الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد:
1 -
رأينا أن السمة الأولى للمنافقين هي أن ولاءهم منحرف. وقد ذكرت الآيات السابقة مجموعة من مظاهر هذا الولاء: مجالسة الكافرين، ومشاركتهم فيما هم فيه من الهجوم على الإسلام، والاستهزاء به، ومن ذلك مودتهم الخفية للكافرين. ومن ثم نجد النداء الثاني في المقطع الثاني يتوجه لأهل الإيمان بالحذر من موالاة الكافرين كما سنرى.
2 -
روى ابن مردويه أن ابن عباس كان يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله، وإن الله تجاهه، يغفر له، ويجيبه إذا دعاه، ثم يتلو هذه الآية: وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى. وفي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا
…
» وروى الإمام مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق: يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» رواه مسلم وغيره.
3 -
وروى الإمام مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة (أي المترددة بين الفحلين لا تدري أيهما ينزو عليها) بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة، ولا تدري أيهما تتبع» .
4 -
روى أبو يعلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: «من أحسن الصلاة حيث يراه الناس، وأساءها حيث يخلو، فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل» .
5 -
قال قتادة: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلا للمؤمن وللمنافق والكافر، كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر، فوقع المؤمن فقطع، ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن ناداه الكافر أن هلم إلي، فإني أخشى عليك، وناداه المؤمن أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحظي له ما عنده، فما زال يتردد بينهما، حتى أتى عليه الماء فغرقه، وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك.
نقول:
1 -
رأينا أن المنافقين يوالون الكافرين رغبة في العزة ولقد قال الله تعالى: أَيَبْتَغُونَ
عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وتعليقا على ذلك يقول صاحب الظلال:
«والله- عز وجل يسأل في استنكار: لم يتخذون الكافرين أولياء وهم يزعمون الإيمان؟ لم يضعون أنفسهم هذا الموضع، ويتخذون لأنفسهم هذا الموقف؟ أهم يطلبون العزة والقوة عند الكافرين؟ لقد استأثر الله- عز وجل بالعزة، فلا يجدها إلا من يتولاه ويطلبها عنده ويرتكن إلى حماه. هكذا تكشف اللمسة الأخيرة عن طبيعة المنافقين، وصفتهم الأولى، وهي ولاية الكافرين دون المؤمنين، كما تكشف عن سوء تصورهم لحقيقة القوى، وعن تجرد الكافرين من العزة والقوة التي يطلبها عندهم أولئك المنافقون. وتقرر أن العزة لله وحده، فهي تطلب عنده، وإلا فلا عزة ولا قوة عند الآخرين:
ألا إنه لسند واحد للنفس البشرية تجد عنده العزة، فإن ارتكنت إليه استعلت على من دونه. وألا إنها لعبودية واحدة ترفع النفس البشرية وتحررها
…
العبودية لله
…
فإن لا تطمئن إليها النفس استعبدت لقيم شتى، وأشخاص شتى، واعتبارات شتى، ومخاوف شتى. ولم يعصمها شئ من العبودية لكل أحد، ولكل شئ ولكل اعتبار.
وإنه إما عبودية لله كلها استعلاء وعزة وانطلاق. وإما عبودية لعباد الله كلها استخذاء وذلة وأغلال .. ولمن شاء أن يختار ..
وما يستعز المؤمن بغير الله وهو مؤمن. وما يطلب العزة والنصرة والقوة عند أعداء الله وهو مؤمن بالله. وما أحوج ناسا ممن يدعون الإسلام، ويتسمون بأسماء المسلمين، وهم يستعينون بأعداء الله في الأرض، أن يتدبروا هذا القرآن
…
إن كانت بهم رغبة في أن يكونوا مسلمين .. وإلا فإن الله غني عن العالمين!.
ومما يلحق بطلب العزة عند الكافر وولايتهم من دون المؤمنين: الاعتزاز بالآباء والأجداد الذين ماتوا على الكفر، واعتبار أن بينهم وبين الجيل المسلم نسبا وقرابة! كما يعتز ناس بالفراعنة، والآشوريين، والفينيقيين، والبابليين، وعرب الجاهلية اعتزازا جاهليا، وحمية جاهلية. وروى الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد، حدثنا أبو بكر ابن العباس، عن حميد الكندي عن عبادة بن نسي، عن أبي ريحانة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار، يريد بهم عزا وفخرا، فهو عاشرهم في النار» . ذلك أن آصرة التجمع في الإسلام هي العقيدة، وأن الأمة في الإسلام هي
المؤمنون بالله منذ فجر التاريخ. في كل أرض، وفي كل جيل. وليست الأمة مجموعة الأجيال من القدم، ولا المجتمعين في حيز من الأرض في جيل من الأجيال!.
2 -
قال تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ عند قوله تعالى: إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ يقول الألوسي:
«والمراد من المماثلة في الجزاء المماثلة في الإثم لأنهم قادرون على الإعراض والإنكار، لا عاجزون كما في مكة، أو في الكفر على معنى إن رضيتم بذلك، وهو مبني على أن الرضا بكفر الغير كفر من غير تفصيل، وهي رواية عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه عثر عليها صاحب الذخيرة.
وقال شيخ الإسلام خواهرزاده: الرضا بكفر الغير إنما يكون كفرا إذا كان يستجيز الكفر، أو يستحسنه، أما إذا لم يكن كذلك، ولكن أحب الموت أو القتل على الكفر لمن كان مؤذيا حتى ينتقم الله تعالى منه فهذا لا يكون كفرا، ومن تأمل قوله تعالى في سورة يونس: رَبَّنَا اطْمِسْ الآية يظهر له صحة هذه الدعوى. وهو المنقول عن الماتريدي، وقول بعضهم: إن من جاءه كافر ليسلم فقال: اصبر حتى أتوضأ، أو أخره يكفر لرضاه بكفره في زمان، موافق لما روي عن الإمام لكن يدل على خلافه ما روي من الحديث الصحيح في فتح مكة أن ابن أبي سرح أتى به عثمان رضي الله تعالى عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه فكف صلى الله عليه وسلم يده ونظر إليه ثلاث مرات وهو معروف في السير، وهو يدل بظاهره على أن التوقف مطلقا ليس- كما قالوه- كفرا.
واستدل بعضهم بالآية على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين من أي جنس كانوا، وإليه ذهب ابن مسعود، وإبراهيم، وأبو وائل، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وروى عنه هشام بن عروة أنه ضرب رجلا صائما كان قاعدا مع قوم يشربون الخمر، فقيل له في ذلك: فتلا الآية، وهي أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه والاعتماد على المعنى، ومن هنا قيل: إن مدار الإعراض عن الخائضين فيما يرضي الله تعالى، هو العلم بخوضهم، ولذلك عبر عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالستهم، لا الإعراض بالقلب أو الوجه فقط، وعن الجبائى أن المحذور مجالستهم من غير إظهار كراهة لما يسمعه أو يراه.