المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌7 - باب في قضاء القاضي إذا أخطأ - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٤

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَاب البُيُوعِ

- ‌1 - باب في التِّجارَةِ يُخالِطُها الحَلِفُ واللَّغْوُ

- ‌2 - باب في اسْتِخْراجِ المَعادِنِ

- ‌3 - باب في اجْتِنابِ الشُّبُهاتِ

- ‌4 - باب في آكِلِ الرِّبا وَمُوكِلِهِ

- ‌5 - باب في وضْعِ الرِّبا

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ اليَمِينِ في البَيْعِ

- ‌7 - باب في الرُّجْحانِ في الوَزْنِ والوَزْن بِالأَجْرِ

- ‌8 - باب في قوْلِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ

- ‌9 - باب في التَّشْدِيد في الدَّيْنِ

- ‌10 - باب في المَطْلِ

- ‌11 - باب في حُسْنِ القضاءِ

- ‌12 - باب في الصّرْفِ

- ‌13 - باب في حِلْيَةِ السَّيْفِ تُباعُ بِالدَّراهمِ

- ‌14 - باب في اقتِضاء الذّهَبِ مِنَ الوَرِقِ

- ‌15 - باب في الحَيوانِ بِالحيَوانِ نَسِيئة

- ‌16 - باب في الرُّخْصَةِ في ذلكَ

- ‌17 - باب في ذَلِكَ إِذا كانَ يَدًا بِيَدِ

- ‌18 - باب في التَّمْر بِالتَّمْرِ

- ‌19 - باب في المُزابَنَة

- ‌20 - باب في بَيعِ العرايا

- ‌21 - باب في مِقْدارِ العريَّة

- ‌22 - باب تَفْسير العَرايا

- ‌23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها

- ‌24 - باب في بيْعِ السِّنِينَ

- ‌25 - باب في بَيْعِ الغَرَرِ

- ‌26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ

- ‌27 - باب في الشَّرِكَةِ

- ‌28 - باب في المُضاربِ يخالِفُ

- ‌29 - باب في الرَّجُلِ يَتَّجِرُ في مالِ الرَّجُلِ بغَيْرِ إذْنِهِ

- ‌30 - باب في الشَّرِكةِ عَلى غَيْر رَأْسِ مالٍ

- ‌31 - باب في المُزارَعَةِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في ذَلِك

- ‌33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها

- ‌34 - باب في المُخَابَرَةِ

- ‌35 - باب في المُساقاةِ

- ‌36 - باب في الخَرْصِ

- ‌أَبْوَابُ الإِجَارَةِ

- ‌1 - باب في كَسْبِ المُعَلِّمِ

- ‌2 - باب في كَسْبِ الأَطِبَّاءِ

- ‌3 - باب في كَسْب الحَجَّامِ

- ‌4 - باب في كَسْبِ الإِماء

- ‌5 - باب في حُلْوانِ الكاهِنِ

- ‌6 - باب في عَسْب الفَحْلِ

- ‌7 - باب في الصّائِغِ

- ‌8 - باب في العَبْد يُباعُ وَلَهُ مالٌ

- ‌9 - باب في التلقي

- ‌10 - باب في النَّهْى عَنِ النَّجْش

- ‌11 - باب في النَّهْي أَنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ

- ‌12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها

- ‌13 - باب في النَّهْى، عَنِ الحُكْرةِ

- ‌14 - باب في كسْرِ الدَّراهمِ

- ‌15 - باب في التَّسْعيرِ

- ‌16 - باب في النَّهْي عَنِ الغِشِّ

- ‌17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ

- ‌18 - باب في فَضْلِ الإِقالَةِ

- ‌19 - باب فِيمَنْ باع بيْعتَيْنِ في بَيْعةٍ

- ‌20 - باب في النَّهْي عَن العِينَة

- ‌21 - باب في السَّلَفِ

- ‌22 - باب في السَّلَمِ في ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا

