الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإسلام؟! ومن عرف الجهد الذي بذلته وتبذله في زماننا- الدول والمؤسسات الكافرة للحيلولة دون هذا الإسلام، وانتشاره، وتطبيقه، وانتصار دعاته. عرف مقدار صد أهل الكتاب عن سبيل الله، وأخذ صورة عن الصد الذي أنكره الله عليهم مَنْ آمَنَ أي: لم تصدون عن سبيل الله المؤمنين باستعمالكم كل طرق الصد، مما رأينا نماذجه في هذا القسم. ومما نرى نماذجه في عصرنا من تخطيط، وإغراء، وتعذيب بأيديهم، وأيدي أذنابهم. تَبْغُونَها عِوَجاً أي: تريدونها معوجة، وليس أبلغ في التعريف على إرادتهم من هذا التعبير. ولا يفسر هذا التعبير شئ كما يفسره الواقع في عصرنا، إذ يخطط اليهود والنصارى من أجل حصر الإسلام في إطار الروحانيات، والعبادات، إذا لم يستطيعوا إنهاءه من قلوب أبنائه بالكلية. ويبذلون الغالي والرخيص، من أجل أن يحولوا دون قيام الإسلام كاملا، فهم يريدون سبيل الله معوجة، غير مستقيمة منحرفة، فيها إسلام وفيها جاهلية. وَأَنْتُمْ شُهَداءُ أي:
والحال أنكم شهداء على أن محمدا رسول الله، بما تعرفونه في التوراة والإنجيل من صفته، والحال أنكم شهداء على أن دين محمد صلى الله عليه وسلم هو سبيل الله، فالمفروض أن تؤدوا الشهادة القولية والفعلية لسبيل الله، فكيف تستبدلون هذا بالصد عن سبيل الله، وترغبون بالطرق المعوجة! وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ. من الصد عن سبيله لتحقيق رغباتكم الفاسدة وهذا وعيد شديد لهم.
وبهذا ينتهي هذا القسم من سورة آل عمران.
كلمة فى السياق:
قلنا: إن القسم الأول والثاني جاءا تمهيدا للقسم الثالث، فلنلاحظ بعض ما يدل على ذلك:
في القسم الأول: جاء قوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ. وجاء قوله تعالى وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا. وفي هذا القسم جاء أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً. وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.
وفي القسم الثاني: جاءت قصة عيسى، وفيها إشارة إلى الغلو فيه، وفي هذا القسم
جاء قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ
…
وجاء قوله تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ ....
وكما أن المعاني تسلسلت في الأقسام الثلاثة، وترابطت. فإن لكل قسم صلاته، وترابطه فيما بينه.
وسنرى كيف أن القسمين الأخيرين في سورة آل عمران مبنيان على الأقسام السابقة، حتى لتكاد أن تكون الأقسام الثلاثة الأولى تمهيدا للقسمين الأخيرين.
تحدث القسم الأول فيما تحدث فيه عن: إنزال الكتب، والموقف الصحيح من القرآن، وعن كفر الكافرين بالكتاب، وعن مظهر من مظاهر انحراف أهل الكتاب، وعن تزيين شهوات الدنيا، وما أعده الله للمتقين في الآخرة، ومن هم أهل ذلك، ثم أخبرنا الله عز وجل أن الدين عنده هو الإسلام، وعلمنا كيف ينبغي أن نقف من غير المسلمين وعرفنا، على ما أعده للكافرين من عذاب، ودلنا على بعض ما يقتضيه أننا مسلمون.
وفي القسم الثاني: ذكر الله- عز وجل لنا نماذج على اصطفائه، ودلنا على غلو من غلا في بعض أهل الاصطفاء؛ بإعطاء أهله ما لم يأذن به الله.
ثم جاء القسم الثالث: وفيه دعوة لأهل الكتاب إلى محض العبودية لله وتوحيده، وعدم الشرك به، ومناقشة مواقفهم وأقوالهم، وبناء على هذه الأقسام كلها يأتي القسم الرابع، والقسم الخامس، وكل منهما يبدأ بالتحذير من الطاعة للكافرين، الأول يبدأ بالتحذير من طاعة أهل الكتاب، والثاني يبدأ بالتحذير من طاعة الكافرين مطلقا.
