الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتعقيبا على هذا كله يوجه الله رسوله ويعلمه أن الأمر كله لله، الملك ملكه، والأمر أمره، والتدبير تدبيره، وليس لأحد معه ملك أو أمر أو تدبير. يعذب من شاء، وينصر من شاء، ويغفر لمن شاء، ويوفق من يشاء، ويخذل من يشاء ورحمته وسعت كل شئ.
المعنى الحرفي:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ بطانة الرجل هم خاصته وأصفياؤه الذين يطلعهم على أدخل أمره. وقوله مِنْ دُونِكُمْ دخل فيه عامة أهل الأديان، وأهل الإلحاد، وأهل النفاق. وكل من دخل في قول من أقوال رسول الله عليه السلام «ليس منا». فصار المعنى: لا تتخذوا خواص لكم، وأصفياء، تطلعونهم على أسراركم، ومخططاتكم من دون أبناء دينكم، وهم المسلمون الصادقون. ودخل في هذا النهي أن نجعل أمثال هؤلاء مستشارين لنا، وأمناء سر.
ومخالطين لنا، وأصحاب عشرة. ثم وصف من دوننا بالنسبة لنا لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا الخبال: الفساد، أي: لا يقصرون في فساد دينكم، ولا يقصرون في إفساد أمركم. فهم يسعون في مخالفتنا، وما يضرنا بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة. وَدُّوا ما عَنِتُّمْ أي ودوا عنتكم والعنت: شدة الضرر، والمشقة، والحرج، أي: يودون ويرغبون بما يشق عليكم، ويحرجكم. فهؤلاء لا يتمنون إلا أن يضروكم في دينكم ودنياكم، أشد الضرر وأبلغه، ومن كانت هذه خبيئة نفسه فكيف تتخذه خاصة لك، وبطانة، وملازما، ومستشارا، ومستنصحا! قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ أي: إنهم مع ضبطهم أنفسهم ينفلت من ألسنتهم ما يعلم به بغضهم للمسلمين، فإن بعض كلامهم يدل على بغضائهم. وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ من البغض لكم أَكْبَرُ مما بدا. لقد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله، ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا ذيلت الآية بقوله تعالى:
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ أي: قد وضحنا لكم الآيات الدالة على وجوب الإخلاص في الدين، وموالاة أولياء الله، ومعاداة أعدائه، وعدم اتخاذهم بطانة؛ من أجل أن تعقلوا هذه الآيات فتفهموا، وتعملوا.
ها أَنْتُمْ أُولاءِ المتصفون بما يأتي مما يدل على خطئكم في واقع الأمر تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ أي:
تحبون أصنافا من دونكم، ولا يحبونكم هم. هذا بيان للخطإ حيث نبذل محبتنا لأهل البغضاء فنجعلهم بطانة وهم أعداء. وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ أي: بكل كتاب أنزله الله وبكل وحي، ليس عندكم في شئ منه شك ولا ريب. أما هم فمنافقون.
وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ الأنامل أطراف الأصابع، ويوصف المغتاظ والنادم بعض الأنامل، والبنان والإبهام، وعض الأنامل من الغيظ تعبير عن أشد الغيظ وأفظعه، فصار المعنى: وإذا لقوكم أظهروا لكم من الإيمان ما يطمئنكم إليهم، ويحببهم إليكم، وإذا فارقوكم، أو خلا بعضهم إلى بعض أظهروا أشد الغيظ والحنق عليكم. فإذا كان الأمر كذلك، تؤمنون بكتابهم، ويكفرون بكتابكم، ويضمرون لكم من الحقد والغيظ أفظعه، فأنتم أحق بالبغضاء لهم، فما بالكم تحبونهم؟ ففي الآية توبيخ شديد لنا على محبتنا لمن دوننا من أهل الكتاب، فضلا عن غيرهم. فكأننا في هذا الموقف أضعف منهم في حقنا، وهم أصلب منا في باطلهم. ثم علمنا الله الموقف الصحيح منهم فقال: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ أي: مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين، وبغيظكم ذلك منهم، فاعلموا أن الله متم نعمه على عباده المؤمنين، ومكمل دينه، ومعل كلمته، ومظهر عباده، فازدادوا غيظا إلى غيظكم حتى تهلكوا به. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنه سرائركم من البغضاء والحسد، والغل للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تأملون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها. وهل قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ هو من تتمة ما أمر الله رسوله والمؤمنين أن يقولوه لهم؟ أو هو تذييل للآية كلها؟ فإذا كان الأول فيكون معناه: وقل لهم إن الله عليم بما هو أخفى مما تسرونه بينكم، وهو مضمرات الصدور. فلا تظنوا أن شيئا من أسراركم يخفى عليه. وإذا كان الثاني، يكون معناه: لا تتعجب مما أمرتك به، واعمل به، وكن واثقا مما أعلمتك به من حالهم، ومواقفهم منكم، فإني عليم بذات الصدور.
ثم بين الله- عز وجل حالهم منا، بما يزيدنا بصيرة في أمرهم، وبما يقوي عزائمنا في أمرهم فلا نتخذهم بطانة بل أعداء، فقال: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ هذه حالهم الدالة على شدة عداوتهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المسلمين خصب، ونصر، وتأييد، وكثرة، وعزة، ساء غيرهم ذلك. فالمعنى إذن: إن تصبكم غنيمة، ونصرة، ورخاء، وخصب، يحزنهم ذلك، وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها أي: وإن