- ‌23 - باب السَّلَفِ لا يُحَوَّلُ

- ‌24 - باب في وَضْعِ الجَائِحَةِ

- ‌25 - باب في تَفْسِيرِ الجَائِحَةِ

- ‌26 - باب في مَنْعِ المَاءِ

- ‌27 - باب في بَيْعِ فَضْل المَاءِ

- ‌28 - باب في ثَمَنِ السِّنَّوْرِ

- ‌29 - باب في أَثْمَانِ الكِلَابِ

- ‌30 - باب في ثَمَنِ الخَمْرِ والمَيْتَةِ

- ‌31 - باب في بَيع الطَّعامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتوْفَى

- ‌32 - باب في الرَّجُلِ يقُولُ في البَيْع: لا خِلابَة

- ‌33 - باب في العُرْبانِ

- ‌34 - باب في الرَّجُلِ يَبِيعُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ

- ‌35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ

- ‌36 - باب في عُهْدةِ الرَّقِيقِ

- ‌37 - باب فيمَنِ اشْتَرى عَبْدًا فاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌38 - باب إذا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ والمبِيعُ قائِمٌ

- ‌39 - باب في الشُّفْعةِ

- ‌40 - باب في الرّجُلُ يُفْلِسُ فَيَجِدُ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ

- ‌41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا

- ‌42 - باب في الرَّهْنِ

- ‌43 - باب في الرّجُلِ يأكُلُ مِنْ مالِ ولَدهِ

- ‌44 - باب في الرَّجُلِ يَجِدُ عينَ مالِهِ عنْدَ رَجُلٍ

- ‌45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه

- ‌46 - باب في قَبُولِ الهدايا

- ‌47 - باب الرُّجُوعِ في الهِبَةِ

- ‌48 - باب في الهَدِيَّةِ لِقَضاءِ الحاجَةِ

- ‌49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ

- ‌50 - باب في عَطِيَّةِ المَرْأةِ بغَيْر إِذْنِ زَوْجِها

- ‌51 - باب في العُمْرى

- ‌52 - باب مَنْ قال فِيهِ: وَلعَقِبِهِ

- ‌53 - باب في الرُّقْبَى

- ‌54 - باب في تضْمِينِ العارِيَّةِ

- ‌55 - باب فِيمنْ أَفْسَد شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلهُ

- ‌56 - باب المَواشي تُفْسِد زَرْعَ قَوْمٍ

- ‌كِتَابُ الأَقْضَيِةِ

- ‌1 - باب في طَلَبِ القَضاءِ

- ‌2 - باب في القاضي يُخْطِئُ

- ‌3 - باب في طَلَبِ القَضاءِ والتِّسَرُّعِ إِلَيْهِ

- ‌4 - باب في كَراهِيَةِ الرِّشْوَةِ

- ‌5 - باب في هَدايا العُمّالِ

- ‌6 - باب كَيْفَ القَضاءُ

- ‌7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ

- ‌8 - باب كَيْفَ يَجْلِسُ الخَصْمان بينَ يَدى القاضي

- ‌9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ

- ‌10 - باب الحكْمِ بينَ أَهْل الذّمَّةِ

- ‌11 - باب اجتِهادِ الرَّأي في القَضاءِ

- ‌12 - باب في الصُّلْح

- ‌13 - باب في الشَّهاداتِ

- ‌14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها

- ‌15 - باب في شَهادةِ الزُّورِ

- ‌16 - باب منْ ترَدُّ شهادَته

- ‌17 - باب شَهادَة البَدَويِّ عَلَى أهْلِ الأَمْصارِ

- ‌18 - باب الشَّهادَةِ في الرَّضاعِ

- ‌19 - باب شَهادةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفي الوَصِيَّة في السَّفَرِ

- ‌20 - باب إِذا عَلِمَ الحاكِمُ صِدْق الشّاهِدِ الواحدِ يَجُوز لَه أَنْ يَحْكمَ به

- ‌21 - باب القَضاء بِاليَمينِ والشّاهِد

- ‌22 - باب الرّجُلَيْنِ يَدَّعِيانِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ لَهُما بيِّنَةٌ

الفصل: ‌7 - باب في قضاء القاضي إذا أخطأ

‌7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ

3583 -

حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سُفْيانُ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّما أَنا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ ما أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيء فَلا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّما أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النّارِ"(1).

