الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يمينا ولا شمالا، ولا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عنه صارف، وأن يكونوا متعاونين، متساعدين، متعاضدين، متناصرين فيه، وأن يؤدوا الشهادة ابتغاء وجه الله فتكون صحيحة عادلة حقا، خالية من التحريف والتبديل والكتمان، وأمر أن تؤدى شهادة الحق ولو عاد ضررها على صاحبها. فإذا سئلت عن أمر فقل الحق فيه، ولو عادت مضرته عليك، فإن الله سيجعل لمن أطاعه فرجا ومخرجا من كل أمر يضيق عليه، وإن كانت الشهادة على والديك وقرابتك فلا تراعهم فيها، بل اشهد بالحق وإن عاد ضررها عليهم؛ فإن الحق حاكم على كل أحد، وإن كان المشهود عليه غنيا أو فقيرا فأد فيه شهادة الحق، لا ترع غنيا لغناه، ولا تشفق على فقير لفقره، فالله يتولى الجميع، بل هو أولى بهما منك، وأعلم بما فيه صلاحهما. ثم نهى أن يحملنا الهوى والعصبية وبغض الناس عن ترك العدل في أي أمر وشأن، ثم أمر بلزوم العدل على أي حال، فإن العدل هو الأقرب للتقوى، التي هي الهدف، ثم هدد من يحرف الشهادة ويغيرها، ويتعمد الكذب، بعلم الله فيه.
وبهذا ينتهي المقطع، وإذا تذكر الإنسان ذكر الحق في بداية المقطع، وذكر العدل في نهايته، وكثرة ورود التقوى في المقطع، أدرك كيف أن هذا يمثل تجديدا في الأسلوب بالنسبة لما مر معنا من بدايات المقاطع ونهاياتها إذ ينتهي المقطع بما يتضمن موضوع المقطع كله، ليبدأ مقطع جديد على الطريقة الأولى مبدوء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.
المعنى الحرفي:
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ. أي: محقا فهو حق من الله، وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه وما شرع لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ. أي: بما عرفك وأوحى به إليك. وقال أبو منصور الماتريدي في تفسيرها: بما ألهمك في أصوله المنزلة، وبهذه الآية استدل من جوز الاجتهاد في حقه عليه الصلاة والسلام وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً. أي: ولا تكن لأجل الخائنين مخاصما، أي ولا تجادل عن الخائنين، وكل معصية خيانة، وكل عاص خائن في معصيته، فلا يجادلن مسلم عن عاص في معصيته
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ. أي: من أي خاطر يخالف ما مر.
إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. غفورا لما يهم به العبد ما لم ينفذه، رحيما بالمسلم إذ لم يكلفه ما لا يطيق.
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ. أي:
يخونونها بالمعصية. جعلت معصية العصاة خيانة لأنفسهم، لأن الضرر راجع إليهم، والنهي ينصب على المخاصمة عن هؤلاء والدفاع عنهم إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً الخوان هو: المفرط في الخيانة، والأثيم: المفرط في الإثم، فإذا كان الله لا يحب الخونة والآثمين، فكيف يدافع المسلم عنهم؟!!.
ثم زادنا الله- عز وجل بيانا لحال هؤلاء العصاة ليقطع دابر أي تفكير في القلوب المؤمنة في الدفاع عنهم. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ .... أي: يستترون من الناس حياء منهم، وخوفا من ضررهم وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ. أي: ولا يستحيون من الله وهو عالم بهم، مطلع عليهم، ولا يخفى عليه خاف من سرهم، وكفى بهذه الآية ناعية على الناس ما هم فيه من قلة الحياء والخشية من ربهم مع علمهم أنه معهم لا سترة ولا غيبة. إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ. أي: إذ يدبرون ما لا يرضي الله من الكلام، وسمي التدبير تبييتا: لأنه يكون عادة في الليل، وللنهار التنفيذ. وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً علمه محيط، وإرادته محيطة، ولا يكون شئ إلا به، فكيف لا يستحيون منه وهم يعصونه ويدبرون في معصيته.
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا. أي: هبوا أنكم خاصمتم عن هؤلاء الخائنين العصاة في الحياة الدنيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ. أي: فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم الله بعذابه. أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا. أي: من يكون حافظا ومحاميا عنهم من بأس الله وعذابه؟ اللهم لا أحد.
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً السوء هنا: الذنب دون الشرك أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ. بالشرك، ويحتمل أن يكون المراد بالسوء القبيح الذي يتعدى ضرره إلى الغير، والظلم للنفس: ما يختص ضرره بفاعله. ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ. أي: يسأل الله مغفرته يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً له رَحِيماً به.
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً. أي: ذنبا فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ لأن وباله عليه وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً بمن أذنب حَكِيماً ومن حكمته أنه لا يعاقب بالذنب إلا صاحبه.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً يحتمل أن يراد بالخطيئة هنا الصغيرة، وبالإثم الكبيرة، ويحتمل أن يكون المراد بالخطيئة هنا الذنب بينه وبين ربه، وبالإثم الذنب في مظالم العباد ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً. أي: ثم يتهم بهذا الذنب أو الخطيئة غير فاعله فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً. البهتان: الكذب العظيم، إذ البهتان كذب يبهت من قيل عليه ما لا علم له به، والإثم المبين هو الذنب الظاهر، وقد اجتمعت الصفتان فيمن يفعل ما ذكرته الآية
وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ أي: