الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كل إنسان طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وخلال ذلك كان كلام عن الكفر والكافرين، ومواقفهم وأسبابها. وتم القسم بعد أن وضح أمورا كثيرة رأيناها.
والآن يأتي قسم جديد، يضع الأمور في مواضعها في قضية المسيح ابن مريم وأمه، ليكون القسم الأول والثاني مقدمتين لفتح حوار شامل مع أهل الكتاب، وذلك مضمون القسم الثالث في السورة لتكون الأقسام الثلاثة في السورة بعد ذلك بمثابة مقدمة كبيرة لتوجيهات مباشرة لأهل الإيمان.
إن القسم الأول فى السورة، وهو ما مر معنا كان بمثابة مقدمة للقسم الثاني كما سنرى، والقسم الأول والثاني هما بمثابة المقدمتين للقسم الثالث. والأقسام الثلاثة هي بمثابة التوطئة للقسمين الأخيرين في السورة وكل ذلك سنراه.
وقد رأينا كيف أن القسم الأول فصل في مقدمة سورة البقرة وسنرى أن القسم الثاني سيفصل كذلك في مقدمة سورة البقرة. وكل الأقسام في السورة هذا شأنها.
فمحور سورة آل عمران هو مقدمة سورة البقرة، وسورة آل عمران تفصل في هذه المقدمة وامتداداتها، وكما أنها تفصل في ذلك فإن لها سياقها الخاص ووحدتها الكاملة.
ولنختم الكلام عن القسم الأول من سورة آل عمران ب
فصول و
نقول
نكمل بها تفسير القسم.
فصول ونقول:
نقول:
1 -
قال الألوسي عن وجه مناسبة سورة آل عمران لسورة البقرة: «ووجه مناسبتها لتلك السورة، أن كثيرا من مجملاتها تشرح بما في هذه السورة، وأن سورة البقرة، بمنزلة إقامة الحجة، وهذه بمنزلة إزالة الشبهة، ولهذا تكرر فيها ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب، من إنزال الكتاب وتصديقه للكتب قبله، والهدى إلى الصراط المستقيم، وتكررت آية قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ
…
بكمالها ولذلك ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك أو لازم له، فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق
أولاده؛ وألطف من ذلك أنه افتتح البقرة بقصة آدم وخلقه من تراب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب وهو عيسى، ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور وهو أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل وهذه كالفرع والتتمة لها فاختصت بالأغرب، ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم لتثبت في أذهانهم فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها، ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم والمقيس عليه لا بد وأن يكون معلوما لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم- والسورة التي هي فيها- جديرة بالتقديم.
وقد ذكر بعض المحققين من وجوه التلازم بين السورتين، أنه قال في البقرة في صفة النار: أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معا، وقال في آخر هذه: وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة، ومما يقوي التناسب والتلازم بينهما أن خاتمة هذه مناسبة لفاتحة تلك، لأن الأولى افتتحت بذكر المتقين وأنهم المفلحون، وختمت هذه بقوله تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وافتتحت الأولى بقوله سبحانه الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وختمت آل عمران بقوله تعالى: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ
وقد ورد أن اليهود قالوا لما نزل مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ الآية: يا محمد افتقر ربك، يسأل عباده القرض فنزل: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ وهذا مما يقوي التلازم أيضا، ومثله أنه وقع في البقرة حكاية قول إبراهيم: رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ الآية وهنا لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ الآية إلى غير ذلك. اهـ كلام الألوسي.
2 -
وفي أسماء سورة آل عمران: قال الألوسي:
«
…
وفي صحيح مسلم تسميتها والبقرة- الزهراوين- وتسمى الأمان والكنز والمغنية والمجادلة وسورة الاستغفار».
3 -
من تقديم صاحب الظلال لتفسير سورة آل عمران:
«ولا يتم التعريف المجمل بهذه السورة حتى نلم بثلاثة خطوط عريضة فيها، تتناثر
نقطها في السورة كلها، وتتجمع وتتركز في مجموعها حتى ترسم هذه الخطوط العريضة بوضوح وتوكيد
…
».
«أول هذه الخطوط بيان معنى «الدين» ومعنى «الإسلام» .. فليس الدين- كما يحدده الله- سبحانه- ويريده ويرضاه- هو اعتقاد في الله فحسب .. إنما هو صورة واحدة من صور الاعتقاد فيه- سبحانه- صورة التوحيد المطلق الناصع القاطع: توحيد الألوهية التي يتوجه إليها البشر كما تتوجه إليها سائر الخلائق في الكون بالعبودية. وتوحيد القوامة على البشر وعلى الكون كله، فلا يقوم شئ إلا بالله تعالى، ولا يقوم على الخلائق إلا الله تعالى. ومن ثم يكون الدين الذي يقبله الله من عباده هو «الإسلام» وهو في هذه الحالة: الاستسلام المطلق للقوامة الإلهية، والتلقي من هذا المصدر وحده في كل شأن من شئون الحياة، والتحاكم إلى كتاب الله المنزل من هذا المصدر، واتباع الرسل الذين نزل عليهم الكتاب. وهو في صميمه كتاب واحد، وهو في صميمه دين واحد .. الإسلام .. بهذا المعنى الواقعي في ضمائر الناس وواقعهم العملي على السواء.
والذي يلتقي عليه كل المؤمنين أتباع الرسل .. كل في زمانه .. متى كان معنى إسلامه هو الاعتقاد بوحدة الألوهية والقوامة، والطاعة والاتباع في منهج الحياة كله بلا استثناء
…
فأما الخط الثاني الذي يركز عليه سياق السورة فهو تصوير حال المسلمين مع ربهم واستسلامهم له، وتلقيهم لكل ما يأتيهم منه بالقبول والطاعة والاتباع الدقيق ..
والخط الثالث العريض في سياق السورة هو التحذير من ولاية غير المؤمنين، والتهوين من شأن الكافرين مع هذا التحذير، وتقرير أنه لا إيمان ولا صلة بالله مع تولي الكفار الذين لا يحتكمون لكتاب الله، ولا يتبعون منهجه في الحياة
…
». اهـ.
4 -
عند قوله تعالى لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ يقول صاحب الظلال:
«هكذا .. ليس من الله في شئ. لا في صلة ولا نسبة، ولا دين ولا عقيدة، ولا رابطة ولا ولاية .. فهو بعيد عن الله، منقطع الصلة تماما في كل شئ تكون فيه الصلات.
ويرخص فقط بالتقية لمن خاف في بعض البلدان والأوقات .. ولكنها تقية اللسان لا
ولاء القلب ولا ولاء العمل. قال ابن عباس رضي الله عنهما «ليس التقية بالعمل إنما التقية باللسان» .. فليس من التقية المرخص فيها أن تقوم المودة بين المؤمن والكافر- والكافر هو الذي لا يرضى بتحكيم كتاب الله في الحياة على الإطلاق، كما يدل السياق هنا ضمنا وفي موضع آخر من السورة تصريحا- كما أنه ليس من التقية المرخص بها أن يعاون المؤمن الكافر بالعمل الكفري أو الآثم في صورة باسم التقية. فما يجوز هذا الخداع على الله»؟. وفي الآية نفسها يقول الألوسي:
«والمراد أن لا يراعوا أمورا كانت بينهم في الجاهلية، بل ينبغي أن يراعوا ما هم عليه الآن مما يقتضيه الإسلام من بغض وحب شرعيين يصح التكليف بهما، وإنما قيدنا بذلك لما قالوا: إن المحبة لقرابة أو صداقة قديمة أو جديدة خارجة عن الاختيار معفوة ساقطة عن درجة الاعتبار، وحمل الموالاة على ما يعم الاستعانة بهم في الغزو مما ذهب إليه البعض. ومذهبنا- وعليه الجمهور- أنه يجوز ويرضخ لهم لكن إنما يستعان بهم على قتال المشركين لا البغاة على ما صرحوا به، وما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لبدر فتبعه رجل مشرك كان ذا جراءة ونجدة. ففرح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ارجع فلن أستعين بمشرك» فمنسوخ بأن النبي صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع ورضخ لهم واستعان بصفوان بن أمية في هوازن، وذكر بعضهم جواز الاستعانة بشرط الحاجة والوثوق، أما بدونهما فلا تجوز. وعلى ذلك يحمل خبر عائشة، وكذا ما رواه الضحاك عن ابن عباس في سبب النزول- وبه يحصل الجمع بين أدلة المنع وأدلة الجواز- على أن بعض المحققين ذكر أن الاستعانة المنهي عنها إنما هي استعانة الذليل بالعزيز، وأما إذا كانت من باب استعانة العزيز بالذليل فقد أذن لنا بها، ومن ذلك اتخاذ الكفار عبيدا وخدما، ونكاح الكتابيات منهم وهو كلام حسن كما لا يخفى.
