الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والآيتان الأخيرتان فيه: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ
…
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ فالمقطع يبدأ بالأمر بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم، وأولي الأمر من المسلمين في طاعة الله، وأن على كل المسلمين أن يرجعوا إلى الكتاب والسنة حال التنازع، وفي المقطع حديث عمن يدعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى الطاغوت، وإذا دعي إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم أو إلى الكتاب والسنة أعرض فهؤلاء هم المنافقون. والمقطع يبين لنا أن الله- عز وجل ما أرسل رسولا إلا ليطاع، فهؤلاء الذين يعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحققوا ما يقتضيه إرسال الرسل لهم، وقد بين المقطع أنه لا إيمان إلا بتحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم في النزاع والتسليم لحكمه، وأن على المؤمن أن يطيع الله، ولو كان في ذلك ترك الأوطان، وقتل الأنفس، وأن عاقبة الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم حميدة، ثم ذكرنا المقطع بأن الطاعة لله والرسول صلى الله عليه وسلم تجعل صاحبها مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وهذا يذكرنا بصلة المقطع بالمحور، وصلة المحور بمقدمة سورة البقرة، وصلة مقدمة سورة البقرة بسورة الفاتحة صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ.
المعنى العام للمقطع:
يأمر عز وجل بطاعة الله، وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك بطاعة كتابه، والأخذ بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. كما يأمر بطاعة أولي الأمر فيما يأمرون من طاعة الله، لا في معصيته.
وأولو الأمر في الأصل: العلماء والأمراء. ثم أمر تعالى أن يرد كل تنازع يقع بين الناس في أصول الدين، أو فروعه، أو في أي أمر إلى الكتاب والسنة. ثم بين أن علامة الإيمان بالله واليوم الآخر هو رد الخصومات إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاحتكام إليهما في كل شئ مما شجر فيه خلاف، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك، فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر، ثم بين أن التحاكم إلى كتاب الله، وسنة رسوله، والرجوع إليهما في فصل النزاع هو الخير والأحسن عاقبة ومآلا، والأحسن جزاء.
ثم يلفت الله نظر رسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنين المتقين إلى من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله، وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فيعدلون عنهما، ويتحاكمون إلى ما سواهما من
الباطل، مع أن الله- عز وجل أمرهم أن يكفروا بالطاغوت، وهو الباطل هنا، وهو كل ما خالف الكتاب والسنة، وما يفعلون ذلك إلا طاعة للشيطان الذي يريد إضلالهم الضلال البعيد. ثم أكمل الله- عز وجل وصف حالهم بأنهم عند ما يدعون إلى كتاب الله وإلى رسول الله، لا يكون منهم إلا الإعراض الشديد. ثم قال الله مهددا مبينا أن هؤلاء المنافقين ستنزل بهم مصائب بسبب مواقفهم، وعندئذ يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم حالفين كذبا وزورا. وقد سيق هذا المعنى بعبارة مضمونها،
فكيف إذا ساقتهم المقادير إليك في مصائب تطرقهم بسبب ذنوبهم، فاحتاجوا إليك فجاءوك يعتذرون إليك، ويحلفون ما أردنا بذهابنا إلى غيرك، وتحاكمنا إلى أعدائك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة، لا اعتقادا منا صحة تلك الحكومة، وذلك دأب المنافقين يسيرون تحت لواء الكافرين. ثم يدعون أنهم فعلوا ذلك بقصد الإحسان والتوفيق. ولا تعبير يستطيع أن يحل محل اعتذار المنافقين بإرادتهم الإحسان والتوفيق في سيرهم مع الكافرين، أو في الرضوخ لحكمهم. كتعبيرهم ذلك في التغطية على فعلتهم.
ثم بين الله- عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذا الضرب من الناس هم المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم، وسيجزيهم على ذلك. فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف بعلمه فيهم، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم، فلا تعنفهم على ما في قلوبهم، وانههم بوعظك عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر، وانصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم. وبهذا اكتملت هذه الصورة للمنافقين. وهي صورة لمن يرفض الاحتكام للكتاب والسنة، ويحتكم في شأنه إلى غيرهما، وما ينبغي أن يكون الموقف منهم. فدل على أن الاهتداء بكتاب الله، وقبول الاحتكام له، والخضوع لحكمه هو الذي يحدد تقوى الإنسان أو نفاقه.
ثم بين الله- عز وجل أن ما أمر به من طاعته وطاعة رسوله هو الأصل الدائم عنده، فما أرسل رسولا إلا من أجل أن يطاع، ولا يطيع الرسل إلا من وفقه الله، ثم أرشد الله تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيستغفروا الله عنده، ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك، تاب الله عليهم ورحمهم، وغفر لهم. ثم أقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا إيمان حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له ظاهرا وباطنا، فكما تجب الطاعة الظاهرة، يجب الانقياد الباطني لحكمه بالتسليم الكلي من غير