الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرم الزواج من هؤلاء لانتفاء الحكمة فيه، ولم يبح من القريبات إلا من بعدت صلته، حتى ليكاد أن يفلت من رباط القرابة. وأيا ما كانت العلة، فنحن نسلم بأن اختيار الله لا بد وراءه حكمة، ولا بد فيه مصلحة. وسواء علمنا أو جهلنا، فإن هذا لا يؤثر في الأمر شيئا، ولا ينقص من وجوب الطاعة والتنفيذ، مع الرضى والقبول. فالإيمان لا يتحقق في القلب، ما لم يحتكم إلى شريعة الله ثم لا يجد في صدره حرجا منها ويسلم بها تسليما» اهـ.
وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ. ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً* يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً.
المعنى العام:
بعد أن بين الله- عز وجل ما أحل وما حرم من النساء، بين أنه في حالة عجز الإنسان عن نكاح الحرائر العفائف المؤمنات. فإن الله قد أباح له أن يتزوج من الإماء اللاتي يملكهن المؤمنون. والله- عز وجل وحده هو الذي يعلم حقائق الأمور وسرائرها، ومن ذلك حقيقة الإيمان، غير أن لنا الظاهر، فمن كانت مؤمنة في الظاهر حل لنا نكاحها، ولكن نكاح الأمة ينبغي أن يتم بإذن سيدها ومالكها. ثم أمر تعالى بدفع مهورهن إلى أسيادهن، وألا يبخس منه شئ استهانة بهن. ثم بين أن الأمة التي تنكح ينبغي أن تكون عفيفة عن الزنى، لا معلنة به ولا مسرة به، لا زانية لكل الناس، ولا لأصحاب، أو صاحب معين. ثم بين أنه في حالة زناها بعد زواجها، فعليها نصف ما على المحصنات من الحد وهو: خمسون جلدة ولا ترجم. ولا يعني هذا أنه لا عذاب عليها إذا لم تكن متزوجة، بل عليها كما سنرى. والمهم أن نعرف أن حد الرجم لا يطبق عليها.
وهذه الإباحة للزواج من الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا،
وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا، فهو خير له، لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء. ومن هذه الآية الكريمة، استدل جمهور العلماء: على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر، ولا بد من خوف العنت حتى يجوز نكاح الإماء؛ لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما في ذلك من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن. ولأبي حنيفة رأي في هذا الموضوع خلاصته: أن من لم يكن متزوجا بحرة، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية. سواء كان واجدا لطول حرة، أم لا، وسواء خاف العنت، أم لا. وسنرى ذلك إن شاء الله.
ثم بين الله- عز وجل في الآيات الأخيرة، أن له إرادة، وللكفار والفساق إرادة. فإرادته تعالى أن يبين لنا الحلال والحرام، وأن يدلنا على الطرائق الحميدة لمن قبلنا من الأنبياء والمرسلين والصالحين والشهداء، وأن يطهرنا من ذنوبنا بتوبته علينا. وهو العليم الحكيم، يظهر علمه وحكمته في شرعه وقدره وأقواله وأفعاله. وأما إرادة الكفار، والفساق، ممن يتبعون الشهوات، فهي أن ننحرف انحرافا كبيرا عن الصراط المستقيم. وما نراه في عصرنا من تواطؤ الكافرين والفساق على إضلال أهل الإيمان تجسيد عملي لما ذكرته الآية. ثم بين الله- عز وجل أن إرادته بنا ليست لإرهاقنا وعنتنا. بل أراد بنا فيما بين وشرع وهدى، التخفيف علينا في شرائعه، وأوامره، ونواهيه. وذلك لأن الله الذي خلق الإنسان، وعلم ضعفه، وتهالكه أمام الشهوات، أنزل له شريعة تناسب هذا الضعف في نفسه وعزمه وهمته، فكانت شريعة يسر، وشريعة تخفيف. وقد جاءت الآيات الثلاث الأخيرة، عقب التخفيف علينا، بإباحة تزوج الإماء. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أن المجتمع الإسلامي النظيف، يحتاج إلى وجود إماء، كعامل مساعد على نظافته من الزنا والفاحشة. نقول هذا غير آبهين لأي صوت كافر، يريد أن يأخذ على الإسلام إباحته الرق. في الوقت الذي يمتهنون فيه الإنسان كما لم يمتهن الحمار في يوم من الأيام.