3584 -

حَدَّثَنا الرَّبِيعُ بْنُ نافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ، حَدَّثَنا ابن المُبارَكِ عَنْ أُسامَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قالَتْ: أَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلانِ يَخْتَصِمانِ في مَوارِيثَ لَهُما لَمْ تَكُنْ لَهُما بيِّنَة إِلا دَعْواهُما فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ فَبَكَى الرَّجُلانِ وقالَ: كُلُّ واحِدٍ مِنْهُما حَقّي لَكَ. فَقالَ لَهُما النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَما إِذْ فَعَلْتُما ما فَعَلْتُما فاقْتَسِما وَتَوَخَّيا الحَقَّ. ثُمَّ اسْتَهِما ثُمَّ تَحالَّا"(2).

3585 -

حَدَّثَنا إِبْراهِيمُ بْنُ مُوسَى الرّازيُّ، أَخْبَرَنا عِيسَى، حَدَّثَنا أُسامَةُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ رافِعٍ قالَ: سَمِعْتُ أُمَّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم بهذا الحَدِيثِ قالَ: يَخْتَصِمانِ في مَوارِيثَ وَأَشْياءَ قَدْ دَرَسَتْ. فَقالَ: "إِنّي إِنَّما أَقْضي بَيْنَكُمْ بِرَأْيي فِيما لَمْ يُنْزَلْ عَليَّ فِيهِ"(3).

3586 -

حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ داوُدَ المَهْريُّ، أَخْبَرَنا ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابن شِهابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطّابِ رضي الله عنه قالَ وَهوَ عَلَى الِمنْبَرِ: يا أيُّها النّاسُ إِنَّ الرَّأي إِنَّما كانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصِيبًا؛ لأَنَّ اللهَ كانَ يُرِيهِ؛ وَإنَّما هُوَ مِنّا الظَّنُّ والتَّكَلُّفُ (4).

(1) رواه البخاري (2680)، ومسلم (1713).

(2)

رواه أحمد 6/ 320.

وحسنه الألباني في "الإرواء"(1423).

(3)

السابق.

(4)

رواه البيهقي في "الكبرى" 10/ 117، وفي "المدخل"(210)، وابن عبد البر في=

ص: 627

3587 -

حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبّيُّ، أَخْبَرَنا مُعاذُ بْنُ مُعاذٍ، قالَ: أَخْبَرَني أَبُو عُثْمانَ الشّاميُّ وَلا إِخالُني رَأَيْتُ شامِيّا أَفْضَلَ مِنْهُ. يَعْني: حَرِيزَ بْنَ عُثْمانَ (1).

* * *

باب في قضاء القاضي إذا أخطأ

[3583]

(ثنا محمد بن كثير) العبدي المصيصي (أنا سفيان) بن عيينة (2)(عن هشام بن عروة) بن الزبير بن العوام [الأسدي (عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن العوام](3)(عن زينب بنت أم سلمة) وهي بنت أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، وكان اسمها برة، فسماها رسول الله: زينب، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم عند البخاري (4).

(عن) أمها (أم سلمة) هند بنت أبي أمية زوج النبي صلى الله عليه وسلم (قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) زاد في رواية الصحيحين (5): أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم، فقال:(إنما) هي هنا للحصر المجازي؛ لأنه حصر خاص. أي: باعتبار علم الباطن، ويسمى هذا

="جامع بيان العلم وفضله" 2/ 1040.

وقال الألباني: ضعيف مقطوع.

(1)

هذا خبر فيه تنويه بفضل حريز بن عثمان، وليس بحديث.

(2)

كذا في الأصول: بن عيينة. وقال ابن حجر في "الفتح" 12/ 339: سفيان هو الثوري. قلت: وفي "سنن البيهقي" 10/ 251 من طريق الدارمي عن محمد بن كثير قال: أنبأنا سفيان الثوري. ثم قال البيهقي: رواه البخاري في "الصحيح" عن محمد بن كثير.

(3)

ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(4)

"صحيح البخاري"(3492).

(5)

"صحيح البخاري"(7185)، "صحيح مسلم"(5/ 1713).

ص: 628

عند أهل البيان قصرًا.

قلت: لأنه أتى به للرد على من يزعم أن من كان رسولًا يعلم الغيب ولا يخفى عليه المظلوم ونحو ذلك (أنا بشر) أي: من الخلق سمِّي بذلك لظهور البشرية، والبشر يطلق على الواحد، كما في هذا الحديث، وعلى الجمع نحو قوله تعالى:{نَذِيرًا لِلْبَشَرِ (36)} (1).

والمراد بقوله: (إنما أنا بشر) أي: إنما أنا مشارك لغيري من البشر في صفاتهم الخلقية، وإن زاد عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة وإطلاعه على الغيوب، حيث أطلعه الله تعالى، ولكن إنما نحكم بين الناس بالظاهر، والله متولي السرائر، فيحكم بالبينة واليمين ونحوهما من أحكام الظاهر مع جواز كون الباطن على خلافه، ومثله حديث:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله"(2). وقوله في المتلاعنين: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"(3) لكن لما كان أمته مثله ومأمورون باتباعه والاقتداء به، جعل له من الحكم ما يكون حكمًا لهم؛ لأن الحكم بالظاهر أطيب للقلوب وأسكن للنفوس، وهذا نحو قوله تعالى:{إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (4).

(1) المدثر: 36.

(2)

رواه البخاري (25)، ومسلم (20) من حديث ابن عمر، وقد تقدم عند أبي داود برقم (1556، 2640) من حديث أبي هريرة، (2641، 2642) من حديث أنس.

(3)

تقدم عند أبي داود برقم (2256) من حديث ابن عباس.

(4)

الكهف: 110.

ص: 629

(وإنكم تختصمون إلى) في الأحكام (ولعل بعضكم أن يكون) فيه شاهد على اقتران (أن) بخبر (لعل) حملًا لها على (عسى)، يقول الشَّاعر:

لعلك يومًا أن تلم ملمة

عليك من اللائي يدعنك أجدعا (1)

(ألحن) بالنصب خبر (كان)(بحجته من بعض) ومعنى (ألحن) أفطن لها. ويجوز أن يكون معناه: أفصح تعبيرًا عنها وأظهر احتجاجًا، يخيل أنه محق، وهو في الحقيقة مبطل. والأظهر أن معناه: أبلغ، كما في رواية الصحيحين (2)، أي: أحسن إيرادًا للكلام. ولا بد في هذا الكلام من محذوف لتصحيح معناه. أي: وهو كاذب. ويسمى هذا عند الأصوليين دلالة اقتضاء؛ لأن هذا المحذوف اقتضاه اللفظ الظاهر المذكور بعده وهو قوله بعده في رواية الصحيحين: "فأحسب أنه صادق"(3). فاقتضى هذا أن الذي ألحن به حجته.

(فأقضى له على نحو) بالتنوين (مما أسمع) منكم. كذا لابن ماجه (4). فيه أن الحاكم يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ، والله تعالى متولي السرائر يحكم بها يوم القيامة، وأما في الدنيا فيحكم بالظاهر.

(1) البيت لمتمم بن نويرة، انظر "الكامل" للمبرد 1/ 163، "المقتضب" 3/ 74، "خزانة الأدب" 5/ 337، "لسان العرب" 5/ 3082 (علل).

(2)

"صحيح البخاري"(2458)، "صحيح مسلم"(1713/ 5).

(3)

"صحيح البخاري"(7181)، "صحيح مسلم"(1713/ 5).

(4)

"سنن ابن ماجه"(2317).

ص: 630

(فمن قضيت له من حق أخيه) المسلم، كما هو مصرح به في الصحيحين (1)(بشيء) والمسلم هنا لا مفهوم له؛ لأنه خرج مخرج الغالب؛ وإلا فالذمي والمعاهد كذلك، أو هو من باب التهييج كما سبق (فلا يأخذ منه شيئًا، فإنما أقطع له قطعة) بكسر القاف. أي: طائف (من النار) زاد ابن ماجه: "يأتي بها يوم القيامة"(2) أي: حاملًا لها مع أثقاله، وأطلق عليه نارًا؛ لأنه سبب لحصول النار، فهو من باب التشبيه، وهذا كقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} (3).

