الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقتل معه ربيون من أصحابه كثير فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: فما فتروا عند قتل نبيهم للذي أصابهم في سبيل الله وَما ضَعُفُوا عن الجهاد بعد قتل نبيهم. وَمَا اسْتَكانُوا أي: وما ضعفوا لعدوهم، ولا ذلوا له، بل استمر من بقي منهم على الجهاد، والعزة، والإسلام، وفي هذا نوع تعريض بما أصاب الصحابة من الوهن عند الإرجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستكانة بعضهم حتى أرادوا أن يعتضدوا بابن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان. وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ على الإسلام وجهاد أعدائه.
وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا الدعاء الآتي الذي فيه إضافة الذنوب إلى أنفسهم، مع كونهم ربانيين، هضما لها، وفيه منتهى الافتقار، والتذلل لله، ليثبتهم على ما يحبه: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا أي: تجاوزنا حد العبودية وَثَبِّتْ أَقْدامَنا أي: في القتال والمواقف وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ بالغلبة، وقدموا الدعاء بالاستغفار من الذنوب على طلب تثبيت الأقدام في موطن الحرب والنصرة على الأعداء؛ لأنه أقرب إلى الإجابة، لما فيه من الخضوع والاستكانة.
وقوله تعالى في الابتداء وَما كانَ قَوْلَهُمْ يوحي أنه لم يكن لهم من دأب وعادة إلا كثرة الذكر بهذا الدعاء،
فاستحقوا في مقابل ذلك ما ذكره الله فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا أي: أعطاهم النصرة، والظفر، والغنيمة، والعاقبة. وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ أي: أعطاهم في الآخرة المغفرة والجنة، فجمع لهم خيري الدنيا والآخرة، وقال: ثواب الدنيا بينما قال: وحسن ثواب الآخرة ليدل على فضل ثواب الآخرة، وتقدمه، وكونه المعتد به، ولذلك وصفه بالحسن. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ دلت نهاية الآية على أن من كان كذلك فهم المحسنون، وهم الذين يحبهم الله، فما أجهل من لم يعرف أن مثل هذا من الإحسان.
فوائد:
1 -
لئن كان بعض الصحابة قد وهنوا يوم أحد، فإن بعضهم قد ضرب أروع أمثال البطولة، ونذكر هنا مثالا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتابه «دلائل النبوة»:
أن رجلا من المهاجرين مر على رجل من الأنصار وهو يتشحط بدمه فقال له: يا فلان أشعرت أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد قتل، فقال الأنصاري إن كان محمد قتل فقد بلغ، فقاتلوا عن دينكم، فنزل وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
…
2 -
3 -
عند قوله تعالى وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا.
أقول: مذهب المعتزلة في هذا الشأن نموذج على ترك المحكم إلى المتشابه فالنصوص في هذا الشأن في غاية الوضوح كما نرى فإن تترك لنصوص تحتمل أكثر من معنى فذلك خطأ.
4 -
في قراءة ورش وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ وعليها الوقوف، ثم مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ وهذا يدل على ما ذهبنا إليه في التفسير أن الذى قتل هو النبي، ومعه طائفة من أصحابه، فاستمر الباقون على أمر الله. وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وورثنا دينه، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين الشاكرين المحسنين.
5 -
استشهد أبو بكر بقوله تعالى وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ
…
الآية يوم مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الآية خير عزاء، وقصة ذلك كما ذكرها البخاري: أن أبا بكر رضي الله عنه أقبل- أي يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول الله وهو مغطى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكب عليه وقبله وبكى ثم قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين: أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها.