الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجهاد كيلا يتقاعس المسلمون عن الجهاد بحجة التبين، هدد المسلمين المقيمين بين ظهراني الكافرين إن لم يهاجروا، وبهذه المناسبة يذكر حكم الصلاة في السفر. وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ. سافرتم فيها، فالضرب في الأرض: هو السفر. فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ .... أي: ليس عليكم حرج في أن تقصروا من أعداد ركعات الصلاة الرباعية، فتصلوها ركعتين. إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا. أي: إن خشيتم أن يقصدكم الكفار بقتل أو جرح أو أخذ. والخوف شرط جواز القصر عند الخوارج؛ لظاهر هذا النص، وعند أهل السنة ليس بشرط.
روى الإمام أحمد ومسلم وأصحاب السنن عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب قلت له: قوله فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ
…
وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال:«صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» . إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً. وصدق الله فما من عداوة أوضح من عداوة الكافر للمؤمن، وذكر العداوة هنا أمر بالتحرز.
فوائد:
1 -
روى البخاري عن أنس قال: «خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا» . وروى الإمام أحمد عن حارثة بن وهب الخزاعي قال: «صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر بمنى أكثر ما كان الناس وآمنه ركعتين» والكلام عن صلاة المسافر مفصل في كتب الفقه.
2 -
من قوله تعالى: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ فهم الشافعي أن القصر رخصة في السفر، والإكمال عزيمة، لأن لا جناح، يستعمل في موضع التخفيف والرخصة، لا في موضع العزيمة. وقال الحنفية: القصر عزيمة غير رخصة، ويكره الإكمال كراهة تحريم؛ لما روى الإمام أحمد والنسائي وابن ماجه وابن حبان بإسناد صحيح عن عمر قال:«صلاة السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم» . وأما الآية فقد قال النسفي في توجيهها: فكأنهم ألفوا الإتمام فكانوا مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانا في القصر، فنفى عنهم الجناح لتطيب أنفسهم بالقصر، ويطمئنوا إليه، اهـ.
3 -
تعليق قصر الصلاة هنا على الخوف يشبه قوله تعالى في سورة النور: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً فكما أنه لا يفهم من التعليق بإرادة الإحصان جواز البغاء عند عدم إرادته فكذلك هنا، ومحل التوسع في فهم مثل هذه النصوص وغيرها كتب أصول الفقه.
4 -
هناك اتجاه آخر في فهم الآية، هذا الاتجاه يقول: إن الآيات على ظاهرها وليس المراد بها صلاة السفر والمسافر، وإنما المراد بها بيان جواز قصر الصلاة والصلاة بالقدر المستطاع في حالة كون المسلم خائفا في قتال، أو وهو مطارد من قبل الكافرين، أو وهو يحتمل المطاردة، فإنه في هذه الحالة كلها يقصر، وقد اختلف في حدود هذا القصر، قال ابن عباس: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة .. وقال جبير عن الضحاك: ذاك عند القتال يصلي الرجل الراكب تكبيرتين حيث كان وجهه. وعلى هذا الاتجاه تكون الآية اللاحقة زيادة بيان للآية السابقة في تبيان حالة أخرى من حالات الصلاة في الخوف.
ولنعد إلى السياق: فقد رأينا أنه بمناسبة الكلام عن الهجرة ذكرت صلاة السفر، ولكن هذا الورود كان ضمن سياق القتال. وعلى هذا فإن الآية التالية تبين لنا صورة من صور الصلاة في القتال.
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ. أي: وإذا كنت يا محمد في أصحابك، فأردت أن تقيم الصلاة بهم. قال أبو يوسف: هذا النص خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم فلا صلاة خوف بعده صلى الله عليه وسلم وقال غيره: الأئمة نواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر، فكان الخطاب له متناولا لكل إمام، ودليله فعل الصحابة بعده صلى الله عليه وسلم فالخطاب في الآية، وإن كان له صلى الله عليه وسلم، فهو يشمل كل أمير للمسلمين إلى يوم القيامة. فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ. أي: فاجعلهم طائفتين. فلتقم إحداهما معك، فصل بها، وتقوم طائفة تجاه العدو. وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ. أي: وليأخذ الجميع أسلحتهم. والمصلون يأخذون من السلاح، ما لا يشغلهم عن الصلاة فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ. قال الحنفية وكثيرون غيرهم في تفسيرها. أي: إذا قيدوا ركعتهم بسجدتين، فلترجع هذه الطائفة، لتقف بإزاء العدو حتى إذا انتهت الطائفة الثانية من صلاتها، تكمل الطائفة الأولى صلاتها في محلها، أو في مكان الصلاة الأول. وقال