الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ أي: لم تجادلون في شأنه، فيزعم بعضكم أنه يهودي، ويزعم بعضكم الآخر أنه نصراني وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ فمن أين له اليهودية أو النصرانية، وكتابا الديانتين ما أنزلا إلا من بعده بكثير أَفَلا تَعْقِلُونَ حتى لا تجادلوا مثل هذا الجدال المحال.
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ أي: أنتم هؤلاء الأشخاص الحمقى، وبيان حماقتكم؛ وقلة عقولكم أنكم جادلتم بالباطل فيما لكم به علم فخالفتم علمكم، مما نطق به التوراة والإنجيل. قال القرطبي: يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم لأنهم كانوا يعلمونه فيما يجدون من نعته في كتابهم فحاجوا فيه بالباطل. فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ولا ذكر له في كتابكم قال القرطبي: «يعني دعواهم في إبراهيم أنه كان يهوديا أو نصرانيا» .
وَاللَّهُ يَعْلَمُ علم ما حاججتم فيه. وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ أي وأنتم جاهلون به.
ثم أعلمهم أن إبراهيم برئ مما نسبوه إليه فقال: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً أي مائلا عن كل دين إلا دين الله. مُسْلِماً لله في شأنه كله وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وقد أشركتم أنتم وغيركم، فكيف يكون منكم!!!
إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ أي أخصهم به، وأقربهم منه، وأحقهم بالانتساب إليه لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أي أتباعه في زمانه وبعده. وَهذَا النَّبِيُّ أي محمد عليه السلام خص بالذكر لخصوصيته بالفضل. وَالَّذِينَ آمَنُوا من أمة محمد عليه السلام.
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ أي ناصرهم.
فوائد:
1 -
أخرج البخاري نص رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عن ابن عباس عن أبي سفيان في قصة حين دخل على قيصر فسأله عن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن صفته ونعته، وما يدعو إليه، فأخبره بجميع ذلك على الجلية. وكان ذلك بعد صلح الحديبية، وقبل الفتح، وكما هو مصرح به في الحديث وهذا نص الرسالة:
«بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، ويا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. وهذا يفيد أن آية «قل يا أهل الكتاب تعالوا
…
» قد نزلت قبل مجئ وفد نجران في السنة التاسعة:
وقد ذكر ابن كثير مجموعة وجوه للتوفيق بين قول ابن إسحاق إن صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية، نزل بمناسبة مجئ وفد نجران في السنة التاسعة وكون هذه الآية في رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل في السنة السابعة ومن هذه الأوجه:
2 -
يقول صاحب الظلال تعليقا على آية قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ: إن الناس في جميع النظم الأرضية يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله .. يقع هذا في أرقى الديمقراطيات كما يقع في الديكتاتوريات سواء .. إن أول خصائص الربوبية هو حق تعبد الناس، حق إقامة النظم والمناهج والشرائع والقوانين والقيم والموازين .. وهذا الحق في جميع الأنظمة الأرضية يدعيه بعض الناس- في صورة من الصور- ويرجع الأمر فيه إلى مجموعة من الناس- على أي وضع من الأوضاع- وهذه المجموعة التي تخضع الآخرين لتشريعها، وقيمها وموازينها، وتصوراتها، هي الأرباب الأرضية التي يتخذها بعض الناس أربابا من دون الله، ويسمحون لها بادعاء خصائص الألوهية والربوبية، وهم بذلك يعبدونها من دون الله، وإن لم يسجدوا لها ويركعوا. فالعبودية عبادة لا يتوجه بها إلا لله.
وفي النظام الإسلامي وحده يتحرر الإنسان من هذه الربقة .. ويصبح حرا. حرا يتلقى التصورات، والنظم، والمناهج، والشرائع، والقوانين، والقيم والموازين، من الله وحده، شأنه في هذا شأن كل إنسان آخر مثله. فهو وكل إنسان آخر على سواء.
كلهم يقفون في مستوى واحد ويتطلعون إلى سيد واحد، ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.
والإسلام- بهذا المعنى- هو الدين عند الله. وهو الذي جاء به كل رسول من عند الله .. لقد أرسل الله الرسل بهذا الدين ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله.
ومن جور العباد إلى عدل الله .. فمن تولى عنه فليس مسلما بشهادة الله. مهما أول
المؤولون، وضلل المضللون .. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ ..
3 -
ذكر ابن إسحاق عن ابن عباس في سبب نزول قوله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ قال:
اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده، فقالت الأحبار: ما كان إبراهيم إلا يهوديا، وقالت النصارى: ما كان إبراهيم إلا نصرانيا، فأنزل الله تعالى يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ
…
4 -
روى الترمذي والبزار عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لكل نبي ولاة من النبيين، وإن وليي منهم أبي وخليل ربي عز وجل» ثم قرأ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ .... وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن حوشب قال: حدثني ابن غنم، أنه لما خرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي، أدركهم عمرو بن العاص، وعمارة بن أبي معيط فأرادوا عنتهم والبغي عليهم، فقدموا على النجاشي وأخبروه أن هؤلاء الرهط الذين قدموا عليك من أهل مكة، يريدون أن يحيلوا عليك ملكك، ويفسدوا عليك أرضك، ويشتموا ربك، فأرسل إليهم النجاشي، فلما أن أتوه قال: ألا تسمعون ما يقول صاحباكم هذان- لعمرو بن العاص. وعمارة بن أبي معيط؟ - يزعمان أنما جئتم لتحيلوا علي ملكي، وتفسدوا علي أرضي، فقال عثمان بن مظعون وجعفر: إن شئتم خلوا بين أحدنا وبين النجاشي، فليكلمه أينا أحدثكم سنا فإن كان صوابا فالله يأتي به، وإن كان أمرا غير ذلك قلتم:
رجل شاب لكم في ذلك عذر، فجمع النجاشي قسيسيه ورهابنته وتراجمته، ثم سألهم أرأيتكم صاحبكم هذا الذي من عنده جئتم ما يقول لكم وما يأمركم به، وما ينهاكم عنه، هل له كتاب يقرؤه؟ قالوا: نعم هذا الرجل يقرأ ما أنزل الله تعالى عليه، وما قد سمع منه. ويأمر بالمعروف، ويأمر باليتيم، ويأمر بحسن المجاورة، ويأمر بأن يعبد الله تعالى وحده، ولا يعبد معه إله آخر فقرأ عليه- سورة الروم، والعنكبوت، وأصحاب الكهف، ومريم، فلما أن ذكر عيسى في القرآن، أراد عمرو أن يغضبه عليهم فقال:
والله إنهم يشتمون عيسى ويسبونه، قال النجاشي: ما يقول صاحبكم في عيسى؟ قال يقول: إن عيسى عبد الله ورسوله، وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم، فأخذ النجاشي نفثة من سواكه قدر ما يقذي العين، فحلف ما زاد المسيح على ما يقول صاحبكم بما يزن ذلك القذى في يده من نفثة سواكه، فأبشروا ولا تخافوا فلا دهونة- يعني بلسان