الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إبراهيم فيه آيات بينات» والله أعلم.
وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ أي: وقد استقر لله على الناس فرض الحج إلى بيته مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا أي: على المستطيع لهذا الحج، أو على المستطيع الوصول إلى هذا البيت، وذلك يكون بقدرة على الزاد والراحلة فاضلتين عن حاجة أهله، ومن تجب عليه نفقته. فصار المعنى إن الله فرض الحج على من ملك الزاد والراحلة الموصلتين إلى هذا البيت. وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ: يحتمل شيئين، الأول:
ومن جحد فرضية الحج فإن الله غني عنه، وعن غيره. والثاني: ومن لم يشكر ما أنعمت عليه من صحة الجسم، وسعة الرزق، ولم يحج، فإن الله غني عنه وعن العالمين جميعا.
فوائد:
1 -
أخرج ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ
…
قال: كانت البيوت قبله، ولكنه أول بيت وضع لعبادة الله. أقول وقد ذكر ابن كثير ضعف الحديث الذي فيه: أن أول من بنى البيت آدم وحواء.
2 -
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: «قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، قلت: ثم أي؟ قال: ثم حيث أدركتك الصلاة فصل فكلها مسجد» وأخرجه البخاري ومسلم. دل هذا الحديث على أن المسجد الأقصى كان قبل سليمان بكثير فسليمان جدد بناءه.
3 -
أشهر الأقوال أن بكة: هي مكة، وسميت كذلك لأنها تبك أعناق الظلمة والجبابرة، بمعنى أنهم يذلون بها ويخضعون عندها، أو لأن الناس يتباكون فيها أي:
يزدحمون. قال قتادة: إن الله بك به الناس جميعا، فيصلي النساء أمام الرجال ولا يفعل ذلك ببلد غيرها. وذهب بعضهم إلى أن البيت والمسجد وما كان في هذه الدائرة فهو بكة، وما وراء ذلك مكة. وقد ذكروا لمكة أسماء كثيرة منها مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، وأم رحم، وأم القرى، وصلاح، والعرش، والقادس، والمقدسة، والناسة، والباسة، والحاطمة، والرأس، وكوثاء، والبلدة، والبنية، والكعبة.
4 -
مر معنا في تفسير سورة البقرة، أن الحجر الذي فيه موطئ قدم إبراهيم كان
ملتصقا بجدار البيت، حتى أخره عمر رضي الله تعالى عنه في إمارته إلى ناحية المشرق لمصلحة الطواف، ومن أجل ألا يشوش الطائفون على المصلين عنده بعد الطواف. لأن الله تعالى أمرنا بالصلاة عنده.
5 -
من مظاهر الأمن في البيت في الجاهلية ما قاله الحسن البصري وغيره: «كان الرجل يقتل، فيضع في عنقه صوفة فيدخل الحرم فيلقاه ابن المقتول فلا يهيجه حتى يخرج» ومن مظاهر الأمن في الإسلام حرمة اصطياد صيدها، وتنفيره عن أوكاره وحرمه قطع شجرها، وقلع حشيشها، إلا الإذخر للضرورة إليه. ومن مظاهر ذلك في الإسلام ما قاله النسفي وهو من الحنفية: ومن لزمه القتل في الحل (أي غير الحرم) بقود، أو ردة، أو زنى، فالتجأ إلى الحرم لم يتعرض له، إلا أنه لا يؤوى ولا يطعم، ولا يسقى، ولا يبايع حتى يضطر إلى الخروج. قال عمر: لو ظفرت به بقاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه. وقال ابن عباس: «من عاذ بالبيت أعاذه البيت، ولكن لا يؤوى ولا يطعم. فإذا خرج أخذ بذنبه» وهذا كله فيمن ارتكب جريمة خارج الحرم ثم أوى إليه، وأما من ارتكب جريمة داخل الحرم فالإجماع منعقد على أنه يؤخذ بها، ومن مظاهر أمن البيت في الإسلام ما رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يحل لأحد أن يحمل السلاح بمكة» وقد مر معنا شئ من هذا في سورة البقرة.
6 -
روى الترمذي بسند حسن صحيح والإمام أحمد والنسائي عن عبد الله بن عدي ابن الحمراء الزهري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بالحزورة بسوق مكة يقول: «إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت» .
7 -
قال ابن كثير وقوله: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا هذه آية وجوب الحج عند الجمهور
…
وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام، ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعا ضروريا، وإنما يجب على المكلف في العمر مرة واحدة بالنص والإجماع.
8 -
روى مسلم عن ابن عباس قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج، فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟
فقال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها، ولن تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع».
9 -
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من الحاج يا رسول الله؟ قال: الشعث التفل، فقام فقال: أي الحج أفضل يا رسول الله؟ قال: العج (1) والثج، فقام آخر فقال: ما السبيل يا رسول الله؟ قال:
الزاد والراحلة» وورد تفسير السبيل بأنه الزاد والراحلة في أكثر من حديث، وأكثر من طريق.
10 -
روى سعيد بن منصور عن عكرمة قال: لما نزلت وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ قالت اليهود: فنحن مسلمون، قال الله- عز وجل فأخصمهم فحجهم يعني فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله فرض على المسلمين حج البيت من استطاع إليه سبيلا» فقالوا: لم يكتب علينا، وأبوا أن يحجوا. قال تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ اهـ. وبمثل هذا يرد على من ادعى الإسلام، وفاته الإذعان، أو رافق ادعاءه كفر وفجور.
11 -
في إسناد صحيح عن عمر قال: «من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا» وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال: «قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: «لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار، فينظر إلى كل من كان عنده جدة فلم يحج، فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين» وكلام عمر يحمل على من جحد، أو تحمل الجزية على العقوبة التعزيرية، ونفي الإسلام من باب المبالغة في الإنكار.
12 -
في قوله تعالى وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ بعد ذكر فريضة الحج تأكيد وتشديد على ترك الحج. فالله غني عن العالمين بمعنى: مستغن عنهم وعن طاعتهم.
ذكر هذا بعد قوله وَمَنْ كَفَرَ مكان: ومن لم يحج تغليظا على تاركي الحج. وقال:
غني عن العالمين، ولم يقل (عنه) لما فيه من الدلالة على الاستغناء عنه، وعمم ليدل على الاستغناء الكامل. وفي ذلك زيادة إبراز لعظيم السخط الذي يستحقه من ترك الحج.
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ المنزلة على رسوله والآيات الظاهرة على يدي رسوله مما يشهد بصدقه. وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ أي: والحال أن الله شهيد على أعمالكم فيجازيكم عليها أفلا تستحيون، أفلا تخافون، أفلا تحذرون؟!
قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ. الصد: المنع، وسبيل الله:
دينه الحق، وطريقه التي أمر بسلوكها: وهو الإسلام، أي لم تمنعون الناس عن
(1) العج الإكثار من التلبية والثج الإكثار من إراقة الدم أي الذبح.