كنا ذكرنا أن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، أي: في العشرين آية الأولى منها، وإذ كانت سورة البقرة في كثير من آياتها تلقي أضواء على مقدمتها، فإن كثيرا من آيات سورة آل عمران تكاد تكون تفصيلا لآيات مشابهة في سورة البقرة. وقد أشرنا إلى ذلك من قبل، وهاهنا نحب أن نقدم زيادة بيان:
في المقطع الثاني من القسم الثالث من سورة البقرة. نرى آية الكرسي اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ. مَنْ ذَا الَّذِي .... ونرى قوله تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ
ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ونرى قوله تعالى: لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ.
وقوله تعالى: سَمِعْنا وَأَطَعْنا.
ونلاحظ أن القسم الأول من سورة آل عمران فيه ملامح من هذا كله:
ففيه الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ.
وفيه فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ .... وفيه قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ .... وفيه إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ.
وفيه قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
ونلاحظ أنه فى المقطع الأول من القسم الثالث من سورة البقرة قد جاء:
سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ..... فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ. تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. ومن قبل في القسم الأول من سورة البقرة جاء قوله تعالى: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ.
والملاحظ أن القسم الثاني من سورة آل عمران بدأ بقوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ.
فالصلة واضحة.
وفي القسم الأول من سورة البقرة، جاء المقطع الثالث، مقطع بني إسرائيل ومن بعده مقطع إبراهيم، ثم مقطع القبلة، ثم ...... وفي ذلك معان جاء يفصلها أو يعرضها عرضا جديدا القسم الثالث في سورة آل عمران:
فمثلا قوله تعالى في سورة البقرة: أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ .... وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا
…
يفصله في آل عمران: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ .... وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ.
وفي البقرة يرد قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ
إِلَّا يَظُنُّونَ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ. ونجد في سورة آل عمران:
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ
…
وفي سورة البقرة نجد قوله تعالى:
وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ .... ونجد في سورة آل عمران وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ.
وفي سورة البقرة نجد
ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ .....
وفي سورة آل عمران يرد وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ....
وفي سورة البقرة نجد بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ
…
ويرد في سورة آل عمران أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.
وفي سورة البقرة نجد وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ.
ويرد في سورة آل عمران
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ....
وفي سورة البقرة نجد وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ
…
قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وفى سورة آل عمران يرد: قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وفي سورة البقرة تأتي آية البر وفيها وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ.
ويرد في سورة آل عمران قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
فسورة آل عمران لها سياقها الخاص بها. وهذا السياق له ترتيبه الخاص وهي في الوقت نفسه تفصل في محورها من سورة البقرة، وهو مقدمة سورة البقرة.
وامتدادات هذه المقدمة. مما له صلة مباشرة بمقدمة سورة البقرة. وسنرى في
القسمين الأخيرين من سورة آل عمران مزيد بيان.
فمثلا سنرى في القسم الرابع قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وهي تفصيل لقوله تعالى وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً. ولكن هذا التفصيل يسير على نسق لم يعهده أحد من قبل ولا من بعد، ولا يستطيعه أحد من قبل ولا من بعد: إنه كتاب فريد عجيب «لا تنقضي عجائبه» .
وأخيرا لاحظ ما يلي
مر معنا المقطع الأول من القسم الثاني من سورة البقرة، وهو مقطع مبدوء بقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالًا طَيِّباً ومختوم بآية البر لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ
…
ثم جاءت تتمة القسم، وكان من جملة ما فيه الأمر بإتمام الحج. وفي القسم الذي مر معنا من سورة آل عمران نجد فى أواخره آية في البر: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ. ثم آية في الطعام: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ .... ثم آيتان هما تتمة لمعاني هذه الآية، ثم كلام عن الكعبة والحج. إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً ....
فإذا ما اتضح أن هناك صلة بين القسم الذي مر معنا وبين مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها أصبح بالإمكان أن نقول:
إن سورة البقرة ذكرت معاني الإسلام بإجمال، وضمن نسق، وترتيب معين.
وتأتي بعدها سور سبع، هي تتمة قسم الطوال، لتفصل كل منها في محور من سورة البقرة، وفى امتدادات هذا المحور بشكل تفصيلي، بحيث لا ينتهي قسم الطوال إلا أخذنا التغطية التفصيلية الأولى لمعاني سورة البقرة، على نفس ترتيب ورودها في سورة البقرة، فإذا اتضح لك بدايات هذا الموضوع، وإذا اتضح لك صلة معاني القسم الثالث من سورة آل عمران ببعضها، وإذا اتضح لك صلة ذلك كله بقسمي السورة الأولين، فإننا نعتبر أن باستطاعتنا أن ننطلق نحو القسم الرابع في سورة آل عمران.