الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولولا عصمة الله وحفظه ولطفه لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ. أي: من الناس أَنْ يُضِلُّوكَ. أي: عن القضاء بالحق وتوخي طريق العدل وجعلك تدافع عن العصاة.
وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ بمحاولتهم، وهمهم وتبييتهم لأن وبال ذلك عليهم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمحفوظ بحفظ الله، وكذلك من كان على قدمه، مع فارق العصمة فهو عليه الصلاة والسلام معصوم، ومن على قدمه تحتمل في حقه الزلة. وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ إن وقفت عند حدود الله، وعملت بما ظهر لك، ولم يخطر ببالك أن الحقيقة على خلاف ذلك. وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ يا محمد الْكِتابَ.
أي: القرآن وَالْحِكْمَةَ. أي: السنة. وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. أي: من أمور الدين والشرائع. وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً. أي: فيما علمك وأنعم عليك، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، خطاب لأمته، فهذا الفضل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثته عنه أمته.
فوائد:
1 -
شرحنا هذه الآيات بما يقتضيه عمومها، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن سبب النزول يساعد على فهم النص، لأنه يكون مثالا على ما يمكن أن يدخل في النص مع بقاء عموم اللفظ على حاله، وقبل أن نذكر أسباب نزول هذه الآيات في فائدة لاحقة، نحب هنا أن ننبه على أن مما يدخل تحت عموم هذه الآيات بطريق الأولى في عصرنا صنعة المحاماة التي هي في كثير من أحوالها دفاع عن العصاة والخائنين، ومما يدخل تحت هذا العموم، الدفاع عن أي مذنب وعاص، وخائن لله ورسوله وجماعة المسلمين في أمر ما.
2 -
قوله تعالى: لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان صلى الله عليه وسلم له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية، وبما ثبت في الصحيحين «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: ألا إنما أنا بشر، وإنما أقضي بنحو مما أسمع، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها» .
3 -
وفي سبب نزول الآيات السابقة، وآيتين بعدها، يروي الترمذي وابن جرير عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: «كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق، بشر، وبشير، ومبشر، وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، ثم ينحله لبعض العرب، ثم يقول: قال فلان كذا وكذا، وقال فلان كذا وكذا، فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر قالوا والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث، أو كما قال الرجل. وقالوا: ابن الأبيرق قالها، قالوا: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام، وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر والشعير.
وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك، ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير، فقدمت ضافطة من الشام، فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك، فجعله في مشربة له، وفي المشربة سلاح ودرع وسيف، فعدي عليه من تحت البيت، فنقبت المشربة، وأخذ الطعام والسلاح، فلما أصبحنا أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي! إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه، فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. قال: فتحسسنا في الدار، وسألنا فقيل لنا:
قد رأينا بني أبيرق استوقدوا في هذه الليلة، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم.
قال: وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار- والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل، رجلا منا له صلاح وإسلام- فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟
والله ليخالطنكم هذا السيف، أو لتبينن هذه السرقة، قالوا: إليك أيها الرجل، فما أنت بصاحبها، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها. فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، قال قتادة: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت:
إن أهل بيت منا أهل جفاء، عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد، فنقبوا مشربة له، وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا علينا سلاحنا، فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم سآمر في ذلك، فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسيد بن عروة، فكلموه في ذلك، فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالوا: يا رسول الله! إن قتادة ابن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة وثبت، قال قتادة: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: «عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة» قال فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي، ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك. فأتاني رفاعة فقال: يا ابن أخي، ما صنعت، فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزل القرآن إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً يعني بني أبيرق. وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ. أي: مما قلت لقتادة إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
…
إلى قوله
رَحِيماً. أي: لو استغفروا الله لغفر لهم. وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
…
إلى قوله إِثْماً مُبِيناً قوله للبيد وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
…
إلى قوله فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة، فقال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح، وكان شيخا قد عمي أو عشي- الشك من أبي عميس- في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولا، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هي في سبيل الله، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا. فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية، فأنزل الله تعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً فلما نزل على سلافة بنت سعد هجاها حسان بن ثابت بأبيات من شعر، فأخذت رحله فوضعته على رأسها، ثم خرجت به فرمته في الأبطح ثم قالت: أهديت لي شعر حسان، ما كنت تأتيني بخير».
