الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
قال النسفي: دلت الآية على أن طاعة الأمراء واجبة، إذا وافقوا الحق، فإن خالفوه فلا طاعة لهم. وروى الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن علي رضي الله عنه قال:
«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية، واستعمل عليهم رجلا من الأنصار، فلما خرجوا، وجد عليهم في شئ، قال: فقال لهم: أليس قد أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني، قالوا:
بلى، قال فاجمعوا لي حطبا، ثم دعا بنار فأضرمها فيه ثم قال: عزمت عليكم لتدخلنها.
قال: فقال لهم شاب منهم: إنما فررتم إلى رسول الله من النار، فلا تعجلوا حتى تلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال لهم: لو دخلتموها ما خرجتم منها أبدا، إنما الطاعة في المعروف». وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:«السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» .
2 -
وبمناسبة ذكر ولاة الأمر نقول: إن ولي الأمر عندنا في الأصل هو الخليفة الذي تنبثق إمرته عن شورى المسلمين، ومهمته إقامة الكتاب والسنة، والأمر له في الطريقة التي يختارها لتعيين الولاة والمساعدين. إن شاء أن يجعلها شورى، أو يعين تعيينا، ويجب على المسلمين طاعته وطاعة عماله في المعروف. روى مسلم عن أم الحصين أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع يقول:«ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا وأطيعوا» .
3 -
ليس هناك أهم في الإسلام من ثلاث قضايا، القضيتان الأولى والثانية:
التقوى والعبادة وهما متلازمتان. القضية الثالثة: الطاعة. لذلك كانت الأوامر الرئيسية التي وجهها الرسل لأقوامهم هي: فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* (الشعراء) أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (نوح) ولذلك كان من أهم الفقه في دين الله فقه العبادة والتقوى والطاعة، كيف نعبد الله عز وجل؟ وبماذا نعبده؟ وما هو مضمون التقوى؟ وكيف نتحقق به؟ ولمن نعطي طاعتنا؟ لله والرسول صلى الله عليه وسلم فذلك واضح، وطاعة أولي الأمر في حال الاستقامة والسلامة واضحة، وذلك إذا كان هناك خلافة راشدة بل وحتى خلافة ظالمة لكنها تعترف لله بالحاكمية وتقيم كتاب الله على ضعف أو ظلم. ولكن حيث لا خلافة راشدة ولا ظالمة فلمن تعطى الطاعة؟ عند ما يكون النظام كافرا فلمن تعطى الطاعة؟ هناك الطاعة لسلطان القانون والنظام فهذه مفروضة على المسلم كرها وهذه ليست محل بحثنا، وإنما محل بحثنا لمن يعطي المسلم طاعته الاختيارية؟ فعند ما يكون في
نظام كفري فإنه لا تدخل طاعته في قوله تعالى: وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ولكن سلطان القانون يطالبه فهو مضطر للطاعة الإجبارية، والذي نستطيع أن نفتي به هو أن الطاعة الاختيارية في هذه الحالة تكون للعلماء الربانيين فهم وراث النبوة. وعلى مثل هذا نستطيع أن نحمل حملا مباشرا كلام ابن عباس في تفسير: أولي الأمر بأنهم العلماء الفقهاء ويشهد لما ذكرناه بعض روايات حديث حذيفة «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني» فهذا الحديث أصل عظيم في الفتوى فيما يكون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي بعض روايات أبي داود لهذا الحديث ما يلي:
«قلت يا رسول الله ثم ماذا؟ قال: إن كان لله خليفة في الأرض فضرب ظهرك وأخذ مالك فأطعه وإلا فمت وأنت عاض بجذل شجرة» ، وفى رواية أخرى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكرر أمرا ثلاث مرات، في كل مرحلة تمر، هذا الأمر هو:
«تعلم كتاب الله واتبع ما فيه» ، وفي هذا إشارة إلى التلمذة على الربانيين قال تعالى:
وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ فتعلم كتاب الله يقتضي أخذا عن الربانيين فكأن الحديث يشير إلى ما ذكرناه: أن الطاعة الاختيارية في حالة فقدان الخلافة إنما تكون لوراث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكما قلنا فليس كلامنا في الطاعة المفروضة بسلطان النظام والقانون، وفي حديث حذيفة ما يدل على أن التلمذة على الربانيين هي الأساس حتى في حالة وجود الخلافة الظالمة، فما بعد الخلافة الراشدة الأصل أن تعطى الطاعة الإجبارية للخلافة وأن تعطى الطاعة الاختيارية لوراث الأنبياء.
