الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة يرضاها الجميع.
لقد رأيت ناسا مذهبيين يستحلون دم ابن تيمية، ورأيت ناسا من أهل الحديث يستحلون دم النووي، وسيبقى أمثال هؤلاء موجودين في الأمة وسواء وجدوا أو لم يوجدوا فإنني لا أرى للحكم الإسلامي أن يتورط في دم النووي، أو في دم ابن تيمية، ولا أرى له أن يتورط في عقوبة هذا أو هذا، وليبق باب التحقيق العلمي مفتوحا، وليبق النووي يناقش ابن تيمية والعكس. وضمير الأمة الإسلامية لن يعجزه التمييز مع وجود العلم الشامل الذي يجب أن يكون جزءا من سياسة الدولة.
وأكرر أن ما قلته، اقتراح له صلة بقضايا الحكم والسياسة الإسلاميين، وليس له صلة برأي شخصي حول فهم موضوع المحكم والمتشابه.
فصل في الرسوخ في العلم:
مما مر معنا في سورة آل عمران، عرفنا بعض خصائص الراسخين في العلم من كونهم يعملون بالمحكم، ويحملون عليه المتشابه، أو يسلمون لله تعالى فيه، ولا يعارضون النصوص ببعضها، ومن أنهم أهل لب، ومن أنهم خاشعون لله كثيرو الدعاء له. وسيأتي في آخر سورة آل عمران تعريف لأولي الألباب، الذين اجتمع لهم الذكر والتفكر، والدعاء والعمل، والهجرة حال وجوبها وتحمل ترك البلاد في سبيل الله، وتحمل الإيذاء في سبيل الله، والمشاركة في القتال إذا كان واجبا، والاستعداد للاستشهاد. كل ذلك علامات نتعرف بها على الراسخين في العلم، الذين لكلامهم وزن في موضوع المتشابه والمحكم، ولكن هذه كلها علامات، هي أثر العلم الحقيقي، فإذا اجتمعت مع العلم الحقيقي الكامل الشامل، وجد الراسخ في العلم، وإذا أردنا أن نأخذ تصورا عن العلوم التي يحتاجها الفهم لكتاب الله، فلنقرأ تصور السيوطي للعلوم التي يحتاجها المفسر لنأخذ تصورا مبدئيا عن الرسوخ في العلم، فلننقل كلامه ثم نعلق عليه قال السيوطي في كتابه الإتقان في علوم القرآن:
«ومنهم من قال، يجوز تفسيره لمن كان جامعا للعلوم التي يحتاج إليها المفسر، وهي خمسة عشر علما. أحدها اللغة: لأن بها يعرف شرح مفردات الألفاظ ومدلولاتها بحسب الوضع.
الثاني: النحو: لأن المعنى يختلف باختلاف الإعراب.
الثالث: الصرف: لأن به تعرف الأبنية والصيغ.
الرابع: الاشتقاق: لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين مختلفتين، اختلف باختلافهما، كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح.
الخامس والسادس والسابع: المعاني، والبيان، والبديع: لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادة المعنى، وبالثاني: خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث: وجوه تحسين الكلام.
الثامن: علم القراءات، لأنه يعرف كيفية النطق بالقرآن، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
التاسع: أصول الدين: بما في القرآن من الآيات الدالة بظاهرها على ما يجوز على الله تعالى، فالأصولي يؤول ذلك ويستدل على ما يستحيل، وما يجوز وما يجب.
العاشر: أصول الفقه، إذ به يعرف وجه الاستدلال على الأحكام والاستنباط.
الحادى عشر: أسباب النزول والقصص، إذ بسبب النزول يعرف معنى الآية المنزلة فيه بحسب ما أنزلت فيه.
الثاني عشر: الناسخ والمنسوخ، ليعلم الحكم الملزم من غيره.
الثالث عشر: الفقه.
الرابع عشر: الأحاديث المبينة لتفسير المبهم والمجمل.
الخامس عشر: علم الموهبة، وهو علم يورثه الله تعالى لمن عمل بما علم».
أقول: ما ذكره السيوطي من علوم هي بعض من كل ليصلح إنسان لتفسير كتاب الله فمثلا الثقافة الكونية، والثقافة التاريخية، هما بعض لوازم المفسر المفترض فيه أن يكون راسخا.
إن الرسوخ في العلم صفة لا تعطى لأحد إلا بشروط كثيرة جدا، وخاصة في عصرنا الذي حدث خلاله هذا الانفجار العلمي. ومع أن ما ذكره السيوطي هو بعض من كل إلا أننا من خلاله نستطيع أن نستأنس لمعرفة قيمة كلام الرجال الذين تكلموا خلال العصور في الشرح والتفسير لكتاب الله.