الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبير وليهن، وهو منتقم ممن ظلمهن، وبغى عليهن.
وبعد أن بين علاج حالة ما إذا كان النفور والنشوز من الزوجة، ذكر حالة ما إذا كان النفور من الزوجين وعلاجه، فإذا وقع الشقاق بين الزوجين، أسكنهما الحاكم إلى جنب ثقة، ينظر في أمرهما، ويمنع الظالم منهما من الظلم. فإن تفاقم أمرهما، وطالت خصومتهما، بعث الحاكم ثقة من أهل المرأة، وثقة من قوم الرجل ليجتمعا، فينظرا في أمرهما، ويفعلا ما فيه المصلحة مما يريانه من التفريق- على خلاف بين الفقهاء في كونه للحكمين- أو التوفيق على إجماع. وندب الشارع إلى التوفيق. والله عز وجل عليم بالنيات، والإرادات، خبير بالظلم من صاحبه.
المعنى الحرفي:
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ. أي: الرجال يقومون على النساء آمرين، ناهين، كما يقوم الولاة على الرعايا. وسموا قواما لذلك. بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ. أي: هذه القوامة والسيطرة بسبب تفضيل الله بعضهم، وهم الرجال، على بعض، وهم النساء، بالعقل، والحزم، والرأي، والقوة، ونوع العواطف المؤهلة للقوامة، والغزو، وكمال الصوم، والصلاة، والنبوة، والخلافة، والإمامة، والأذان، والخطبة، والجماعة، والجمعة، والشهادة في الحدود، والقصاص، وتضعيف الميراث، والتعصيب فيه، وملك النكاح، والطلاق. وإليهم الانتساب، وهم أصحاب اللحى، والعمائم.
إن الخصائص والصفات التي فضل الله بها الرجل على المرأة كأثر عن اختلاف الجسم والوظيفة، والتي ترتب عليها اختلاف في الأحكام هي سبب القوامة الأول. والسبب الثاني وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ. أي: وبسبب أن المهر والنفقة عليهم، وفيه دليل وجوب نفقتهن عليهم. فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ. أي: فالصالحات من النساء، مطيعات لأزواجهن، قائمات بما عليهن لهم. حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ. أي: حافظات لواجب الغيب. أي: حافظات لغيبة أزواجهن. أي: إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة، من الفروج، والبيوت، والأموال.
ويدخل في ذلك حفظهن لأسرار أزواجهن في غيبتهم. بِما حَفِظَ اللَّهُ. أي:
حفظهن للغيب، بسبب حفظ الله إياهن، وعصمتهن وتوفيقهن لحفظ الغيب، حيث صيرهن كذلك. وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ. أي: واللاتي تخافون عصيانهن، وترفعهن عن طاعة الأزواج. فَعِظُوهُنَّ. هذا أول الدواء. أي: فخوفوهن عقوبة الله تعالى. والعظة، كلام يلين القلوب القاسية، ويرغب الطبائع النافرة.
وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ. هذا ثاني الدواء، وهو الهجر في المضجع، أي المرقد. أي: لا تدخلوهن تحت اللحف، وهو كناية عن الجماع، أو هو أن يوليها ظهره في المضجع، إذ لم يأمر الله تعالى بهجرانهن عن المضاجع، بل قال: في المضاجع.
فالهجر إذن يبقى داخل البيت، وفي الفراش. وَاضْرِبُوهُنَّ. هذا ثالث الدواء.
أمر بالضرب، وقيدت السنة هذا الضرب بأن يكون غير مبرح، أي غير مؤثر. أي:
ضربا رفيقا، لا يكسر فيها عضوا ولا يترك أثرا. أمر بوعظهن، ثم بهجرانهن في المضاجع، ثم بالضرب إن لم ينجح فيهن الوعظ والهجران. فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا. أي: فإن أعطين الطاعة، فلا تطلبوا لهن سبيلا لتتعرضوا لهن بالأذى. أي: فإن أطعنكم فأزيلوا عنهن التعرض بالأذى إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً: تذكير الله إيانا بصفتي العلو والعظمة في هذا المقام يفيد: أيها المؤمنون إن علت أيديكم عليهن فاعلموا أن قدرة الله عليكم أعظم من قدرتكم عليهن، فاجتنبوا ظلمهن.
أو: أيها المؤمنون إنكم تعصون الله على علو شأنه، وكبرياء سلطانه، ثم تتوبون، فيتوب عليكم. فعليكم بالعفو عمن يجني عليكم إذا رجع.
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما. الخطاب لولاة المسلمين، وقضاتهم. والشقاق: العداوة والخلاف، والضمير للزوجين، ولم يجر ذكرهما لجري ذكر ما يدل عليهما، وهو الرجال والنساء.
فصار المعنى: وإن خفتم أيها الولاة، والقضاة شقاقا بين زوجين فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها. أي: فابعثوا من أهله رجلا يصلح للحكومة والإصلاح بينهما، وابعثوا من أهلها رجلا كذلك. وإنما كان بعث الحكمين من أهلهما، لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال وأطلب للصلاح، ونفوس الزوجين أسكن إليهم، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض وإرادة الصحبة والفرقة. وما هي حدود صلاحية الحكمين؟ هل التوفيق فقط، أو التوفيق والتفريق. وإذا كان لهما التفريق، فما حدوده؟ قال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: وأجمع العلماء على أن الحكمين، إذا اختلف قولهما، فلا عبرة بقول الآخر. وأجمعوا على أن قولهما نافذ في الجمع، وإن لم