الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يكون فعلها مطابقا لاسمها، وأن يصدق فيها ظنها بها وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ الرجيم: الملعون. أي وإنني أجيرها بك وأولادها من الشيطان الملعون.
فوائد:
1 -
من هذا السياق نعلم لماذا استحق آل عمران الاصطفاء من الله: حرصهم على الخير، وعلى العبادة، وعلى الخدمة لله فيهم، وفي ذريتهم، وخوفهم من الله والتجائهم إليه أن لا يسيروا في طريق الشيطان، وغير ذلك مما تراه خلال السياق.
2 -
في قوله تعالى على لسان أم مريم وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى قاعدة عظيمة:
فالأنثى ليست كالذكر في تركيبها الجسمي، ولا في تركيبها النفسي، ومن ثم فلا بد أن تكون وظيفتها الحياتية تختلف عن وظيفة الذكر، ولا بد أن يترتب على ذلك اختلاف في المسئوليات، واختلاف في الحقوق والواجبات، ومن أراد المساواة المطلقة بين الرجال والنساء، فليسو بينهما في التركيب الجسمي والنفسى أولا ثم فليطالب.
3 -
لقد أعاذت أم مريم بنتها وذريتها من الشيطان الرجيم، وقد استجاب الله لها ذلك وقد قال عليه السلام في الحديث الصحيح:«ما من مولود إلا مسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مسه إياه، إلا مريم وابنها» .
4 -
عند قوله تعالى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ قال ابن كثير: فيه دليل على جواز التسمية بعد الولادة كما هو الظاهر من السياق، لأنه شرع من قبلنا. وقد حكي مقررا وبذلك ثبتت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:«ولد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم» أخرجاه. وكذلك فيها أن أنس بن مالك ذهب بأخيه حين ولدته أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنكه، وسماه عبد الله. وفي صحيح البخاري «أن رجلا قال:
يا رسول الله، ولد لي الليلة ولد فما أسميه؟ قال: سم ابنك عبد الرحمن». وثبت في الصحيح أيضا أنه لما جاءه أبو أسيد بابنه ليحنكه، فذهل عنه، فأمر به أبوه، فرد إلى منزلهم، فلما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس سماه المنذر.
فأما حديث قتادة عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«كل غلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم السابع ويسمى، ويحلق رأسه» . فقد رواه أحمد، وأهل السنن، وصححه الترمذي، وروي (ويدمى) وهو أثبت وأحفظ،
والله أعلم» أقول: لكن نص الإمام مالك في موطئه على أنه لا يسن أن يدمى الطفل من دم العقيقة وعلى هذا فالسنة في يوم التسمية أوسع من أن تقيد باليوم الأول
فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ أي: فتقبل الله مريم من أمها، ورضي بها في النذر مكان الذكر، وهذا هو القبول الحسن: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً. أي: جعلها شكلا مليحا، ومنظرا بهيجا، ويسر لها أسباب القبول، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم العلم والخير والدين. وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا أي: جعله كافلا لها، وضامنا لمصالحها. وإنما قدر الله كون زكريا كافلا لها لتقتبس منه علما جما نافعا، وعملا صالحا. وإنما كان زوج أختها كما ورد في الصحيح «فإذا بيحيى وعيسى وهما ابنا الخالة» ، وقيل زوج خالتها. كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً. المحراب هو أشرف المجالس لكونه مخصصا للعبادة، فيه يحارب الشيطان. أي كلما دخل عليها زكريا مكان عبادتها، وكان لا يدخل عليها إلا هو وحده وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً طعاما. كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف. قال ابن كثير: وفيه دلالة على كرامات الأولياء وفي السنة لهذا نظائر قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا أي: من أين لك هذا الرزق الذي لا يشبه أرزاق الدنيا وهو آت في غير حينه قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وفى ذلك دليل على أنه خارق للعادة، فهو من باب الكرامات إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ أي لا يحصيه العباد لكثرته، أو تفضلا منه بغير محاسبة ومجازاة على عمل، ويحتمل أن يكون هذا جزءا من كلامها، أو هو كلام مستأنف.
