الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كلمة في القسم:
يبدأ هذا القسم بقوله تعالى قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ وينتهي بقوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ. نلاحظ أن نداء قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ* قد بدئ به القسم، وختم به القسم. وهذا واحد مما دلنا على بداية القسم ونهايته. كما أن المعاني السابقة على القسم، والمعاني الآتية بعده تحدد بدايته ونهايته. فقد سبق بالقسم الذي يتحدث عن عيسى عليه السلام. وجاء بعده قسم بدايته يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
…
وهو أول نداء بصيغة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نراه في
سورة آل عمران.
قلنا إن محور سورة آل عمران هو مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها في السورة نفسها، فلنر هذا جليا في هذا القسم:
جاء في مقدمة سورة البقرة: وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ومن امتداد هذا المعنى في سورة البقرة الدعوة التي وجهت لبني إسرائيل، والحوار الذي فتح معهم، والذي بدايته مدخل مقطع بني إسرائيل الذي فيه وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ والذي استمر في مقطع بني إسرائيل، ومقطع إبراهيم، ومقطع القبلة، وانتهى بآية من سورة البقرة.
وفي هذا الحوار الطويل مع بني إسرائيل هناك ورد قوله تعالى:
وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وهاهنا في هذا القسم من سورة آل عمران نجد قوله تعالى: ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وفي ذلك الحوار مع بني إسرائيل في سورة البقرة ورد: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ. وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وهاهنا نجد يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ. يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وفي ذلك الحوار الكبير ورد قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ. فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ....
وهاهنا يرد قوله تعالى:
وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ
الْكِتابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وفي معرض الحوار مع بني إسرائيل في سورة البقرة يأتي قوله تعالى:
قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْنا وَما أُنْزِلَ إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ .. لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وهاهنا يرد النص نفسه تقريبا: قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَما أُنْزِلَ عَلَيْنا
…
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. لاحظ صلة هاتين الآيتين بشكل مباشر بقوله تعالى في مقدمة سورة البقرة:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ. وفي سورة البقرة جاء قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ. وهاهنا نجد قوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ.
ورأينا في الحوار الطويل مع بني إسرائيل في سورة البقرة إقامة الحجة عليهم بالنسخ، وهاهنا يذكر الله- عز وجل لنا نموذجا على نسخ وقع عندهم:
كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ .... ورأينا في الحوار الطويل مع بني إسرائيل مناقشتهم لقضية القبلة والتوجه في الصلاة إلى كعبة إبراهيم، وهاهنا يأتي كلام عن البيت، وفرضية حجه.
إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ وقبل هذه الآية مباشرة يأتي قوله تعالى:
قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
وفي سورة البقرة: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ.
قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً.
ونلاحظ أن الحوار مع بني إسرائيل في سورة البقرة كان منصبا في جملة مع اليهود، وهاهنا ينصب الحوار في جملته مع النصارى، حتى إنه يذكر في أسباب النزول، أن قسما كبيرا من هذه الآيات إن لم يكن كلها نزل بسبب الحوار مع وفد نجران النصراني.
فالقسم تفصيل لمحوره في سورة البقرة، ولامتدادات هذا المحور في سورة البقرة نفسها.
لقد جاء في مقدمة سورة البقرة: الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
وقد جاء القسم الأول في سورة آل عمران يفصل تفصيلا أوليا في هذا النص. ثم بعد ذلك جاء في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى: الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.
ونلاحظ أن القسم الثاني من سورة آل عمران فصل في بعض ذلك فأعطانا صفحة من صفحات الإيمان بالغيب. ثم جاء بعد هذا في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى:
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ.
ويأتي هذا القسم ليحاور أهل الكتاب من أجل أن يؤمنوا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء في مقدمة سورة البقرة كلام عما يقابل التقوى والمتقين، وهو الكفر والكافرين إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. وقد رأينا في القسمين السابقين كيف يتعاقب الكلام عن الإيمان والكفر، ونلاحظ أنه في هذا القسم قد جاء: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ.
وفي مقدمة سورة البقرة يأتي كلام عن المنافقين، وفي معرض الحوار مع أهل الكتاب هنا يأتي ذكر خطة من خطط اليهود: وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ وهكذا نجد كيف أن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، وامتدادات معانيها في نفس السورة، ولكن مع ذاتية خاصة للسورة، وسياق خاص بها، وترابط خاص بين معانيها.
فمن قبل هذا القسم الذي هو حوار شامل مع أهل الكتاب في شئون كثيرة، جاء القسم الأول والثاني ممهدين لهذا الحوار. القسم الأول: قرر وحدانية الله وقيوميته، وعزته، وحكمته، وأن الدين عنده الإسلام. والقسم الثاني: بين الحق في شأن عيسى عليه السلام، وهو أخطر انحراف وقع فيه أهل الكتاب. ثم يجئ القسم الثالث ليفتح الحوار الشامل مع أهل الكتاب على ضوء التمهيدين السابقين. فقبل أن يقول هذا القسم: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ جاءت خاتمة القسم الثاني تقول: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَ
اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ. وجاءت خاتمة القسم الأول تقول:
قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.
وكما أن الصلة بين القسمين السابقين وهذا القسم واضحة بشكل عام، فالصلة بين الآيات السابقة على هذا القسم وبين بدايته كذلك واضحة، فبعد أن قرر الله- عز وجل الحق في شأن عيسى الذي عبده النصارى: إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جاء خطاب لأهل الكتاب بأن يعبدوا الله وحده: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ.
لقد جاء القسم الأول دعوة إلى الدخول في دين محمد صلى الله عليه وسلم وجاء القسم الثاني مبينا أن محمدا صلى الله عليه وسلم داخل في المصطفين؛ فهو من آل إبراهيم، وأن ما يدعوا إليه في شأن عيسى هو الحق، وجاء القسم الثالث ليدعو أهل الكتاب إلى هذا الحق ويحاورهم فيه وتتسلسل المعاني في هذا القسم على ذاتية خاصة به.
فهو يبدأ بالدعوة إلى عبادة الله وحده، ثم في تأنيب أهل الكتاب على دعاواهم أن إبراهيم يهودي، أو نصراني، وتبيان أن أولى الناس بإبراهيم هو محمد صلى الله عليه وسلم والمسلمون، ثم يبين القسم رغبة أهل الكتاب في إضلال المسلمين، ويؤنب أهل الكتاب على الكفر، وخلط الحق بالباطل، وكتمانهم الحق. ثم يبين القسم بعض خططهم لإضلال المسلمين، وبعض اعتقاداتهم التي تجعل بعضهم يستبيح الخيانة، مع أن القاعدة الكلية المقبولة عند الله تعالى هي الوفاء بالعهود، ثم يقص الله علينا بعضا من أخلاقهم، ومواقفهم ويرد عليهم فيها ثم يدعوهم إلى الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم وبالإسلام، ويؤنبهم على أن يتجهوا إلى غير ذلك. ثم يبين أن هؤلاء لا يستحقون الهداية، إذ إنهم كانوا مؤمنين فكفروا، إلا إذا اجتمع للواحد منهم التوبة والإصلاح. ثم يبين الله لهؤلاء الكافرين ما أعده لهم من عذاب إن أصروا على الكفر، وماتوا عليه.
ثم يبين لهم، ولنا بعضا مما يدخل في ماهية البر، وأن النسخ قائم في شريعتهم، وذلك لأنهم بحجة عدم جواز النسخ يرفضون الدخول في الإسلام. وإذ كانت قضية القبلة من شبههم، فإن كلاما عن بيت الله الذي بناه إبراهيم عليه السلام يأتي وفيه تبيان لشرف