ومن الناس من استدل بالآية على أنه لا يجوز جعلهم عمالا ولا استخدامهم في أمور الديوان وغيره، وكذا أدخلوا في الموالاة المنهي عنها السلام والتعظيم والدعاء بالكنية والتوقير بالمجالس، وفي فتاوى العلامة ابن حجر جواز القيام في المجلس لأهل الذمة وعد ذلك من باب البر والإحسان المأذون به في قوله تعالى: لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ولعل الصحيح أن كل ما عده العرف تعظيما وحسبه المسلمون موالاة
فهو منهي عنه ولو مع أهل الذمة، لا سيما إذا أوقع شيئا في قلوب ضعفاء المؤمنين، ولا أرى القيام لأهل الذمة في المجلس إلا من الأمور المحظورة لأن دلالته على التعظيم
قوية وجعله من الإحسان لا أراه من الإحسان كما لا يخفى» اهـ كلام الألوسي.
أقول: هذه الأمور فيها خلاف كثير، ولا بد من التفريق بين الفتوى والورع، ولا بد من التفريق بين حال قوة المسلمين وضعفهم، ولا بد من معرفة أن هناك حدا أعلى طمح إليه الفقهاء، وأن هناك حدا أدنى من أقوال الفقهاء المعتمدين. هو الذي لا يصح الخروج عليه أو النزول عنه، وعلى ضوء ذلك ينبغي أن ننظر إلى ما نقرؤه في كتب الفقه أو في كتب التفسير أو كتب شروح السنة.
والذي أراه في أحوالنا المعاصرة: أن الحركة الإسلامية في عصرنا ينبغي أن تكون دقيقة في تربيتها لعناصرها، وواسعة الأفق في موضوع الطروح السياسية، فتربي عناصرها على الوضع الأكمل والأورع وعلى ما هو الأصل في الأحكام، وتتبنى في مواقفها السياسية ما هو الأصلح والأنسب لعصرنا من مجموع أقوال العلماء أهل الفتوى البصيرة، بما يسع أوضاع عصرنا.
لقد نص كثيرون ممن تكلموا في الأحكام السلطانية على أنه يجوز أن يتولى أهل الذمة وزارة التنفيذ لا التفويض.
ولقد نص فقهاء الحنفية على أنه يجوز بدأ الذمي بالسلام إذا كانت لك إليه حاجة، كما نصوا على جواز القيام للذمي إذا ترتب على ترك القيام له ضرر، وأجازوا مخاطبة الناس بألقابهم الرسمية ما لم يترتب على ذلك إثم إذا كان ترك الخطاب باللقب يترتب عليه ضرر.
وهكذا نجد مثل هذه التفريعات التي ألجأت إليها مسيرة التاريخ الإسلامي وأوضاع المسلمين.
والذي أقوله: إن حق التربية يقتضي منا أن نربي على العزائم والورع، وحق المعركة يقتضي منا أن نختار من أقوال الأئمة ما تقتضيه ظروف معركتنا المعاصرة.
والأمر دقيق وسيأتي في هذا التفسير ما يوضح مثل هذه الشئون وغيرها وأدلة ذلك.
5 -
عند قوله تعالى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قال الألوسي: