الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3): الآيات 29 الى 32]
قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30) قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ (32)
كلمة في المقطع:
يتألف المقطع من ثلاث فقرات:
فقرة حول كون الدين الوحيد المقبول عند الله هو الإسلام، وأنه دين الله في كل العصور، وأن هذا الإسلام أنزله الله واضحا، وأنه لا اختلاف فيه إلا بسبب البغي، وأن هذا الإسلام الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هذا شأنه، بل هو معجزات واضحات، وأن من يكفر به فإنه باغ ظالم غير مقبول، وأن الله سيحاسبه.
فإذا كان هذا هو الشأن فكل مناقشة في الإسلام ظالمة، ومن ثم فإن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يعلنوا إسلامهم لله أمام أي حجاج وأن يدعوا غيرهم إلى الإسلام؛ ثم يقرر الله- عز وجل أن الكافرين إن أسلموا فقد اهتدوا، وإن أعرضوا فليس على الرسول من إثمهم شئ. إذا أدى الرسالة، والله مطلع عليهم، وعلى أعمالهم وأعمال عباده كلهم وسيجازيهم.
هذه معاني الفقرة الأولى بإجمال.
ولنتذكر ما ورد في الفقرة الأولى من مقدمة سورة البقرة: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
وهاهنا يقول عز وجل: فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ.
فالفقرة هنا تعلمنا كيف نهتدي بالقرآن، بالتسليم له والإيمان بآياته، وبعدم الاختلاف فيه، وتعلمنا كيف ندعو إلى هذا الإسلام، وكيف نقابل المحاجة فيه.
والفقرة الثانية في هذا المقطع هي:
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ....
فالفقرة الثانية في هذا المقطع تحدثنا عن أخلاقية الكافرين الذين يكفرون بالآيات، ويقتلون الأنبياء والعلماء، وتحدثنا عن العذاب المعد لهم، وتحدثنا عن نموذج من الناس، وموقفهم الرافض من الإنذار وسبب هذا الموقف.
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ .. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ ....
وتنتهي الفقرة بآية واعظة لهؤلاء:
فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ.
وهكذا نرى أنه في الفقرة الأولى والثانية في هذا المقطع نوع تفصيل لما ورد في مقدمة سورة البقرة وعلى نفس الترتيب. فالفقرة الأولى لها صلة بالمتقين، والفقرة الثانية في الكافرين، ولا نلاحظ كلاما عن المنافقين هنا، كما ورد في مقدمة سورة البقرة، لأن النفاق كفر، ولكنا نرى في الفقرة الثالثة قوله تعالى:
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ. فههنا نهي عن السير في طريق النفاق.
إن الفقرة الثالثة يتوجه فيها الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم بكلمة (قل) أربع مرات.
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ....
قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ....
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ....
قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ.
فبعد التفصيل في أن الدين عند الله الإسلام، وبعد التفصيل في مواقف الكافرين، تأتي هذه الإعلانات الأربعة لتحدد لأهل الإيمان مواقفهم، ولتعلمهم صفحة من هداية الله لهم، في كتابه، يقابلون بها مواقف الكافرين، ويرتقون بها إلى مقامات المتقين.
انتهى المقطع الأول بإعلان شهادة الله على أنه قائم بالقسط؛ ليأتي هذا المقطع معلنا أن الله القائم بالقسط لا يقبل دينا إلا الإسلام. فذلك هو العدل الخالص ثم يسير المقطع ليحدثنا عن الكافرين الذين يقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط، ثم يسير المقطع ليأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلن، وأن يعرف على أمور بدونها لا يكون إسلام. فالمقطع يرتبط مع المقطع السابق الذي يحدثنا عن وحدانية الله، وقيوميته، وعزته، وحكمته، بوشائج كثيرة، فهو استمرار له وتفصيل لما تقتضيه الوحدانية والقيومية والعزة والحكمة، من مظاهر العبودية له- جل جلاله معرفة وتسليما ومحبة وطاعة، وكما أن المقطع الأول تحدث عن الكتاب، والاهتداء به في فقرته الأولى، ثم تحدث عن الكافرين في فقرته الثانية، ثم ذكر تزيين الحياة الدنيا وشهواتها، وهي القاطعة عن الطريق.
فإن هذا المقطع تحدث عن الاهتداء بالقرآن، وذلك بالإسلام لله في فقرته الأولى، وتحدث عن الكافرين في فقرته الثانية، وتحدث في فقرته الثالثة عن معان تزيل الغشاوات عن الأعين، فترفع الهمة نحو السير في الإسلام، فلا شئ يحول دون السير في طريق الله، كحب الجاه، والحرص على الرزق:
فتأتي الفقرة الثالثة وفيها:
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ .. وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.
قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ....
كما أن في الفقرة تحطيما للدعاوى، وتحديدا للطريق:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ....
قُلْ: أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ ....
ولقد رأينا في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.
وواضح أنه بنهاية هذا المقطع، ينتهي القسم الأول من السورة، لأنه يأتي بعد ذلك كلام عن زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام، فنحن بذلك الكلام أمام قسم جديد، وكأن القسم الأول؛ مقدمة له بل هو مقدمة للسورة كلها، بدليل ما سنراه من ارتباط أقسام السورة كلها، بهذا القسم وختم السورة بمعان مرتبطة به.
وفيما بين قوله تعالى قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ
…
وقوله تعالى: قُلْ: إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ. يأتي قوله تعالى:
لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وذلك لأن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين أثر عن الحرص على الحياة والرزق، فأعلن الله أن الحياة والرزق بيده، ولأن النفاق شئ قلبي، حذر الله أنه يعلم خفايا الأنفس، وهكذا جاء النهي بين تذكيرين، ومن هنا نعلم الحكمة في وجود هذا النهي في محله.
إنه لم يأت مباشرة بعد الفقرة الأولى والثانية اللتين تحدثتا عن الإسلام والكفر، إنه لم يأت بعد ذلك مباشرة، بل جاء متأخرا بعد درس من التعريف على الله، ليأخذ محله في مشاعر المسلمين وقلوبهم وضمائرهم.
قلنا من قبل: إن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معاني هذه المقدمة.
فلنلاحظ الآن ما يلي: في مقدمة سورة البقرة ورد قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.
ومن امتدادات هذا النص في سورة البقرة ما رأيناه من دعوة لبني إسرائيل فيها:
وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ. وقد رفض بنو إسرائيل الدعوة إلا من رحم الله وجاء في سورة البقرة أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا وفي ذلك السياق جاء قوله تعالى فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا .... ثم جاءت الآية اللاحقة: وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً
…
كل ذلك جاء في سورة البقرة وهو امتداد لبعض ما جاء