الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3): الآيات 55 الى 58]
إِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآياتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)
*** [سورة آل عمران (3): الآيات 59 الى 63]
إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (61) إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَاّ اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)
كلمة في هذا القسم:
نلاحظ أن بداية هذا القسم قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ونهايته:
إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. فَإِنْ
تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ.
والذي دلنا على أنه قسم كامل: المعاني من جهة، والخاتمة التي تشبه خاتمة القسم الأول من جهة أخرى.
فخاتمة القسم الأول كما ذكرنا هي: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ وهاهنا: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ والقسم هذا يقص علينا قصة زكريا، وقصة مريم،
وقصة المسيح عليهم السلام. فيعرض الله علينا في قصة زكريا كيف رزقه الله على الكبر يحيى، وكانت زوجته عاقرا، وذلك كمقدمة للكلام عن خلق عيسى بلا أب. فالقدرة الصالحة لذلك صالحة لهذا، ومن ثم تأتي قصة مريم وحملها بعيسى عليهم السلام جميعا، ثم ما كان من شأن عيسى، ثم إقامة الحجة على أن ما قصه الله- عز وجل علينا في شأنه هو الحق الخالص.
وكما قلنا من قبل، فإن القسم الأول، والقسم الثاني يوطئان للقسم الثالث الذي يفتح الحوار الشامل مع أهل الكتاب.
تحدث القسم الأول عن مظاهر وحدانية الله، وقيوميته، وعزته وحكمته بإنزاله الكتب، ومنها القرآن، وأنه لا يقبل إلا الإسلام دينا، وإيجابه متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم محمدا وإيجابه طاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويأتي بعد ذلك هذا القسم، فيتحدث في البداية، عن اصطفاء الله آدم ونوحا وآل إبراهيم- ومحمد صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم- كما يتحدث عن اصطفائه آل عمران، ثم يحدثنا عما تظهر به حكمة الاصطفاء.
والاصطفاء أصلا من مظاهر عزته وحكمته- جل جلاله ومن ثم جاء في أواخر القسم قوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فالكلام في القسم الثاني استمرار للكلام عن الوحدانية والقيومية والعزة والحكمة، خاصة وقد حدث خلل في شأن التوحيد من خلال نظرة الكثيرين إلى عيسى عليه السلام.
كان في القسم الأول حديث مع أهل الكتاب وعنهم.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ فمن أهم ما وقع فيه الخلاف بين أهل الكتاب موضوع عيسى عليه الصلاة والسلام، فاليهود كذبوه، والنصارى اختلفوا في شأنه ثم استقر الأمر عندهم على تأليهه.
وجاء هذا القسم ليبين هذه الأمور.
قلنا إن سورة آل عمران تفصيل لمحورها من سورة البقرة، ومحورها هو مقدمة سورة البقرة.
وفي مقدمة سورة البقرة جاء قوله تعالى:
الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وفي هذا القسم نرى قوله تعالى: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ. فالقسم يقص علينا صفحة من صفحات الغيب الذي يجب أن نؤمن به.
فصلة هذا القسم في تفصيل مقدمة سورة البقرة واضحة، ففي مقدمة سورة البقرة كلام عن الكافرين، وما أعد الله لهم من عذاب عظيم. وفي هذا القسم نرى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ .... وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا
…
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فالقسم يفصل في قضية الإيمان بالغيب، ويفصل في قضية الكفر، وفي كل تفصيل لمقدمة سورة البقرة.
قد يقول قائل: إن القرآن كله تفصيل لهاتين القضيتين فلماذا نربط ما ورد فيه من ألفاظ بعينها بمكان بعينه كربطنا هذا القسم بمقدمة سورة البقرة؟ ونقول: نحن الآن نسجل ملاحظات، فإذا اجتمع لنا من الملاحظات ما هو كاف لتأكيد وجهة نظرنا من أول القرآن إلى آخره، فلا لوم علينا. وحيثما رأى أحد أننا تكلفنا في هذه الملاحظات فعليه واجب الرد، وعلينا واجب التراجع.
قلنا من قبل: إن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وفيما هو امتداد لمعاني مقدمة سورة البقرة في سورة البقرة نفسها، ومما جاء في سورة البقرة. وهو امتداد لمعاني مقدمتها- قوله تعالى: تِلْكَ آياتُ اللَّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