الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3): الآيات 143 الى 148]
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَما مُحَمَّدٌ إِلَاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَاّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (147)
فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)
***
كلمة في هذا القسم:
يتألف هذا القسم من ثلاثة مقاطع، كل مقطع منه مبدوء بصيغة: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* والذي دلنا على بداية القسم ونهايته إنما هي المعاني، فلأول مرة في سياق سورة آل عمران، يأتي نداء مبدوء بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. في بداية هذا القسم وهو نداء في النهي عن طاعة أهل الكتاب. ويستمر القسم حتى يأتي نهي عن طاعة الكافرين عامة، وبذلك يبدأ قسم جديد في السورة هو القسم الأخير.
وهذان القسمان الأخيران يبنيان على الأقسام الثلاثة السابقة. كما أن القسم الأخير مبني على القسم السابق عليه من سورة آل عمران لقد مر معنا في القسم الأول مواقف لأهل الكتاب، وعرفنا فيه بعض طبائعهم، من كون فريق منهم يتولون وهم معرضون إذا دعوا لكتاب الله ليحكم بينهم، وهاهنا يبدأ القسم بقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ.
لقد عرفنا من القسم الأول كيف أن أهل الكتاب يقتلون الأنبياء، ويقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط، وأنهم يكفرون بآيات الله، وعرفنا من القسم الثاني كيف أن بعضهم كفر بالمسيح عليه السلام، أو غلا فيه، وعرفنا في القسم الثالث كيف أن طائفة منهم تود إضلالنا، وكيف أنهم يخططون لذلك، وكيف أنهم يخونون فيما اؤتمنوا عليه.
والآن يأتي هذا القسم محذرا لنا من طاعتهم، مفسرا لنا مواقفهم، مبينا لنا ما ينبغي أن نستعصم به، موجها لنا إلى ما ينبغي أن نسير فيه.
رأينا في القسم الأول أن الله أنزل الكتاب، وأن الناس فى شأن الكتاب قسمان:
قسم يؤمن بالكتاب كله، فيعمل بالمحكم، ويؤمن بالمتشابه وقسم: يتبع المتشابه معطلا المحكم. ورأينا تفصيلا في صفات المتقين. ونلاحظ هنا مجئ قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وفيه وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.
وفيه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ
ورأينا في القسم الأول قوله وتعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.
ونجد في هذا القسم قوله وتعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبالًا.
ورأينا في القسم الأول قوله تعالى:
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.
وفي هذا القسم نجد: وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
…
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ .....
وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ .... فالقسم الرابع إذن يبين ما سبقه من معان، ويفصل فيها، ويزيد في
بناء المعاني ما يحتاجه البناء ............
قلنا إن سورة آل عمران تفصل في مقدمة سورة البقرة، ومقدمة سورة البقرة تحدثنا عن المتقين، والكافرين، والمنافقين. وهذا القسم تفصيل في ذلك كله:
فهذا القسم ينهانا أن نسير في طريق الكفر، ويأمرنا أن نتحقق بكمال التقوى، وأن نعتصم بالقرآن، وألا نفعل ما يخل بهذا الاعتصام، أو يضعفه، بل علينا أن نفعل ما يقويه، ويدلنا على الطريق. ويفصل في العلاقات بين أهل الإيمان وأهل الكفر تفصيلا بعيدا، وكل ذلك له صلة بمقدمة سورة البقرة. وقد ختم الكلام عن المتقين في مقدمة سورة البقرة بقوله تعالى:
أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وفي هذا القسم تبيان لجوانب في الهداية والفلاح: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وقلنا إن لمقدمة سورة البقرة امتدادات في سورة البقرة، وأن سورة آل عمران تفصل في المقدمة، وفي المعاني الأشد لصوقا بها، ضمن سياقها الخاص. ونلاحظ أن في سورة البقرة ورد قوله تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً وهاهنا يرد قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وفي سورة البقرة ورد قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
…
وهاهنا يرد قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.
وهكذا نجد من خلال هذا القسم كيف أن لسورة آل عمران سياقها الخاص، وكيف أنها تفصل في مقدمة سورة البقرة وفيما هو كالامتداد لمعاني هذه المقدمة على طريقة لم يعرفها بشر وهو عاجز عنها ولا يستطيعها أحد