الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجل مواد خام، أو من أجل استغلال ما، أو من أجل ربح مباشر أو غير مباشر، أما المسلمون فلا يقاتلون إلا من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا، وفي سبيل الله، وما يعطيهم الله- عز وجل بسبب ذلك من الدنيا فهو منة منه وفضل، ولكنه ليس غاية ولا هدفا. وهذا الذي لا يصل إلى إدراك كنهه ولا إلى فهمه من لا يعرف آفاق الربانية في النفس البشرية.
3 -
إن قضية التبين ينبغي أن تأخذ مداها في أي لحظة أو تخطيط أو تنفيذ. فإذا كان لا بد من قتال، فلنتذكر دائما أنه لا بد من تبين.
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ. أي: عن الجهاد مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ. الضرر: المرض أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ نفى التساوي بين المجاهد والقاعد بغير عذر وإن كان معلوما؛ توبيخا للقاعد عن الجهاد، وتحريكا له عليه، ثم لبيان عدم الاستواء بين المجاهدين والقاعدين لعذر قال: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً. أي فضلهم تفضلة وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى. أي:
وكل فريق من القاعدين لعذر والمجاهدين وعده الله المثوبة الحسنى وهي الجنة، وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين لعذر درجة، وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ (بغير عذر) أَجْراً عَظِيماً
دَرَجاتٍ مِنْهُ هذا وما بعده بيان للأجر العظيم وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً إذ يقبل العذر رَحِيماً إذ يوفر الأجر. قال النسفي: وحاصله أن الله تعالى فضل المجاهدين على القاعدين بعذر درجة، وعلى القاعدين بغير عذر- في حالة كون الجهاد فرض كفاية وفي حالة إذن الإمام لهم في المقام- درجات، لأن الجهاد في حال السعة فرض كفاية.
فوائد:
1 -
هذه الآية محمولة على كون الجهاد فرض كفاية، وقد قام من يكفي من المسلمين به، فعندئذ لا يأثم القاعدون، ويؤجر المجاهدون هذا الأجر العظيم، أما إذا كان الجهاد فرض عين، أو لم يقم من المسلمين ما يكفي عند ما يكون الجهاد فرض كفاية، فإن القاعدين يأثمون إثما عظيما؛ يستحقون به دخول النار. أما متى يكون الجهاد فرض عين، ومتى يكون فرض كفاية؟ فهذا له تفصيلاته الكثيرة وباختصار نذكر بعض
الصور: يكون الجهاد فرض عين إذا أعلن الإمام النفير العام، أو إذا هوجمت بلد أو منطقة فقد افترض القتال على المستطيع رجلا أو امرأة، وإذا هوجمت منطقة، فكفى أهلها للدفاع عنها، فالجهاد فرض عين عليهم فقط، وإلا فتنتقل فرضية العين إلى من حولهم، ثم إلى من حولهم. وهكذا حتى يعم الفرض الأمة الإسلامية كلها. ومن حالات النفير التي يجب على المسلمين فيها الجهاد، حالة ما إذا استنفرهم الإمام الحق، لقتال الخارجين عليه بغير الحق، ومن الحالات التي يفترض على المسلمين فيها القتال فرضا عينيا، حالة ما إذا سيطر المرتدون أو الكافرون على قطر من أقطارهم؛ فقد افترض على أهل هذا القطر فرضا عينيا، أن يقاتلوا وعلى المسلمين أن يمدوهم.
ويفترض على المسلمين القتال فرض كفاية، في حالة ما إذا كانوا آمنين، فعليهم أن يقاتلوا أي جهة من جهات دار الحرب، وهذا الذي هو فرض كفاية إذا قام به بعضهم سقط عن البعض الآخر، ولا يسقط هذا إلا في حالات الضعف الذي هو مظنة استئصال المسلمين لو هاجموا بشرط نية الإعداد، وتلافي حالة الضعف والوضع الدولي في عصرنا في غاية التعقيد فلا بد أن يلاحظ ذلك.