فلما رأى زكريا حال مريم، وكرامتها على الله، ورأى فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، طمع في الولد الصالح، وإن كان في غير أوانه لكبر سنه، ولكون زوجه عاقرا، ولذلك دعا الله تعالى هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ أي: في ذلك المكان حيث هو قاعد عند مريم في المحراب، أو في ذلك الوقت دعا ربه قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً أي: ولدا صالحا، والذرية تطلق على المفرد والجمع إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ أي مجيبه.
فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ. أي: خاطبته الملائكة شفاها خطابا أسمعته وهو قائم يصلي في محراب عبادته، ومحل خلوته، ومجلس مناجاته أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى وفيه دليل على أن المرادات تطلب بالصلوات- وفيها إجابة الدعوات- وقضاء الحاجات، قال ابن عطاء: ما فتح الله على عبد حالة سنية إلا باتباع الأوامر، وإخلاص الطاعات، ولزوم المحاريب مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ كلمة الله تحتمل هنا عيسى، لأن تكونه كان بكلمة:«كن» بلا أب. وتحتمل
كتاب الله. فالنص هنا يفيد إما أن يحيى يكون مؤمنا بعيسى، أو أنه مؤمن بكتاب ربه وكلماته. وَسَيِّداً السيادة: هي التفوق في الشرف، وسببها في الإسلام الحلم والعبادة، والعلم والتقوى، والخلق والدين. وقد اجتمع ليحيى هذا كله.
وَحَصُوراً الحصور: هو الذي لا يقرب النساء، إما بحصره نفسه، أي بمنعه لها من الشهوات، أو بخلق الله إياه بلا شهوة. قال القاضي عياض في كتابه الشفاء: اعلم أن ثناء الله تعالى على يحيى أنه كان حصورا ليس كما قاله بعضهم: أنه كان هيوبا، أو لا ذكر له، بل قد أنكر هذا حذاق المفسرين، ونقاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصة وعيب، ولا يليق بالأنبياء عليهم السلام، وإنما معناه أنه معصوم من الذنوب، أي لا يأتيها، كأنه حصور عنها، وقيل مانعا نفسه من الشهوات. وقيل ليست له شهوة في النساء. وقد بان لك من هذا أن عدم القدرة على النكاح نقص، وإنما الفضل في كونها موجودة ثم يمنعها، إما بمجاهدة كعيسى، وإما بكفاية من الله- عز وجل كيحيى.
ثم هي في حق من قدر عليها، وقام بالواجب فيها، ولم تشغله عن ربه، درجة عليا وهي درجة نبينا صلى الله عليه وسلم الذي لم يشغله كثرتهن عن عبادة ربه، بل زاده ذلك عبادة بتحصينهن، وقيامه عليهن، وإكسابه لهن، وهدايته إياهن
…
وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ هذه بشارة بالنبوة، بعد البشارة بالولادة، وهي أعلى من الأولى، والمعنى: ونبيا ناشئا من الصالحين، لأنه من أصلاب الأنبياء، أو كائنا من جملة الصالحين.
فلما تحقق زكريا عليه السلام هذه البشارة أخذ يتعجب من وجود الولد منه بعد الكبر، وهو تعجب من حيث العادة، واستعظام للقدرة. قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ أي: أدركتني السن العالية وأضعفتني وَامْرَأَتِي عاقِرٌ لم تلد. قالَ أي الملك كَذلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ من الأفعال العجيبة. أي هكذا أمر الله، عظيم لا يعجزه شئ، ولا يتعاظمه أمر.
قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً أي علامة أعرف بها الحبل؛ لأتلقى النعمة بالشكر إذا جاءت. قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً أي: علامة ذلك ألا تقدر على تكليم الناس إلا إشارة بيد، أو رأس، أو عين، أو حاجب، مع أنك سوي صحيح. وإنما خص تكليم الناس ليعلم أنه يحبس لسانه عن القدرة على تكليمهم خاصة. مع إبقاء قدرته على التكلم بذكر الله، ولهذا قال وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ. العشي في اللغة: من حين الزوال إلى الغروب، والمراد بها هنا أوسع من ذلك والله أعلم، والإبكار: من طلوع الفجر إلى وقت الضحى. أمره بالذكر والتسبيح في أيام عجزه عن تكليم الناس، ليخلص المدة