطر من أن تترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء .. وحين تركت لهم ولأهوائهم في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة، هددت البشرية تهديدا خطيرا فى وجودها ذاته؛ وفي بقاء الخصائص الإنسانية التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز.
ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها؛ ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها ..
ولعل من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد، ومن تدهور وانهيار، ومن تهديد بالدمار والبوار، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة. فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة. أو اختلطت معالمها. أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة!
ولعل من هذه الدلائل توقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة. وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة؛ عند ما تعيش مع رجل لا يزاول مهام القوامة؛ وتنقصه صفاتها اللازمة؛ فيكل إليها هي القوامة! وهي حقيقة ملحوظة تسلم بها حتى الخابطات في الظلام.
ولعل من هذه الدلائل أن الأطفال- الذين ينشئون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب. إما لأنه ضعيف الشخصية، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر.
وإما لأنه مفقود: لوفاته- أو لعدم وجود أب شرعي! - قلما ينشئون أسوياء. وقل ألا ينحرفون إلى شذوذ ما في تكوينهم العصبي، والنفسي، وفي سلوكهم العلمي والخلقي .. فهذه كلها بعض الدلائل، التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها! ولا نستطيع أن نستطرد أكثر من هذا- في سياق الظلال- عن قوامة الرجال ومقوماتها ومبرراتها، وضرورتها وفطريتها كذلك .. ولكن ينبغي أن نقول: إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت، ولا في المجتمع الإنساني، وإلغاء وضعها «المدني» - كما بينا ذلك من قبل- وإنما هي وظيفة- داخل كيان الأسرة