الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتجارة. أو يفيد التقليل، أي: طرفا من الرشد حتى لا ينتظر به تمام الرشد. فالمراد بالرشد على هذا الاتجاه- وهو اتجاه الحنفية- مجرد القدرة على التصرف الرشيد في شأن المال، وليس غير ذلك. وقال سعيد بن جبير في تفسير الرشد: صلاحا في دينهم، وحفظا لأموالهم، فوسع دائرة الرشد. فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ. أي: فسلموا
إليهم أموالهم التي تحت أيديكم. والأمر للأوصياء والأولياء. ويفهم من الآية: أن الابتلاء يكون قبل البلوغ، فإذا كان البلوغ، وأونس الرشد فلا يتأخر عن دفع الأموال إليهم. فكأنه قيل: وابتلوا اليتامى إلى وقت الرشد منهم، وهذا يقتضي تدريب اليتيم على الرشد قبل البلوغ. وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا. أي:
ولا تأكلوها مسرفين ومبادرين كبرهم، فتفرطوا في إنفاقها، وتقولوا: ننفق فيما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا. وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ. أي: إن الوصي: إما أن يكون غنيا أو فقيرا، فالغني يستعف عن أكل مال اليتيم، أي يحذر من أكل مال اليتيم. واستعف أبلغ من عف؛ كأنه طالب زيادة العفة. والفقير يأكل قوتا مقدرا محتاطا في أكله. فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ. الشهداء على أنهم تسلموها وقبضوها دفعا للتجاحد، وتفاديا على توجه اليمين عليكم عند التخاصم والتناكر. وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً.
أي: وكفى بالله محاسبا. فعليكم بالتصادق، وإياكم والتكاذب. فعليكم بالإصلاح، وإياكم والإفساد بالاعتداء أو الإسراف.
فوائد:
1 -
في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرن على اثنين، ولا تلين مال يتيم» .
2 -
في سنن أبي دواد عن علي قال: «حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يتم بعد احتلام، ولا صمات يوم إلى الليل» وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: «عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني؛ فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الكبير والصغير» وعن عائشة- رضي الله عنها وغيرها من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رفع القلم عن ثلاثة. عن الصبي حتى يحتلم- أو يستكمل خمس عشرة سنة- وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق» . مما مر يفهم أن
البلوغ يكون: إما بالسن، أو الاحتلام. قال ابن كثير: «واختلفوا في نبات الشعر الخشن حول الفرج، وهي الشعرة، هل يدل على بلوغ أو لا؟ على ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين صبيان المسلمين وبين صبيان أهل الذمة، فلا يكون بلوغا على القول الثالث في حق أبناء المسلمين، ويكون بلوغا في حق أهل الذمة. قال ابن كثير:
والصحيح أنها بلوغ في الجميع لأن هذا أمر جبلي يستوي فيه الناس واحتمال المعالجة فيه بعيد». وقد روى الإمام أحمد عن عطية القرظي قال: عرضنا على النبي صلى الله عليه وسلم يوم قريظة، فأمر من ينظر من أنبت فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلي سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلى سبيلي .. » وأخرجه أهل السنن الأربعة.
3 -
روى الإمام أحمد: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: «ليس لي مال ولي يتيم، فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبذر، ولا متأثل مالا، ومن غير أن تقي مالك، أو قال: أو تفدي مالك بماله» . شك أحد الرواة، وروى ابن ماجه وأبو داود في سننه أن رجلا قال: يا رسول الله: فيم أضرب يتيمي؟ قال: «مما كنت ضاربا منه ولدك غير واق مالك بماله، ولا متأثل منه مالا» .
قال فقهاء الشافعية: ولي اليتيم الفقير له أن يأكل من أقل الأمرين: أجرة مثله، أو قدر حاجته. واختلفوا هل يرد إذا أيسر؟ على قولين: أحدهما، لا. لأنه أكل بأجرة عمله، وكان فقيرا، وهذا هو الصحيح عند أصحاب الشافعي، لأن الآية والأحاديث أباحت الأكل من غير بدل، كأكل مال الغير للمضطر عند الحاجة. قال عمر بسند صحيح عنه: إنما أنزلت نفسي من مال الله بمنزلة ولي اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، وإن استغنيت استعففت» والأقوى الاتجاه الأول: أي لا يرد ومذهب عمر زيادة في الاحتياط. وما مقدار ما يأكل منه؟ قال النسفي عن إبراهيم: ما سد جوعه، ووارى العورة.
4 -
إن قياس عمر أمر نفسه على وصي اليتيم في مال الأمة أصل عظيم من أصول الاجتهاد السياسي في الإسلام. فالدولة المسلمة، والإمام المسلم تصرفاته مقيدة بما يقيد به وصي اليتيم؛ فما كان فيه مصلحة اليتيم نفذ، وما لم تكن له فيه مصلحة لم ينفذ.
وعلى هذا فكل التصرفات والعقود والمعاهدات الدولية التي تجريها الحكومات تلزم الأمة بمقدار ما فيها من مصلحة للأمة، وكل تصرف أو عهد، أو عقد أجرته، أو تجريه حكومة ليس فيه مصلحة، فإنه لاغ حكما.