الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ* الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ.
ومن السياق نفهم أن من لم تجتمع له مجموعة هذه الخصال لا يستطيع أن يتخلص من أسر شهوات الحياة الدنيا فيضبطها على أمر الله.
ونحب قبل أن نبدأ عرض المعاني العامة للمقطع أن نعقد فصلا نتحدث فيه عن بعض أقوال المفسرين في الحروف التي بدئت بها بعض السور استكمالا لما كنا قد ذكرناه من قبل.
فصل في الحروف التي بدئت بها بعض السور القرآنية:
قلنا من قبل: إن مجموع ما ذكره المفسرون في شأن الحروف، لا يعدو أن يكون من باب تسجيل الملاحظات حولها دون أن يكون تفسيرا لها، ولم يزل المفسرون ولا يزالوا يسجلون ملاحظات. ومن أهم الملاحظات التي سجلت حول هذه البدايات ثلاث ملاحظات:
الأولى: أن فيها إشارة إلى الإعجاز.
والثانية: وهي امتداد لقضية الإعجاز أنها تشير إلى نسبة ورود الأحرف المبدوءة بها السورة بالنسبة لسور أخرى لم ترد في أوائلها هذه الأحرف.
والثالثة: أن هذه الأحرف جزء من فواتح السور التي ندرك من خلالها، ومن خلال معان أخرى مفاتيح الوحدة القرآنية، مما سنراه في هذا التفسير. ونزيد هاهنا فنقول:
إن بعضهم اعتبر كل حرف من هذه الأحرف، فيه إشارة إلى كلمات.
فالألف مثلا تشير إلى آلاء الله، واللام تشير إلى لفظ الجلالة «الله» وهكذا.
وذهب بعضهم إلى أنها أسماء للسور التى وردت فيها، وذهب بعضهم إلى أنها تشير إلى مدد أقوام وآجال بحساب الجمل، وأول من حاول أن يبني على هذا الفهم، اليهود في زمن النبوة، إذ ظنوا أن في ذلك إشارة إلى مدة أجل الإسلام، كما سنرى الرواية في
ذلك، وقد بنى بعضهم على هذا الاتجاه واستخرج أمورا، ومن كلام الألوسي:
«ومما يستأنس به لذلك ما رواه العز بن عبد السلام: أن عليا رضي الله عنه استخرج وقعة معاوية من (حم عسق) واستخرج أبو الحكم عبد السلام بن برجان في تفسيره (فتح بيت المقدس) سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة من قوله تعالى الم غُلِبَتِ الرُّومُ. «وهناك أقوال كثيرة أخرى يذكرها المفسرون: من أنها لإيقاظ السامع أو التالي، أو للإشارة إلى ما في هذا القرآن من جديد غير معتاد. ولبعض الكفرة رأي في هذا الشأن، نسجله ليعرف ويتأمل، وهو أن هذه الأحرف تحدد جرس السورة، فهي بمثابة المفتاح لطريقة الأداء. وما من أحد يدعي أنه أصاب في شأنها مراد الله فيها، ولكن في كل ما قيل ويمكن أن يقال- مما يستطيع أصحابه أن يدللوا عليه- تظهر بعض أسرار هذه الحروف، ويظهر بذلك بعض أسرار الإعجاز.
ومن كلام الألوسي فيها:
وبعد أن عرض ابن كثير للأقوال الكثيرة في هذه الفواتح، رجح أن يكون المراد منها الإشارة إلى الإعجاز والتحدي، ثم ختم كلامه عنها برد كلام من زعم أنها دالة على معرفة المدد، فلننقل كلامه لأن فيه سردا لما نقل عن اليهود في هذا الشأن:
قال ابن كثير: «وأما من زعم أنها دالة على معرفة المدد وأنه يستخرج من ذلك أوقات الحوادث والفتن والملاحم، فقد ادعى ما ليس له، وطار في غير مطاره، وقد ورد في ذلك حديث ضعيف وهو مع ذلك أدل على بطلان هذا المسلك به على صحته، وهو ما رواه محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي: حدثني الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن جابر بن عبد الله بن زياد قال: مر أبو ياسر بن أخطب في رجال من اليهود برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو فاتحة سورة البقرة الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من اليهود فقال: تعلمون والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل الله تعالى عليه الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ فقال: أنت سمعته. قال: نعم فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالوا: يا محمد ألم يذكر أنك تتلو فيما أنزل الله عليك الم* ذلِكَ الْكِتابُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى» فقالوا: جاءك بهذا جبريل من عند الله؟
فقال: «نعم» . قالوا: لقد بعث الله قبلك أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك. فقام حيي بن أخطب وأقبل على من كان معه فقال لهم: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، أفتدخلون في دين نبي إنما مدة ملكه، وأجل أمته إحدى وسبعون سنة؟. ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد هل مع هذا غيره؟ فقال نعم، قال ما ذاك قال المص قال هذا أثقل وأطول. الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد سبعون (1) فهذه إحدى وثلاثون ومائة سنة: هل مع هذا يا محمد غيره؟ قال: نعم، قال: ما ذاك؟
قال: الر. قال: هذا أثقل وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والراء مائتان، فهذه إحدى وثلاثون ومائتان سنة. فهل مع هذا يا محمد غيره؟ قال:«نعم» قال ماذا؟ قال: «المر» قال: هذا أثقل وأطول: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومائتان. لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا. ثم قال: قوموا عنه، ثم قال أبو ياسر لأخيه حيي بن أخطب ولمن معه من الأحبار: ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد إحدى وسبعون، وإحدى وثلاثون ومائة، وإحدى وثلاثون ومائتان، وإحدى وسبعون ومائتان، فذلك سبعمائة وأربع سنين؟ فقالوا: لقد تشابه علينا أمره فيزعمون أن هؤلاء الآيات أنزلت فيهم هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فهذا الحديث مداره على محمد بن السائب الكلبي وهو لا يحتج بما انفرد به، ثم كان مقتضى هذا المسلك- إن كان صحيحا- أن يحسب ما لكل حرف من الحروف الأربعة عشر التي ذكرناها، وذلك يبلغ منه جملة كثيرة، وإن حسبت مع التكرر فأطم وأعظم والله أعلم!!!.
أقول: إن حسبنا مجموع هذه الأحرف بحساب الجمل- على بعض اتجاهات أهله- فإن مجموعها يكون (2980) ألفان وتسعمائة وثمانين عاما. وعلى فرض صحة الحديث، فالحديث لا دليل فيه كما قال البيضاوي- معلقا على رواية أبي العالية-:
والحديث لا دليل فيه لجواز أنه عليه الصلاة والسلام تبسم تعجبا من جهلهم ..
(1) هكذا في ابن كثير ولعلها ستون؛ لأن مجموع ما ذكره إحدى وأربعون ومائة.