الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. أي: بدلا من أن تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض، سلوا الله يعطكم، فإنه واسع الفضل. قال ابن عيينة: لم يأمر بالمسألة إلا ليعطي. إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً. تفضيله بعلم، وعطاؤه بعلم، وإذا سئل يعلم، فلا تعترضوا على الله في فعل أو حكم.
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ. الموالي: هم الوراث، يلون المال ويحرزونه. وقوله تعالى: وَلِكُلٍّ. يحتمل في هذا المقام إما: ولكل أحد، وإما: ولكل مال. مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ. فصار المعنى: لكل مال مما ترك الوالدان والأقربون جعلنا وراثا يرثونه ويحوزونه، هذا على تقدير أن المحذوف بعد:(ولكل) كلمة: مال، وعلى القول بأن المقدر بعد (ولكل) كلمة: أحد يكون المعنى: ولكل أحد جعلنا له وراثا يرثون مما ترك الوالدان والأقربون. وعلى هذا نكون قد قدرنا فعلا قبل (مما ترك). استخرجناه من معنى قوله تعالى: مَوالِيَ. وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ.
أي: والذين عاقدتهم أيديكم أي: عقدت عهودهم أيمانكم فأعطوهم نصيبهم من الميراث. وفي الآية إشارة إلى عقد الموالاة، وهو مشروع عند الحنفية، ويرث صاحبه الميت بعد أصحاب الفروض، والعصبة، وذوي الأرحام، وتفسيره: إذا أسلم رجل أو امرأة ولا وارث له، وليس بعربي، ولا معتق، وأراد فإنه يقول لعربي مسلم: واليتك على أن تعقلني إذا جنيت، وترث مني إذا مت، ويقول الآخر: قبلت. انعقد ذلك، ويرث العربي من مولاه إذا لم يكن هناك أحق منه من صاحب فرض، أو عصبة، أو رحم إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً. فهو عالم الغيب والشهادة، ويفيد هنا أنه شهيد على عقودكم ففوا بها، وقوموا بالتزاماتها، وهو أبلغ وعد ووعيد، فإذا كان الله شهيدا
على عقودنا فإنه يأجر على الوفاء، ويعاقب على الغدر والنكث.
فوائد:
1 -
يعتبر فقهاء الشافعية أن من تمام التراضي بالبيع، إثبات خيار المجلس كما ثبت في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» . وفي لفظ البخاري: «إذا تبايع الرجلان، فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا» . وهذا مذهب أحمد. وفهم الحنفية من الحديث، أن المراد منه تفرق الأقوال، لا الأجساد.
2 -
وقال الفقهاء: إن من تمام التراضي في عقد البيع، مشروعية خيار الشرط بعد العقد إلى ثلاثة أيام إذا وجد في العقد. وما زاد على الثلاثة أيام، فيه خلاف فمنهم
من أجاز الشروط، ولو إلى سنة.
3 -
روى الإمام أحمد، وغيره عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام ذات السلاسل قال:(احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له ذلك. فقال: «يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب». قال: قلت يا رسول الله: إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول الله عز وجل: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً. فتيممت، ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا)
4 -
قال صلى الله عليه وسلم: من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو مترد في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا». والحديث في الصحيحين. وفي هذا المعنى ما رواه الجماعة:
«من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة» . وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
5 -
روى البزار عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا- عز وجل ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال: أن تجاوز لنا عما دون الكبائر، يقول الله: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ.
6 -
روى البخاري عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري يقولان: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال: «والذي نفسي بيده» . ثلاث مرات. ثم أكب، فأكب، كل رجل منا يبكي لا ندري ماذا حلف عليه، ثم رفع رأسه وفي وجهه البشرى. فكان أحب إلينا من حمر النعم. فقال: «ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان ويخرج الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة ثم قيل له:
ادخل بسلام». وفي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات قيل يا رسول الله: وما هن؟. قال: «الشرك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسحر، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» .
وقد اختلف الناس كثيرا في تفسير الكبائر، وعدها، وحدها، وكونها ذكرت في الحديث السابق سبعا لا يفيد الحصر، لأن لفظ الكبيرة قد ورد في أحاديث أخرى.
وورد فيها غير السبع، فذكرت شهادة الزور على أنها من أكبر الكبائر، وذكر من الكبائر، اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله- عز وجل والأمن من مكر الله، وذكر التعرب بعد الهجرة. وذكر عمر رضي الله عنه في إحدى رسائله، أن من الكبائر، الجمع بين الصلاتين، والنهبة، وذكر في بعض الأحاديث، أن من أكبر الكبائر استطالة الرجل في عرض رجل مسلم بغير حق. ومن الكبائر السبتان بالسبة.
وذكر في بعض الأحاديث، أن من الكبائر عقوق الوالدين، واليمين الغموس. وقد ألفت كتب في الكبائر، وحدها، وعدها. فلتراجع. ومما يدل على أن الكبائر كثيرة، وهي أكثر مما ذكر في الحديث الأول: أنه لا يشك أحد في أن الزنا، والسرقة كبيرتان.
ولم تدخلا في الحديث. ولذلك قال ابن عباس: (هن إلى السبعين أدنى منهن إلى سبع). وقال مرة: (هن إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع. غير أنه لا كبيرة مع استغفار، ولا صغيرة مع إصرار) وإنا نسأل الله توبته، وإنا لنرجوا شفاعة رسولنا صلى الله عليه وسلم كما ورد في الحديث الصحيح:«شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» . رواه عبد الرزاق.
وفي الصحيح شاهد لمعناه. وهو قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذكر الشفاعة: «أترونها للمؤمنين المتقين؟. لا. ولكنها للخاطئين المتلوثين» .
7 -
عن مجاهد قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا نقاتل فنستشهد، ولا نقطع الميراث؟. فنزلت الآية. أي قوله تعالى: وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ ....
وقال السدي في الآية: قال الرجال إنا نريد أن يكون لنا من الأجر الضعف على أجر النساء كما لنا في السهام سهمان. وقالت النساء: إنا نريد أن يكون لنا أجر مثل أجر الشهداء. فإنا لا نستطيع أن نقاتل. ولو كتب علينا القتال لقاتلنا. فأبى الله ذلك.
ولكن قال لهم: سلوني من فضلي
…
وقال ابن عباس في الآية: ولا يتمنى الرجل، فيقول: ليت لو أن لي مال فلان، وأهله. فنهى الله عن ذلك. ولكن يسأل الله من فضله.
8 -
بمناسبة قوله تعالى: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سلوا الله من فضله. فإن الله يحب أن يسأل، وإن أفضل العبادة،