الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هن اللواتي بين أحكامهن في أول السورة، فهل اتضحت هذه الآية وصلة ما بعدها بها، وما محل ذلك كله في سياقها؟ الآيات الثلاث التالية:
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً النشوز: أن يتجافى عنها بأن يمنعها نفسه ونفقته، وأن يؤذيها بسب أو ضرب. والإعراض أن يقلل محادثتها ومؤانستها بسبب كبر سن أو دمامة، أو سوء في خلق أو خلق، أو ملال، أو طموح عين إلى أخرى، أو غير ذلك. والمعنى أنه إذا توقعت امرأة ما من زوجها نشوزا أو إعراضا لما لاح لها من مخايله وأماراته، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً. أي: فلا إثم عليهما أن يتصالحا، وذلك بأن تطيب له نفسا عن القسمة، أو عن بعضها، أو تهب له بعض المهر أو كله أو النفقة.
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ. أي: من الفرقة والنشوز، أو من الخصومة في كل شئ. أو المعنى كما أن الخصومة شر من الشرور، فإن الصلح خير من الخيور. وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ. أي: جعل الشح حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا، ولا تنفك عنه.
يعني أنها مطبوعة عليه. والمراد هنا أن المرأة لا تكاد تسمح بقسمها أو بشيء لها.
والرجل لا يكاد يسمح بأن يقسم لها أو بشيء إذا رغب عنها، فكل واحد منهما يطلب ما فيه راحته ومصلحته ومنفعته. ثم رفع الله الهمة إلى الإحسان والتقوى، وفي ذلك
حث على مخالفة الطبع، ومتابعة الشرع فقال: وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. أي: وإن تحسنوا بالإقامة على نسائكم وإن كرهتموهن، وأحببتم غيرهن، وتصبروا على ذلك مراعاة لحق الصحبة، وتتقوا النشوز والإعراض وما يؤدي إلى الأذى والخصومة، فإن الله عليم بإحسانكم وتقواكم وسيثيبكم عليه.
فوائد:
1 -
في سنن سعيد بن منصور عن عروة قال: «أنزل الله في سودة أم المؤمنين رضي الله عنها وأشباهها وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً وذلك أن سودة رضي الله عنها كانت امرأة قد أسنت، ففرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضنت بمكانها منه، وعرفت من حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ومنزلها منه، فوهبت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم» وروى الشافعي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي عن تسع نسوة، وكان يقسم لثمان.
2 -
روى ابن أبي حاتم. جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فسأله عن قول الله- عزّ
وجل- وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً قال علي: يكون الرجل عنده المرأة فتنبو عيناه عنها من دمامتها، أو كبرها، أو سوء خلقها، أو قذذها، فتكره فراقه، فإن وضعت له من مهرها شيئا حل له، وإن جعلت له من أيامها فلا حرج.
3 -
عند قوله تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ يروي ابن كثير الحديث الذي رواه أبو داود: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» .
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ تمام العدل أن يسوي بينهن بالقسمة والنفقة والتعهد والنظر والإقبال، والمكالمة والمفاكهة والجماع وغيرها، وهذا كله غير مستطاع للإنسان مهما كان حريصا في تحري ذلك، ولذلك فرض الله العدل في النفقة والكسوة والمبيت، ولم يفرض فيما سوى ذلك. وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود عن عائشة قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» (يعني القلب) فمثل هذا عفا الله عن العدل فيه. وأما ما فرض الله فيه العدل فواجب فقد روى الإمام أحمد وأهل السنن عنه صلى الله عليه وسلم «ومن كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط» .
فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ المعلقة: هي التي ليست بذات بعل ولا مطلقة. والمعنى: فلا تجوروا كل الجور على المرغوب عنها فتتركوها كالمعلقة. أي إذا لم يكن العدل المطلق ممكنا، فراعوا ألا تفرطوا في حق المرغوب عنها، لدرجة أن تجعلوها كالمعلقة، بحرمانها قسمها وذلك حرام إلا برضاها، أو بعدم الإقبال عليها في قسمتها وذلك ضار بها. وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
أي: وإن أصلحتم في أموركم وقسمتم بالعدل فيما تملكون، واتقيتم الله في جميع الأحوال غفر الله لكم ما كان من ميل إلى بعض النساء دون بعض. أو المعنى: وإن تصلحوا بينهن وتتقوا الجور فيهن يغفر لكم ميل قلوبكم، ويرحمكم فلا يعاقبكم.
وَإِنْ يَتَفَرَّقا.
أي: إن لم يصطلح الزوجان على شئ، وتفرقا بالخلع، أو بتطليقه إياها، وإيفائه مهرها ونفقة عدتها. يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ. أي: يغن الله كل واحد منهما من غناه، أي يرزقه إن شاء زوجا خيرا من زوجته، وعيشا أهنأ من عيشه. وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً واسعا في عطائه، إذ الواسع هو الغني المقتدر، حكيما إذ أذن في الطلاق والتسريح.