الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَظِيماً لارتكابه أمرا عظيما، وخطبا جسيما.
فوائد:
1 -
ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث:
النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة». قال ابن كثير: ثم إذا وقع شئ من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أن يقتله، وإن ذلك إلى الإمام أو نائبه- أقول ولكن هل يأثم من قتل أمثال هؤلاء إثم القاتل؟ حتما لا، وإنما الإثم في تقدمه على الإمام حتى لا يترتب على ذلك مفسدة- أما من حيث إنه قتل مستحقا للقتل فهو مأجور إن فعل ذلك بنية صالحة.
2 -
وفي سبب نزول آية القتل الخطأ قال مجاهد وغير واحد: نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخي أبي جهل لأمه، وهي أسماء بنت مخرمة. (وذلك أنه قتل رجلا يعذبه مع أخيه على الإسلام وهو الحارث بن يزيد الغامدي) - فبسبب من تعذيب ذلك الرجل لعياش وأخيه- أضمر له عياش السوء، فأسلم ذلك الرجل وهاجر وعياش لا يشعر، فلما كان يوم الفتح رآه فظن أنه على دينه، فحمل عليه فقتله، فأنزل الله هذه الآية.
3 -
وفي كفارة القتل الخطأ هل تجزئ أي رقبة صغيرة أو كبيرة، رجل أو امرأة؟. الجمهور أنه متى كان مسلما صح عتقه عن الكفارة سواء كان صغيرا أو كبيرا، رجلا أو امرأة.
4 -
وأما مقدار الدية فقد قال ابن مسعود: «قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية الخطأ عشرين بنت مخاض، وعشرين بني مخاض ذكورا، وعشرين بنت لبون،
وعشرين جذعة، وعشرين حقة. هذا لفظ النسائي. وعند الحنفية يجزئ عن الدية عشرة آلاف درهم فضة، وتختلف قيمتها باختلاف سعر الفضة نزولا أو ارتفاعا. وفي يوم جمع هذا الكتاب كان ذلك يعدل حوالي ستة عشر ألفا من الريالات السعودية. وهذه الدية إنما تجب على عاقلة القاتل لا في ماله. قال الشافعي رحمه الله: لم أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية على العاقلة. قال ابن كثير: وهذا الذي أشار إليه رحمه الله قد ثبت في غير ما حديث، فمن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة قال:«اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها» قال ابن
كثير: وهذا ما يقتضي أن حكم عمد الخطأ حكم الخطأ المحض، لكن هذا تجب فيه الدية أثلاثا لشبهة العمد. وفي صحيح البخاري عن الزهيري عن سالم عن أبيه قال:«بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا، فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، فأمر كل رجل منا أن يقتل أسيره؛ فقلت والله لا أقتل أسيري، ولا يقتل أحد من أصحابي أسيره، فذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين» وبعث عليا فودى قتلاهم وما أتلف من أموالهم، حتى ميلغة الكلب. وهذا الحديث يؤخذ منه أن خطأ الإمام أو نائبه يكون في بيت المال، قال النسفي من الحنفية: إن دية الذمي كدية المسلم وهو قولنا. وقد مر معنا في هذه الفائدة أكثر من اصطلاح: العاقلة، شبه العمد، فأما العاقلة: فهي عشيرة الرجل وقبيلته التي يتناصر هو وإياها، وأما شبه العمد: فهو كالعمد إلا أن الأداة فيه ليست قاتلة في الأصل. فمن قتل عامدا بسيف مثلا أو بمسدس فذلك قاتل عمد، وأما من قتل بمثل عصا أو بحجر مما لا يقتل في الأصل فهذا شبه عمد.
5 -
في قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ في آية القتل الخطأ مظهرا من مظاهر الإعجاز القرآني العظيم إذ فيه ما يشير إلى دقة اللفظ القرآني بحيث يسع الزمان والمكان، وبحيث يسع تشريعه الزمان والمكان، فقوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ. يدخل فيه حالة عدم الاستطاعة، ويدخل فيه عدم الوجود. وفي عصرنا حيث لا يوجد رقاب ورقيق، يدرك الإنسان سعة هذه الشريعة إذ وضعت بديلا مراعاة لمثل هذه الحالة، ومثل هذا الإعجاز في النص وفي التشريع، لا يمكن أن يكون لولا أن هذا القرآن من عند الله رب العالمين.
6 -
وفي موضوع القتل العمد، وتفسير الخلود في النار- الذي هدد به صاحبه- قضايا كثيرة، ضل بها من ضل، وخلاصة الحق في هذا الموضوع، أن من قتل مؤمنا قاصدا لأنه مؤمن، أو قتل مؤمنا مستحلا قتله بلا شبهة معتبرة شرعا، فهو كافر، وجزاؤه الخلود الأبدي في النار. أما من قتل مؤمنا عمدا غير مستحل، فهو مؤمن ويستحق المقام الطويل في جهنم إلا أن يعفو الله. وقد قال العلماء: إن في القتل ثلاثة حقوق: حق الله، وحق القتيل، وحق أوليائه. فحق أوليائه الدية أو القصاص، وحق الله يسقط بالتوبة إن قبلها الله، ويبقى حق القتيل يوم القيامة، فإن شاء الله أن يرضي
القتيل أرضاه عن قاتله، وإن شاء عذب القاتل بحق القتيل، وإذا أدخله الله في النار فذلك إليه- سبحانه- ولكن لا يخلد فيها أبدا، كالكافرين لقوله عليه الصلاة والسلام:«يخرج من النار من كان في قلبه ذرة من إيمان» والخلود في اللغة يطلق على المكث الطويل. وفي آية القتل العمد، يدور كلام كثير، وما قلناه مدار كلام أهل الحق. وفي النقل الصحيح عن ابن عباس في هذه الآية قال:«هي آخر نزولا وما نسخها شئ» فليحذر الإنسان أن يقع في دماء المؤمنين.
7 -
ومما ورد في القتل العمد:
أ- في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء» وفي الحديث الذي رواه أبو داود عنه عليه الصلاة والسلام: «لا يزال المؤمن معنقا (أي مسرعا في سيره) صالحا ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب دما حراما بلح» - أي انقطع من الإعياء والوهن-» وفي حديث آخر: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم» . وفي الحديث الآخر «لو اجتمع أهل السموات والأرض على قتل رجل مسلم لأكبهم الله في النار» وفي الحديث الآخر «من أعان على قتل المسلم ولو بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله» .
ب- روى الإمام أحمد عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» وسبب عدم قبول توبة القاتل من حيث إن القتل حق القتيل، وحقوق الآدميين لا تسقط بالتوبة بالإجماع. فلا بد من ردها إليهم، فإذا تعذر ذلك، فلا بد من المطالبة يوم القيامة.
قال ابن كثير: لكن لا يلزم من وقوع المطالبة، وقوع المجازاة، إذ قد يكون للقاتل أعمال صالحة تصرف إلى المقتول أو بعضها، ثم يفضل له أجر يدخل به الجنة، أو يعوض الله المقتول بما يشاء من فضله من قصور الجنة، ونعيمها، ورفع درجته فيها ونحو ذلك.
ج- روى النسائي وغيره عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يجئ المقتول متعلقا بقاتله يوم القيامة، آخذا رأسه بيده الأخرى فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ قال:
فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي، قال: ويجئ آخر متعلقا بقاتله فيقول: رب سل هذا فيم قتلني؟ قال: فيقول قتلته لتكون العزة لفلان، قال: فإنها ليست له، بؤ بإثمه، قال فيهوي فى النار سبعين خريفا».