الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لاستهموا». والأحاديث في هذا المعنى كثيرة. وكيفية القرعة مذكورة في كتب الفقه والخلاف. واحتج أبو حنيفة بأن قال: إن القرعة في شأن زكريا وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم كانت مما لو تراضوا عليه دون قرعة لجاز. قال ابن العربي: «وهذا ضعيف، لأن القرعة إنما فائدتها استخراج الحكم الخفي عند التشاح؛ فأما ما يخرجه التراضي [فيه] فباب آخر، ولا يصح لأحد أن يقول: إن القرعة تجري مع موضع التراضي، فإنها لا تكون أبدا مع التراضي وإنما تكون فيما يتشاح الناس فيه ويضن به. وصفة القرعة عند الشافعي ومن قال بها: أن تقطع رقاع صغار مستوية، فيكتب في كل رقعة اسم ذي السهم، ثم تجعل في بنادق طين مستوية لا تفاوت فيها، ثم تجفف قليلا، ثم تلقى في ثوب رجل لم يحضر ذلك، ويغطى عليها ثوبه، ثم يدخل يده ويخرج، فإذا أخرج اسم رجل أعطي الجزء الذي أقرع عليه.
3 -
هناك اتجاهان في موضوع المباهلة، هل هي جائزة لإظهار الحق أبدا، أو أنها خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ والثاني هو الأقوى. قال الألوسي:«ومن ذهب إلى جواز المباهلة اليوم على طرز ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم استدل بما أخرجه عبد بن حميد عن قيس ابن سعد أن ابن عباس رضي الله عنه كان بينه وبين آخر شئ فدعاه إلى المباهلة» .
فصل في ذكر بعض ما حدث عقيب نزول آية المباهلة:
يقول الألوسي: أخرج البخاري ومسلم «أن العاقب والسيد أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يلاعنهما فقال أحدهما لصاحبه: لا تلاعنه فو الله لئن كان نبيا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا فقالا له: نعطيك ما سألت فابعث معنا رجلا أمينا فقال: قم يا أبا عبيدة فلما قام قال هذا أمين هذه الأمة» . وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق عطاء، والضحاك عن ابن عباس «أن ثمانية من أساقفة أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم العاقب والسيد فأنزل الله تعالى فَقُلْ تَعالَوْا الآية فقالوا: أخرنا ثلاثة أيام، فذهبوا إلى بني قريظة والنضير وبني قينقاع؛ فاستشاروهم فأشاروا عليهم أن يصالحوه ولا يلاعنوه، وقالوا: هو النبي الذي نجده في التوراة فصالحوا النبي صلى الله عليه وسلم على ألف حلة في صفر، وألف في رجب ودراهم». وروى أنهم صالحوه على أن يعطوه في كل عام ألفي حلة، وثلاثا وثلاثين درعا، وثلاثة وثلاثين بعيرا، وأربعا وثلاثين فرسا».
وأخرج في الدلائل أيضا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس «أن وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم السيد- وهو الكبير- والعاقب- وهو الذي يكون بعده وصاحب رأيهم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما، قالا: أسلمنا قال: ما أسلمتها. قالا: بلى قد أسلمنا قبلك.
قال: كذبتما يمنعكما من الإسلام ثلاث فيكما: عبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير، وزعمكما أن لله ولدا، ونزل إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية. فلما قرأها عليهم قالوا: ما نعرف ما تقول: ونزل فَمَنْ حَاجَّكَ الآية فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«إن الله تعالى قد أمرني إن لم تقبلوا هذا أن أباهلكم» . فقالوا: يا أبا القاسم بل نرجع فننظر في أمرنا ثم نأتيك، فخلا بعضهم ببعض وتصادقوا فيما بينهم. قال السيد
للعاقب: قد والله علمتم أن الرجل نبي مرسل ولئن لا عنتموه إنه لاستئصالكم، وما لا عن قوم نبيا قط فبقى كبيرهم ولا نبت صغيرهم، فإن أنتم لن تتبعوه وأبيتم إلا إلف دينكم فوادعوه وارجعوا إلى بلادكم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن أنا دعوت فأمنوا أنتم، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية» .
وعن الشعبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو أتموا الملاعنة» وعن جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمطر الوادي عليهما نارا» . وروي أن أسقف نجران «لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلا ومعه علي وفاطمة والحسنان رضي الله عنهم قال: يا معشر النصارى! إني لأرى وجوها لو سألوا الله تعالى أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله فلا تباهلوا تهلكوا» .
هذا وإنما ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النفس، الأبناء والنساء مع أن القصد من المباهلة تبين الصادق من الكاذب، وهو يختص به وبمن يباهله، لأن ذلك أتم في الدلالة على ثقته بحاله، واستيقانه بصدقه، وأكمل نكاية بالعدو، وأوفر إضرارا به لو تمت المباهلة، وفي هذه القصة أوضح دليل على نبوته صلى الله عليه وسلم وإلا لما امتنعوا عن مباهلته، ودلالتها على فضل آل رسول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم مما لا يمتري فيها مؤمن» اهـ.
أقول: نقلنا هذا النقل عن الألوسي مع أننا كنا نقلنا بعض رواياته من قبل لما في ذلك من استيعاب مفيد.