2 -
وفي صحيح البخاري عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بالمدينة أقواما ما سرتم من مسير، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه، قالوا: وهم بالمدينة يا رسول الله؟ قال: نعم. حبسهم العذر» فهذا مثال على لحوق أصحاب الأعذار للمجاهدين في الأجر، ولكن تبقى درجة لمن مارس الجهاد عمليا.
3 -
وفي تفسير الدرجة والدرجات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ثبت في الصحيحين:
«إن في الجنة مائة درجة، أعدها الله للمجاهدين في سبيله، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض» وروى عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من رمى بسهم فله أجره درجة، فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك، ما بين الدرجتين مائة عام» .
4 -
وفي سبب النزول وما أحاط به يروي البخاري عن ابن عباس أن الآية نزلت بمناسبة غزوة بدر. قال ابن عباس لا يستوي القاعدون من المؤمنين عن بدر، والخارجون إلى بدر، وقد روى البخاري وغيره تساؤل عبد الله بن أم مكتوم- وهو أعمى- عن حال أمثاله ممن لا يستطيعون الجهاد فأنزل الله غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وهذه رواية الإمام أحمد في هذا الموضوع قال زيد بن ثابت: إني قاعد إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم إذ أوحي إليه، وغشيته السكينة، قال: فوقع فخذه على فخذي حين غشيته السكينة،
قال زيد: فلا والله ما وجدت شيئا قط أثقل من فخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم سري عنه فقال: اكتب يا زيد، فأخذت كتفا، فقال: اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
…
وَالْمُجاهِدُونَ. .. إلى قوله أَجْراً عَظِيماً فكتبت ذاك في كتف، فقام حين سمعها ابن أم مكتوم وكان رجلا أعمى- فقام حين سمع فضيلة المجاهدين وقال:
يا رسول الله! كيف بمن لا يستطيع الجهاد، ومن هو أعمى وأشباه ذلك؟ قال زيد:
فو الله ما مضى كلامه- أو ما هو إلا أن قضى كلامه حتى غشيت النبي صلى الله عليه وسلم السكينة، فوقعت فخذه على فخذي، فوجدت من ثقلها كما وجدت في المرة الأولى، ثم سري عنه فقال: اقرأ فقرأت عليه لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ .... فقال النبي صلى الله عليه وسلم غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ قال زيد: فألحقتها، فو الله كأني انظر إلى ملحقها عند صدع كان في الكتف».
5 -
والملاحظ أن هذه الآية جاءت بعد الأمر بالتبين، فكأنه بعد الأمر بالتبين قد يتباطأ ناس عن الجهاد خوفا من عدم التبين، فجاءت هذه الآية لترفع الهمم إلى الجهاد.
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ توفاهم. أي: تتوفاهم، والتوفي:
قبض الروح. والمراد بالملائكة: ملك الموت وأعوانه. وظلمهم أنفسهم بمخالطة الكافرين، وتركهم الهجرة المفروضة، قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ. أي: قال الملائكة للمتوفين: في أي شئ كنتم في أمر دينكم، ومعناه التوبيخ لأنهم لم يكونوا في شئ من الدين لتركهم الهجرة، ومخالتطهم للكافرين، وما يقتضيه ذلك من طاعة ورضوخ ومجاملة
وترك عمل. قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ. أي: كنا عاجزين عن الهجرة، ومجبرين على المكث في الأرض التي نحن فيها. قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها. أي: قال الملائكة هؤلاء موبخين لهم: إنكم كنتم قادرين على الهجرة أي: على الخروج إلى بلد ما لا تمنعون فيها من إظهار دينكم. فالإنسان لا يعدم حيلة إن صمم على شئ فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. أي: مقرهم فيها وساءت ما يصيرون إليه قال النسفي: والآية تدل على أن من لم يتمكن من إقامة دينه في بلد كما يجب، وعلم أنه يتمكن من إقامته في غيره حقت المهاجرة. أهـ.
وقد ذكر ابن كثير الإجماع على ذلك. أما إذا تمكن من إقامة دينه، فهل تجب عليه الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام، ومن دار الظلم إلى دار العدل؟ ومن دار البدعة إلى دار السنة؟ قولان للعلماء. قال الحنفية: يجب، وقال الشافعية: يندب له البقاء.