الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكيف تأخذون من مهورهن شيئا.
وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ. أي:
لا تطئوا ما وطئ آباؤكم من النساء. إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ. أي: لكن ما قد سلف، فإنكم لا تؤاخدون به. إِنَّهُ. هذا العقد على نساء الآباء كانَ فاحِشَةً. أي:
بالغة في القبح. وَمَقْتاً. أي: بغضا عند الله، وعند المؤمنين. وَساءَ سَبِيلًا. أي: وبئس الطريق طريقا ذلك.
فوائد:
1 -
في أسباب نزول الآية الأولى عبارات كثيرة للمفسرين ننقل بعضها:
أ- قال ابن عباس. «كانوا إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته. إن شاء بعضهم تزوجها، وإن شاءوا زوجوها. وإن شاءوا لم يزوجوها. فهم أحق بها من أهلها. فنزلت هذه الآية. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً
…
» رواه البخاري وغيره. وفي الآية نفسها قال ابن عباس. (وذلك أن الرجل كان يرث امرأة ذي قرابته، فيعضلها حتى تموت، أو ترد إليه صداقها. فأحكم الله تعالى عن ذلك). أي نهى عنه. رواه أبو داود.
وفي الآية نفسها قال ابن عباس. (كان الرجل إذا مات وترك جارية، ألقى عليها حميمه ثوبه، فمنعها من الناس، فإن كانت جميلة تزوجها، وإن كانت دميمة حبسها حتى تموت، فيرثها). وقال زيد بن أسلم في سبب نزول الآية: «كان أهل يثرب إذا مات الرجل منهم في الجاهلية، ورث امرأته من يرث ماله. وكان يعضلها حتى يرثها أو يزوجها من أراد، وكان أهل تهامة يسئ الرجل صحبة المرأة حتى يطلقها، ويشترط عليها أن لا تنكح إلا من أراد، حتى تفتدي منه ببعض ما أعطاها، فنهى الله المؤمنين عن ذلك» رواه ابن أبي حاتم.
ب- وقال عطاء: إن أهل الجاهلية كانوا إذا هلك الرجل وترك امرأة حبسها أهلها على الصبي يكون فيهم، فأنزل الله لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
ج- وقال مجاهد: (كان الرجل إذا توفي، كان ابنه أحق بامرأته. ينكحها إن شاء إذا لم يكن ابنها، أو ينكحها من شاء: أخاه، أو ابن أخيه).
د- وقال عكرمة: (نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم بن الأوس. توفي عنها أبو
قيس بن الأسلت. فجنح عليها ابنه. فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: لا أنا ورثت زوجي، ولا أنا تركت فأنكح، فأنزل الله هذه الآية).
2 -
وفي قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. اختار ابن جرير أن ذلك الزنا، والعصيان، والنشوز، وبذاء اللسان، وغير ذلك. يعني أن هذا كله يبيح مضاجرتها حتى
تبرئه من حقها، أو بعضه، ويفارقها. قال ابن كثير:(وهذا جيد).
3 -
بمناسبة قوله تعالى وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ. قال ابن كثير: (وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة ويضحك نساءه، حتى كان يسابق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها يتودد إليها بذلك قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم. ثم سابقته بعد ما حملت اللحم، فسبقني. فقال صلى الله عليه وسلم «هذه بتلك» . ويجمع نساءه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء، وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يؤنسهم بذلك صلى الله عليه وسلم.
4 -
قال عبد الله بن المبارك في قوله تعالى:
لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً. (في الجاهلية. وَلا تَعْضُلُوهُنَّ. في الإسلام). وهذه لفتة كريمة من ابن المبارك فإرث النساء انتهى. ولكن العضل لا زال محتملا.
5 -
وبمناسبة قوله تعالى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً. قال ابن كثير: (وفي هذه الآية دلالة على جواز الإصداق بالمال الجزيل. وقد كان عمر بن الخطاب نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك كما روى الإمام أحمد
…
عن أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: (ألا لا تغالوا في صداق النساء. فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله؛ كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم. ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه، ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية. وإن كان الرجل ليبتلى بصدقة امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه. وحتى يقول: كلفت إليك علق القربة). والأثر حسن صحيح كما قال الترمذي
…
وكلام سيدنا عمر هنا لا اعتراض عليه. فهو ندب إلى تخفيف المهور. ولكن روايات أخرى تذكر أنه عزم على الناس ألا يزيدوا على أربعمائة درهم. وأراد أن يمنع الزيادة بقوة السلطان. وعندئذ اعترضته امرأة من قريش. فقالت: يا أمير المؤمنين. نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟. قال: نعم. فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟. قال: وأي ذلك؟. فقالت: أما سمعت الله يقول: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً
…
الآية. قال: اللهم غفرا. كل الناس أفقه من عمر. ثم رجع، فركب المنبر فقال: يا أيها الناس. كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم. فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب. قال أبو يعلى: فمن طابت نفسه فليفعل» إسناده قوي.
6 -
وبمناسبة قوله تعالى وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً قال ابن كثير: وفي صحيح مسلم عن جابر في خطبة حجة الوداع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها: «واستوصوا بالنساء خيرا فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله» .
7 -
وفي سبب نزول وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ .... ذكر ابن كثير رواية أخرى لحادثة مرت من قريب قال: أخرج ابن أبي حاتم: لما توفي أبو قيس- يعني ابن الأسلت- وكان من صالحي الأنصار- فخطب ابنه قيس امرأته فقالت: إنما أعدك ولدا وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا قيس توفي فقال خيرا. ثم قالت: إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه وإنما كنت أعده ولدا فما ترى فقال لها: «ارجعي إلى بيتك» قال: فنزلت وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ
…
الآية.
8 -
ذكر ابن كثير حكمة لتحريم زوجة الأب على الابن فقال: فإن في الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله؛ ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة، لأنهن أمهات لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم وهو كالأب، بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع، بل حبه مقدم علي حب النفوس (صلوات الله وسلامه عليه). أقول: ولئن كانت هذه حكمة فهناك حكم أخرى، فالرجل سيد زوجته، وأمه سيدته، فما أبشع أن يحل أمه محل تابعته، وزوجة أبيه أم له، والمسألة ذات وجوه أكثر تعقيدا، وأبعد عن أن يتكلم بها، يحس ذلك ذو الذوق المرهف. ثم قال ابن كثير: فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال، كما رواه الإمام أحمد، وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب عن خاله أبي بردة وفي رواية عمر «أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه