الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنفسهم، ولا يلتفتون إلى البينات.
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ في إخباره، وفيه تعريض بكذبهم أي ثبت أن الله صادق فيما أنزل، وأنتم الكاذبون. فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً. أي: مائلا عن الأديان الباطلة. أي إذ ثبت أن الله صادق فيما أخبر به بهذا القرآن، فاتبعوا ملة إبراهيم التي هي ملة الإسلام التي عليها محمد عليه السلام، ومن آمن معه حتى تتخلصوا من انحرافاتكم، وتعذيب أنفسكم.
وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أي كونوا موحدين مثله. وهذا دليل على أن هذه الآيات مرتبطة بسياق بداية القسم قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ.
فوائد:
1 -
روى الإمام أحمد عن ابن عباس قال: حضرت عصابة من اليهود إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي. قال: «سلوني عما شئتم، ولكن اجعلوا لي ذمة الله وما أخذ يعقوب على بنيه لئن أنا حدثتكم فعرفتموه لتتابعني على الإسلام» قالوا: فذلك لك، قالوا: أخبرنا عن أربع خلال. أخبرنا أي الطعام حرم إسرائيل على نفسه؟ وكيف ماء المرأة وماء الرجل؟، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟، وأخبرنا بهذا النبي الأمي في النوم، ومن وليه من الملائكة؟. فأخذ عليهم العهد لئن أخبرهم ليتابعنه فقال:«أنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن إسرائيل مرض مرضا شديدا وطال سقمه فنذر لله نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه، وكان أحب الطعام إليه لحم الإبل، وأحب الشراب إليه ألبانها؟» فقالوا: اللهم نعم. فقال: اللهم اشهد عليهم. وقال:
«أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيتهما علا كان له الولد والشبه بإذن الله، إن علا ماء الرجل ماء المرأة كان ذكرا بإذن الله، وإن علا ماء المرأة ماء الرجل كان أنثى بإذن الله؟ قالوا: نعم قال: اللهم اشهد عليهم، قال: وأنشدكم بالذي أنزل التوراة على موسى هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟ قالوا: اللهم نعم قال:
اللهم اشهد عليهم، قال: وإن وليي جبريل، ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه قالوا:
فعند ذلك نفارقك، ولو كان وليك غيره لتابعناك، فعند ذلك قال الله: قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ
…
الآية.
أقول: إن لي في فهم علو ماء الرجل على ماء المرأة أو العكس اتجاها- الله أعلم بصحته-: هو أن المراد بالعلو هنا الغلبة فإذا كان للحيوان المنوي غلبة على بويضة الأنثى حدث الإذكار، وإذا كانت لبويضة الأنثى غلبة على الحيوان حدث التأنيث والأمر غيب وهذا فهم.
2 -
ذكر ابن كثير مناسبتين لذكر آية كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ
مع ما قبلها. المناسبة الأولى: كون إسرائيل قد حرم على نفسه أحب الطعام فلذلك مناسبة مع قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ
…
المناسبة الثانية: أن الآية لها صلة بالنسخ، وهو جزء مما ناقش الله به بني إسرائيل، إذ إن بني إسرائيل ادعوا عدم جواز النسخ، وقد ذكر ابن كثير مجموعة مما حدث فيه النسخ مما هو ثابت في التوراة، وقد أشرنا إلى هذا الموضوع في أكثر من مكان.
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ أي إن أول بيت وضعه الله متعبدا للناس، لَلَّذِي بِبَكَّةَ أي للبيت الذي ببكة، وهو الكعبة، وبكة من أسماء مكة. مُبارَكاً أي: كثير الخير لما يحصل للحجاج والمعتمرين من الثواب وتكفير السيئات. وَهُدىً لِلْعالَمِينَ لأنه قبلتهم ومتعبدهم وبالقيام بحقه يهتدون، وبمزاولة ما أمرهم الله به من شأنه، يرزقهم الله الهداية.
فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ أي: علامات واضحات لا تلتبس على أحد أنه من بناء إبراهيم، وأن الله عظمه وشرفه. مَقامُ إِبْراهِيمَ وهو الحجر الذي قام عليه أثناء بناء الكعبة، فظهرت فيه آثار قدميه، فهو آية بمنزلة آيات كثيرة لاشتماله على آيات كثيرة لظهور شأنه، وقوة دلالته على قدرة الله تعالى، ونبوة إبراهيم عليه السلام من تأثير قدمه في حجر صلد، فتأثير القدم في الصخرة الصماء آية، وغوصه فيها إلى الكعبين آية، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية، وإبقاؤه دون سائر آيات الأنبياء عليهم السلام آية لإبراهيم خاصة. وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً هذه هي الآية الثانية التي تتضمن آيات أي وأمن داخله، وما أكثر من حصل الأمن به، حتى يوم لا يكون أمن كأيام العرب في الجاهلية، وفي ذلك آيات، وهذا الأمن آية كذلك لإبراهيم إذ إنه كان ببركة دعائه: رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً (سورة إبراهيم).
وهناك اتجاه آخر في تفسير قوله تعالى: فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وهو أن مقام إبراهيم هو الحرم كله، وفي الحرم آيات أخرى سوى الحجر منها إهلاك جيش أبرهة الذي قصده بسوء. ذكر هذا الاتجاه وضرب هذه الأمثلة كثيرون من المفسرين منهم الألوسي فيكون المعنى «مقام