4 -
روى الإمام أحمد عن علي رضي الله عنه قال: «كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا نفعني الله فيه بما شاء أن ينفعني منه. وحدثني أبو بكر-
وصدق أبو بكر- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلم يذنب ذنبا، ثم يتوضأ، ثم يصلي ركعتين، ثم يستغفر الله لذلك الذنب إلا غفر له، وقرأ هاتين الآيتين وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
…
الآية. وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ
…
».
5 -
جاءت امرأة إلى عبد لله بن مغفل فسألته عن امرأة فجرت فحبلت، فلما ولدت قتلت ولدها، قال عبد الله بن مغفل: لها النار، فانصرفت وهي تبكي، فدعاها ثم قال: ما أرى أمرك إلا أحد أمرين «من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما» قال: فمسحت عينيها ثم مضت.
6 -
هناك رواية تذكر أن ابن أبيرق عند ما بلغه أنه اتهم بسرقة الدرع عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين، وقال لنفر من عشيرته إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان وستوجد عنده، وعلى هذه الرواية يكون البريء يهوديا، وعلى أساس هذه الرواية يعلق صاحب الظلال على مجموعة الآيات التي نزلت بسبب
الحادثة بقوله: «هذه الآيات تحكي قصة لا تعرف لها الأرض نظيرا، ولا تعرف لها البشرية شبيها .. وتشهد- وحدها- بأن هذا القرآن وهذا الدين لا بد أن يكون من عند الله، لأن البشر- مهما ارتفع تصورهم، ومهما صفت أرواحهم، ومهما استقامت طبائعهم- لا يمكن أن يرتفعوا- بأنفسهم- إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه الآيات؛ إلا بوحي من الله
…
هذا المستوى الذي يرسم خطا على الأفق لم تصعد إليه البشرية- إلا في ظل هذا المنهج- ولا تملك الصعود إليه أبدا إلا في ظل هذا المنهج كذلك.
إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة التي تحويها جعبتهم اللئيمة، على الإسلام والمسلمين؛ والتي حكت هذه السورة وسورة البقرة وسورة آل عمران جانبا منها، ومن فعلها في الصف المسلم ..
في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب، ويؤلبون المشركين، ويشجعون المنافقين، ويرسمون لهم الطريق، ويطلقون الإشاعات، ويضللون العقول، ويطعنون في القيادة النبوية، ويشككون في الوحي والرسالة، ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج .. والإسلام ناشئ في المدينة، ورواسب الجاهلية ما يزال لها آثارها في النفوس، ووشائج القربى والمصلحة بين بعض المسلمين وبعض المشركين والمنافقين واليهود أنفسهم، تمثل خطرا حقيقيا على تماسك الصف المسلم وتناسقه. في هذا الوقت الحرج، والخطر، الشديد الخطورة ..
كانت هذه الآيات كلها تتنزل، على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى الجماعة المسلمة، لتنصف رجلا يهوديا اتهم ظلما بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا على اتهامه، وهم بيت من الأنصار في المدينة. والأنصار يومئذ هم عدة الرسول صلى الله عليه وسلم وجنده، في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة
…
!.
أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام، وكل تعليق، وكل تعقيب، يتهاوى دون هذه القمة السامقة، التي لا يبلغها البشر وحدهم. بل لا يعرفها البشر وحدهم. إلا أن يقادوا بمنهج الله، إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء؟!
…
إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة برئ، تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام- وإن كانت تبرئة برئ أمرا هائلا ثقيل الوزن في ميزان الله- إنما كانت أكبر من ذلك.
كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى، ولا مع العصبية، ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أيا كانت الملابسات والأحوال.
وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد؛ وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية- في كل صورها حتى في صورة العقيدة، إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس- وإقامة هذا المجتمع الجديد، الفريد في تاريخ البشرية، على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية، والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات!.
ولقد كان هناك أكثر من سبب للإغضاء عن الحادث، أو عدم التشديد فيه والتنديد به وكشفه هكذا لجميع الأبصار. بل فضحه بين الناس- على هذا النحو العنيف المكشوف
…
كان هناك أكثر من سبب لو كانت الاعتبارات الأرضية هي التي تتحكم وتحكم موازين البشر ومقاييسهم هي التي يرجع إليها هذا المنهج!.
كان هناك سبب واضح عريض
…
أن هذا المتهم «يهودي» من «يهود» يهود التي لا تدع سهما مسموما تملكه إلا أطلقته في حرب الإسلام وأهله. يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين في هذه الحقبة (ويشاء الله أن يكون ذلك في كل حقبة!) يهود التي لا تعرف حقا ولا عدلا ولا نصفة، ولا تقيم اعتبارا لقيمة واحدة من قيم الأخلاق في التعامل مع المسلمين على الإطلاق!.
وكان هناك سبب آخر، وهو أن الأمر في الأنصار. الأنصار الذين آووا ونصروا، والذين قد يوجد هذا الحادث بين بعض بيوتهم ما يوجد من الضغائن. بينما أن اتجاه الاتهام إلى يهودي، يبعد شبح الشقاق!.
وكان هنا لك سبب ثالث، هو عدم إعطاء اليهود سهما جديدا يوجهونه إلى الأنصار، وهو أن بعضهم يسرق بعضا، ثم يتهمون اليهود! وهم لا يدعون هذه الفرصة تفلت للتشهير بها والتغرير!.
ولكن الأمر كان أكبر من هذا كله. كان أكبر من الاعتبارات الصغيرة. الصغيرة في حساب الإسلام. كان أمر تربية هذه الجماعة الجديدة لتنهض بتكاليفها في خلافة الأرض وفي قيادة البشرية. وهي لا تقوم بالخلافة في الأرض ولا تنهض بقيادة البشرية حتى
يتضح لها منهج فريد متفوق على كل ما تعرف البشرية؛ وحتى يثبت هذا المنهج في حياتها الواقعية، وحتى يمحص كيانها تمحيصا شديدا؛ وتنفض عنه كل خبيئة من ضعف البشر ومن رواسب الجاهلية، وحتى يقام فيها ميزان العدل- لتحكم بين الناس- مجردا من جميع الاعتبارات الأرضية، والمصالح القريبة الظاهرة، والملابسات التي يراها الناس شيئا كبيرا لا يقدرون على تجاهله.
واختار الله- سبحانه- هذا الحادث بذاته، في ميقاته .. مع يهودي .. من يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين إذ ذاك في المدينة، التي تؤلب عليهم المشركين، وتؤيد بينهم المنافقين، وترصد كل ما في جعبتها من مكر وتجربة وعلم لهذا الدين! وفي فترة حرجة من حياة المسلمين في المدينة، والعدوات تحيط بهم من كل جانب، ووراء كل هذه العداوات يهود.
اختار الله هذا الحادث في هذا الظرف، ليقول فيه- سبحانه- للجماعة المسلمة ما أراد أن يقول، وليعلمها به ما يريد لها أن تتعلم!.
ومن ثم لم يكن هناك مجال للباقة، ولا للكياسة، ولا للسياسة، ولا للمهارة، في إخفاء ما يحرج، وتغطية ما يسوء. ولم يكن هناك مجال لمصلحة الجماعة المسلمة الظاهرة! ومراعاة الظروف الوقتية المحيطة بها!.
هنا كان الأمر جدا خالصا، لا يحتمل الدهان ولا التمويه! وكان هذا الجد هو أمر هذا المنهج الرباني وأصوله. وأمر هذه الأمة التي تعد لتنهض بهذا المنهج وتنشره. وأمر العدل بين الناس. العدل في هذا المستوى الذي لا يرتفع إليه الناس- بل لا يعرفه الناس- إلا بوحي من الله، وعون من الله.
وينظر الإنسان من هذه القمة السامقة على السفوح الهابطة- في جميع الأمم على مدار الزمان- فيراها هنالك .. هنالك في السفوح. ويرى من تلك القمة السامقة في السفوح الهابطة صخورا متردية، هنا وهناك، من الدهاء، والمراء، والسياسة، والكياسة، والبراعة، والمهارة، ومصلحة الدولة، ومصلحة الوطن، ومصلحة الجماعة .. إلى آخر الأسماء والعنوانات .. فإذا دقق الإنسان فيها النظر رأى من تحتها .. الدود .. !!.
وينظر الإنسان مرة أخرى فيرى نماذج الأمة المسلمة- وحدها- صاعدة من السفح إلى القمة. تتناثر على مدار التاريخ، وهي تتطلع إلى القمة، التي وجهها إليها المنهج