الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصدق الشاهدين وأعدلهم، وهو أصدق القائلين، بأنه المنفرد بالإلهية لجميع الخلائق، وأن الجميع عبيده وخلقه، وأنهم فقراء إليه، وهو الغني عما سواه، ثم قرن شهادة ملائكته وأولي العلم بشهادته- سبحانه- وهذه خصوصية عظيمة لأولي العلم في هذا المقام، أنهم يشهدون قيامه- تعالى- بالعدل في جميع الأحوال، ثم يؤكد- مرة أخرى- وحدانيته، واصفا ذاته بأنه العزيز الذي لا يرام جنابه، عظمة وكبرياء، الحكيم في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. ويلاحظ تكرار صفة العزة والحكمة في هذا المقطع أكثر من مرة، فإذا ربطنا هذا بموضوع المقطع علمنا أنه لم ينزل ما أنزل- سبحانه- عن ذلة بل عن عزة وحكمة.
المعنى الحرفي للفقرة الاولى
الم* اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ: القيوم: هو القائم بذاته فلا يحتاج إلى موجد، ولا إلى محل، ولا إلى ذات أخرى، والقيوم هو الذي يفتقر إليه غيره حتى يقوم. والمعنى: أنه لا معبود بحق في الوجود إلا هو، المتصف بالحياة التي ليس كمثلها شئ، المتصف بالقيومية، فهو قائم بنفسه، وغيره قائم به مفتقر إليه.
فائدة: ورد- في الحديث- أن اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ والم* اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ. أقول: سنرى نصوصا أخرى وآثارا تتحدث عن اسم الله الأعظم فتذكر غير ما ذكر هنا، وتكلم العلماء في ذلك محاولين الجمع بين النصوص، أو التحقيق، أو الربط بين حال الداعي وهو يدعو باسم بعينه، والذي ينشرح له صدري أن اسم الله الأعظم مركب من مجموع الأسماء التي وردت فيها نصوص
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ أي هو نزل القرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم حقا ثابتا لا شك فيه، ولا ريب ولا شبهة، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ: أي مصدقا لما قبله من الكتب المنزلة. وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ: أي وأنزل التوراة على موسى، والإنجيل على عيسى من قبل القرآن هداية للناس- والناس هنا إما قوم موسى وقوم عيسى عليهما السلام، وإما كل الناس من حيث إن ما يقوي الحق، ويؤيده، ويصدقه، ويدل عليه، ليس خاصا بالمكلفين به، بل هو لكل مستفيد منه- وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ: الفرقان هو الفارق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، وهل المراد به كل وحي أنزله الله؟ أو
المراد الزبور لأنه الوحيد من الكتب الذي لم يذكر في الآية؟، أو المراد به القرآن؟
وكرر ذكره بصفة خاصة تفخيما لشأنه، لأنه الفارق بين الحق والباطل بما لا مزيد عليه- أقوال أقواها الأخير- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ: المراد بآيات الله هنا كتبه المنزلة وغيرها. والمعنى: إن الذين جحدوا بها وأنكروها وردوها لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ يوم القيامة وَاللَّهُ عَزِيزٌ أي منيع الجناب، عظيم السلطان، ذُو انْتِقامٍ أي ذو عقوبة شديدة لا يقدر على مثلها أحد، ينتقم ممن كذب بآياته، وخالف رسله، وعصى أمره.
فائدة: قال بعض العلماء: استعملت نَزَّلَ في الكلام عن القرآن، وأَنْزَلَ في الكلام عن التوراة والإنجيل، لأن القرآن نزل منجما، ونزل الكتابان جملة واحدة أقول: الأمر بالنسبة للتوراة يحتاج إلى تحقيق أوسع، فإذا كانت التوراة هي ما جاء في الألواح، فإنها تكون قد أنزلت جملة واحدة، وإلا فالأمر يحتمل مزيدا من البحث، ولنا عودة
على هذا الموضوع في (سورة الأعراف) إن شاء الله.
إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ أي لا يخفى عليه شئ في هذا العالم كله والدليل على هذا
هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ من الصور المختلفة:
ذكورة أو أنوثة، حسنا أو قبحا، لونا أو آخر
…
!!. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ العزيز في سلطانه، الحكيم في تدبيره.
فائدة: لما كان قطاع كبير من هذه السورة- فيما بعد- له علاقة في مناقشة النصارى، الذين يزعمون أن المسيح ابن الله، فإن بعض العلماء فهم: أن هذه الآية تخدم هذا المراد فيما بعد، إذ فيها تعريض بأن عيسى ابن مريم عبد مخلوق كما خلق الله سائر البشر، لأن الله صوره في الرحم، وخلقه كما يشاء، فكيف يكون إلها، وقد تقلب في الأحشاء وتنقل من حال إلى حال؟!.
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أي هو الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم القرآن، من هذا القرآن آيات أحكمت عباراتها، بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه، فهن واضحات الدلالة على المراد لا التباس فيهن هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ أي أصله، أي هذه الآيات المحكمات هن أصل الكتاب، تحمل المتشابهات عليها، وترد إليها ويرجع إليها عند الاشتباه وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ أي متشابهات، محتملات، تحتمل دلالتها موافقة المحكم، وقد تحتمل شيئا آخر من حيث اللفظ
والتركيب، لا من حيث المراد فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ أي فأما الذين في قلوبهم ميل عن الحق- وهم أهل البدع والأهواء- فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ أي فيتعلقون بالمتشابه، الذي يحتمل ما يذهب إليه المبتدع مما لا يطابق المحكم، فهم يأخذونه لأنهم يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها؛ لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه، لأنه دافع لهم وحجة عليهم، ولماذا يفعلون ذلك؟! بين الله- عز وجل غرضهم الفاسد فقال: ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ الفتنة هنا المراد بها: فتنة الناس عن دينهم، وإضلالهم وصدهم عن سبيل الله، والمراد بالتأويل: التفسير المنحرف الموافق للهوى، فهم إنما يتبعون المتشابه من أجل أن يضلوا المسلمين، ومن أجل أن يستشهدوا به على أهوائهم، فيفسروه بما يخالف المحكم وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ هناك كلام كثير للعلماء حول الوقف في هذا النص هل هو على لفظ الجلالة، أو هو على كلمة العلم؟
فعلى القول الأول يكون المعنى أن التفسير الحق للمتشابه لا يعلمه إلا الله، وعلى القول الثاني يكون الراسخون في العلم كذلك يعلمون تأويله الحق، والراسخون في العلم هم الثابتون فيه المتمكنون منه، وجمهور المفسرين على القول الأول، وجمهور الأصوليين على القول الثاني، وما اختلفوا في الترجيح إلا لاختلافهم في فهم المحكم والمتشابه- كما سنرى في الفوائد- يَقُولُونَ أي: الراسخون في العلم، ويختلف الإعراب والمعنى والتقدير فيما إذا كان الوقف على لفظ الجلالة أو العلم، فعلى الوقف على لفظ الجلالة: الراسخون لا يعلمون ولكنهم يسلمون فيقولون. وعلى الاتجاه الثاني:
الراسخون يعلمون ويقولون آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا أي: آمنا بالمتشابه- أو الضمير يعود على الكتاب كله- أي: آمنا بالكتاب كله، إذ كله- من المتشابه والمحكم- من عند الله الحكيم، الذي لا يتناقض كلامه وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ أي: وما يتعظ ويتذكر ويقف عند ما ينبغي الوقوف عنده- من إيمان وعمل- إلا أصحاب العقول، وفي هذا إشارة إلى أن الراسخين في العلم، هم أصحاب العقول، وهو مدح لهم باتقاد الذهن، وحسن التأمل، والقيام بالمقتضى
رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا أي: إن الراسخين في العلم- أولي العقول- يقولون: ربنا لا تمل قلوبنا عن الحق المنزل بعد إذ هديتنا إليه، بأن جعلتنا نعمل بالمحكم ونسلم للمتشابه وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي: وهب لنا من عندك نعمة