[3584]

(ثنا الربيع بن نافع) الحلبي كنيته (أبو توبة) شيخ الشيخين (ثنا) عبد الله (بن المبارك، عن أسامة بن زيد) بن أسلم المدني مولى عمر رضي الله عنه قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي زمن المنصور (4).

(عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم، يكنى أبا رافع. أخرج له مسلم.

(عن أم سلمة قالت: أتى (5) رسول) بالنصب مفعول مقدم (الله صلى الله عليه وسلم

(1)"صحيح البخاري"(7181)، "صحيح مسلم"(1713/ 5).

(2)

"سنن ابن ماجه"(2317).

(3)

النساء: 10.

(4)

كذا في النسخ: بن أسلم المدني مولى عمر رضي الله عنه. قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. قال ابن سعد: توفي زمن المنصور، وهو خطأ. والصواب أنه الليثي، انظر "تهذيب الكمال" 2/ 347.

(5)

ساقطة من (م).

ص: 631

رجلان يختصمان في مواريث) غير منصرف، سيأتي في رواية: قد درست (1). (لهما) و (لم يكن لهما بينة) الظاهر ولا لأحدهما (إلا دعواهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم) الحديث (فذكر مثله) وفيه: "فإنما أقطع له قطعة من النار"(2). ويؤخذ من هذا الحديث استحباب وعظ الحاكم الخصم قبل التحاكم، لا سيما إذا قامت عنده قرينة بإبطال أحد (3) الخصمين، كما في حديث المتلاعنين:"أحدكما كاذب، فهل منكما تائب، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة"(4). ويلحق بالحاكم المفتي إذا جاءه من يستفتيه، وظهرت له قرينة بإبطال ما يستفتيه.

(فبكى الرجلان) يعني: حين سمعا ذكر النار والتوعد بها (وقال: كل واحد منهما) قد جعلت، أو وهبت (حقي لك) يا رسول الله.

فيه دليل على هبة المجهول وهبة ما يدعيه قبل ثبوته، وفيه هبة الحاكم بحضرة خصمه، ولا يكون هذا رشوة، وفيه: جواز هبة الشريك قبل أن يستأذن شريكه إذا كان حاضرًا (فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: أما) بتخفيف الميم، يحتمل أن يكون بمعنى حقًّا (إذ) يجوز أن تكون للتعليل كما قيل في قوله تعالى:{وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ} (5).

(1) هو الحديث الآتي بعد هذا.

(2)

هو الحديث السابق على هذا.

(3)

في (ل)، (م): إحدى، والجادة ما أثبتناه.

(4)

رواه بهذا اللفظ البيهقي 7/ 394.

(5)

الكهف: 16.

ص: 632

(فعلتما مما فعلتما فاقتسما) يحتمل زيادة [الفاء](1) فقد قيد الفراء والأعلم جواز زيادتها أن تكون داخلة على أمر أو نهي، وحمل عليه:

لا تجزعي إن منفسًا أهلكته

فإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (2)

وتقدير الكلام على هذا: فاقتسما هذا الذي تدافعتماه؛ لأنكما فعلتما ما فعلتماه من الخروج عنه خوفًا من نار جهنم.

وفيه: أن الهبة لا تصح إلا بالقبول، فحيث لم يقبل النبي صلى الله عليه وسلم لم تصح الهبة، ولهذا اقتصر على قوله:(اقتسما) من غير أن يذكر إعادة الموهوب لهما، وأيضًا فالهبة لا تنتقل إلى ملك الموهوب إلا بالقبض، ولا قبض هُنا.

وفيه دليل على أن الخصمين إذا تداعيا عينًا في يد ثالث [أو لا يد عليها](3) ولا بينة لهما أنها تقسم بينهما، وكذا إذا أقام كل منهما بينة، فإنهما يتعارضان حيث لا ترجيح، وكأنه لا بينة لهما، وكان قول كل واحد منهما: حقي لك. لا اعتبار به؛ لأنها هبة باطلة (وتوخيا) بفتح الخاء المعجمة المشددة.

قال في "النهاية": أي: اقصدا. (الحق) فيما تصنعانه من القسمة (4).

(1) ليست في (ل)، (م) والسياق يقتضيها.

(2)

البيت للنمر بن تولب رضي الله عنه، انظر:"الكتاب" لسيبويه 1/ 28، 134.

(3)

في الأصل: (لا يدعيا) ولا معنى لها، والمثبت مفهوم ما في "البيان" للعمراني 3/ 161.

(4)

"النهاية في غريب الحديث والأثر" 5/ 164.

ص: 633

يقال: توخيت الشيء أتوخاه توخيا: إذا قصدت إليه وتعمدت فعله (ثم استهما) أي: ليأخذ كل واحد منكما [ما تخرجه القرعة من القسمة؛ ليتميز بينهما كل واحد منكما](1) عن الآخر.

وفيه: الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاححة. وقد وردت القرعة في كتاب الله تعالى في قوله: {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} (2) وقوله: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} (3) وجاءت في خمس أحاديث من السنة: أحدها: هذا الحديث، وفي الثاني: في أنه كان إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه (4). والثالث: أقرع في ستة مملوكين (5). والرابع: قوله: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه"(6)، والخامس: حديث الزبير أن صفية جاءت بثوبين؛ لتكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلًا، فقلنا: لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب. فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر، فأقرعنا عليهما، ثم كفَّنَّا كل واحد في الثوب الذي خرج له (7).

(1) ما بين المعقوفتين ساقط من (م).

(2)

آل عمران: 44.

(3)

الصافات: 141.

(4)

رواه البخاري (2593)، ومسلم (2445) من حديث عائشة، وقد سبق برقم (2138).

(5)

رواه مسلم (4425) من حديث عمران بن حصين.

(6)

رواه البخاري (615)، مسلم (437) من حديث أبي هريرة.

(7)

رواه أحمد 1/ 165، والبزار 1/ 179 (980)، وأبو يعلي 2/ 45 (686)، وابن الأعرابي في "المعجم"(1631)، والبيهقيّ 3/ 401، 402. قال الهيثمي في "المجمع" 6/ 118: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف، وقد وثق. وصححه الألباني في "الإرواء"(711).

ص: 634

وتشاح الناس يوم القادسية في الأذان، فأقرع بينهم سعد (1).

(ثم تحالَاّ) بتشديد اللام المتصلة بألف التثنية. أي: ليسأل كل واحد منهما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بإبراء ذمته، وقد يؤخذ منه صحة الإبراء من المجهول، فإن الذي يبرئ ذمة كل واحد منهما غير معلوم في الحديث.

[3585]

(ثنا إبراهيم بن موسى الرازي) شيخ الشيخين (أنا عيسى) بن يونس بن أبي إسحاق [أبو](2) عمرو الهمداني الكوفيِّ (ثنا أسامة) بن زيد الليثي (عن عبد الله بن رافع) مولى أم سلمة (قال: سمعت أم سلمة) زوج النبي صلى الله عليه وسلم (بهذا الحديث) المذكور و (قال) في هذِه الرِّواية (يختصمان في مواريث) وزاد هنا (وأشياء قد درست)(3) بفتح الراء، يقال: دَرَسَ المنزل دروسًا كقعد قُعودًا إذا عفى وخفيت آثاره (فقال: إني إنما أقضي بينكم برأيي) هذا الحديث مما استدل به الأصوليون على العمل بالقياس، وأنَّه حجة، وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ إلى اليمن كما سيأتي في باب اجتهاد الرأي (4).

والصحيح الذي عليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء أن القياس أحد

(1) علقه البخاري قبل حديث (615) دون ذكر القادسية قال الحافظ في "الفتح" 2/ 96: أخرجه سعيد بن منصور والبيهقيّ 10/ 428 من طريق أبي عبيد "غريب الحديث" 2/ 141 عن هشيم عن عبد الله بن شبرمة.

قال: وهذا منقطع، وقد وصله سيف بن عمر في "الفتوح" والطبري من طريقه.

(2)

ليست في النسخ، والمثبت من "تهذيب الكمال" 23/ 62.

(3)

بعدها في (ل): خـ: درس.

(4)

سيأتي برقم (3592).

ص: 635

الأدلة الشرعية كما سيأتي (1)، وخالف في ذلك ابن حزم، وأجاب ابن حزم في كتاب "النكت" له في إبطال الأمور الخمسة: التقليد، والقياس، والرأي، والاستحسان. والتعليل عن هذا الحديث بأنه غير صحيح؛ لأنه من رواية أسامة الليثي، وهو ضعيف، ولأن رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم حق لا يلحق به غيره؛ لأنه لا ينطق عن الهوى (2)، قال الله:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (3) وسيأتي في حديث معاذ جوابه عنه (فيما) أي: في كل ما (لم ينزل) بضم أوله، ويجوز تشديد الزاي وتخفيفها مع فتحها على البناء للمفعول (4)، وكسرها على البناء للفاعل (عليَّ فيه) شيء والمراد بالحديث -والله أعلم- أن ما لم ينزل الله علي فيه وحيًا (5) انظر فيه، وأحكم فيه برأيي الجاري على سنن الوحي. ولهذا قلنا: إن هذا الحديث وحديث معاذ أصل في القياس، وهو يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ظهر له رأي فهو صواب؛ لأنه لا ينطق عن الهوى.

[3586]

([حدثنا] (6) سليمان بن داود المهري) بفتح الميم (قال: أنا) عبد الله (ابن وهب، عن يونس (7) بن يزيد) الأيلي (عن) محمد (ابن

(1) انظر: "الرسالة" 1/ 476، "الفصول في الأصول" 4/ 23، و "رسالة في أصول الفقه" للعكبري 1/ 65.

(2)

"الإحكام" 5/ 136.

(3)

النساء: 105.

(4)

في (ل)، (م): للفاعل، والمثبت هو الصواب ..

(5)

في النسخ، وحي، والجادة ما أثبتناه.

(6)

زيادة يقتضيها السياق مثبتة من "السنن".

(7)

فوقها في (ل): (ع).

ص: 636

شهاب) الزُّهريّ (أن عمر بن الخطاب) هذا منقطع؛ لأن الزُّهريّ لم يدرك عمر رضي الله عنه ([قال وهو على المنبر] (1): يا أيها الناس، إن الرأي إنما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم مصيبًا) فيه، معصومًا من الخطأ (لأن الله تعالى كان يريه) الصواب، كما قال تعالى:{لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (2) تعالى، بواسطة نظره واجتهاده في أحكام الكتاب وأدلته.

وفيه دليل على هذا بأنه عليه السلام كان يجتهد فيما لا نص فيه عنده من الحوادث، وهي مسألة خلاف في أصول الفقه، [وهذا الحديث](3) والآية حجة لمن أجاز؛ ولأن الاجتهاد منصب كمال، فلا ينبغي أن يفوته عليه الصلاة والسلام. وقد دل على وقوعه منه قوله عليه السلام:"لو قلت: نعم لوجبت"(4) و "لو سمعت شعرها قبل أن أقتله لم أقتله"(5) في قضيتين مشهورتين، و (إنما هو) يعني: الرأي (منا الظن) الغالب الذي لا تعين فيه (والتكلف) الشديد في استنباط الحكم الشرعي من الكتاب والسنة؛ ولهذا كان طريقه الاجتهاد، بخلاف اجتهاده صلى الله عليه وسلم، فإنَّه قادر على اليقين، وهو معصوم من الخطأ وجميع الأنبياء عليهم السلام.

* * *

(1) زيادة من "السنن".

(2)

النساء: 105.

(3)

ساقطة من (م).

(4)

رواه مسلم (1337) من حديث أبي هريرة.

(5)

لم أجده مسندًا، وقد ذكره ابن هشام في "سيرته" 2/ 421، وابن الأثير في "أسد الغابة" 7/ 242 في ترجمة قتيلة بنت النضر.

ص: 637