4 -
وفي سبب نزول الآية يروي ابن جرير، وابن مردويه وغيرهما ما يلي:
«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية عليها خالد بن الوليد، وفيها عمار بن ياسر، فساروا قبل القوم الذين يريدون. فلما بلغوا قريبا منهم، عرسوا، وأتاهم ذو العيينتين، فأخبرهم، فأصبحوا وقد هربوا، غير رجل أمر أهله. فجمعوا متاعهم، ثم أقبل يمشي في ظلمة الليل، حتى أتى عسكر خالد، فسأل عن عمار بن ياسر، فأتاه، فقال: يا أبا اليقظان: إني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإن قومي لما سمعوا بكم هربوا، وإني بقيت، فهل إسلامي نافعي غدا، وإلا هربت؟ قال عمار: بل هو ينفعك فأقم، فأقام فلما أصبحوا أغار خالد، فلم يجد أحدا غير الرجل، فأخذه، وأخذ ماله. فبلغ عمارا الخبر، فأتى خالدا فقال: خل عن الرجل، فإنه قد أسلم، وإنه في أمان مني. فقال خالد: وفيم أنت تجير؟ فاستبا، وارتفعا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فأجاز أمان عمار، ونهاه أن يجير الثانية على أمير، فاستبا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال خالد: يا رسول الله أتترك هذا العبد الأجدع يسبني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا خالد: لا تسب عمارا، فإنه من سب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يلعن عمارا يلعنه الله» فغضب عمار، فقام فتبعه خالد فأخذ بثوبه فاعتذر إليه، فرضي عنه، فأنزل الله- عز وجل قوله: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ .... ومن هذا النص نفهم أن الآية في طاعة الأمراء، وأن طاعتهم واجبة، وأن عدم التقدم عليهم في أمر واجب. وقد استثنى فقهاء الحنفية حالة، وهي ما إذا أمر الأمير بأمر رأى الأكثرية فيه ضررا، فيتبع رأي الأكثرية في هذه الحالة، ذكره ابن عابدين في أول كتاب الجهاد.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ. أي: يدعون أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ.
من الوحي والقرآن وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ على رسل الله عليهم الصلاة والسلام يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ. أي: إلى ما خالف الكتاب والسنة من الباطل، وهو المراد بالطاغوت هنا. وقيل الطاغوت هنا: الشيطان ممثلا بجنده وأتباعه.
وقيل الطاغوت: هو من جاوز الحد في طغيانه، وعتوه، ومحاربته للإسلام. وكل ذلك صحيح. وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ. أي: وقد أمروا أن يكفروا بالطاغوت والشيطان الداعي إليه، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً. عن الحق، والمراد بقوله: ضلالا بعيدا: أي مستمرا إلى الموت.
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ. أي:
للمنافقين تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ. أي: إلى كتاب الله وَإِلَى الرَّسُولِ إلى شخصه في حياته وإلى سنته بعد مماته للتحاكم، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً. أي: يعرضون عنك أشد أنواع الإعراض.
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ. أي فكيف تكون حالهم، وكيف يصنعون إذا نزلت بهم المصائب بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ. أي: بسبب ما فعلوه من التحاكم إلى غير الله ورسوله
وأمثال ذلك.
ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا. أي: ما أردنا بتحاكمنا إلى غيرك إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً بين الخصوم، فلم نرد مخالفة لك ولا تسخطا لحكمك، وهذا شأن المنافق يظن أنه محسن في نفاقه وأنه يجمع بين وجهات النظر وهذا وعيد لهم على فعلهم، وأنهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم الندم، ولا يغني عنهم الاعتذار.
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ من النفاق، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ. أي: فأعرض عن قبول الاعتذار، وَعِظْهُمْ. أي وعظ بالزجر والإنكار، وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا