المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌45 - باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده - شرح سنن أبي داود لابن رسلان - جـ ١٤

[ابن رسلان]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَاب البُيُوعِ

- ‌1 - باب في التِّجارَةِ يُخالِطُها الحَلِفُ واللَّغْوُ

- ‌2 - باب في اسْتِخْراجِ المَعادِنِ

- ‌3 - باب في اجْتِنابِ الشُّبُهاتِ

- ‌4 - باب في آكِلِ الرِّبا وَمُوكِلِهِ

- ‌5 - باب في وضْعِ الرِّبا

- ‌6 - باب في كَراهِيَةِ اليَمِينِ في البَيْعِ

- ‌7 - باب في الرُّجْحانِ في الوَزْنِ والوَزْن بِالأَجْرِ

- ‌8 - باب في قوْلِ النّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "المِكْيالُ مِكْيالُ المَدِينَةِ

- ‌9 - باب في التَّشْدِيد في الدَّيْنِ

- ‌10 - باب في المَطْلِ

- ‌11 - باب في حُسْنِ القضاءِ

- ‌12 - باب في الصّرْفِ

- ‌13 - باب في حِلْيَةِ السَّيْفِ تُباعُ بِالدَّراهمِ

- ‌14 - باب في اقتِضاء الذّهَبِ مِنَ الوَرِقِ

- ‌15 - باب في الحَيوانِ بِالحيَوانِ نَسِيئة

- ‌16 - باب في الرُّخْصَةِ في ذلكَ

- ‌17 - باب في ذَلِكَ إِذا كانَ يَدًا بِيَدِ

- ‌18 - باب في التَّمْر بِالتَّمْرِ

- ‌19 - باب في المُزابَنَة

- ‌20 - باب في بَيعِ العرايا

- ‌21 - باب في مِقْدارِ العريَّة

- ‌22 - باب تَفْسير العَرايا

- ‌23 - باب في بَيع الثِّمارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُها

- ‌24 - باب في بيْعِ السِّنِينَ

- ‌25 - باب في بَيْعِ الغَرَرِ

- ‌26 - باب في بَيْعِ المُضْطَرِّ

- ‌27 - باب في الشَّرِكَةِ

- ‌28 - باب في المُضاربِ يخالِفُ

- ‌29 - باب في الرَّجُلِ يَتَّجِرُ في مالِ الرَّجُلِ بغَيْرِ إذْنِهِ

- ‌30 - باب في الشَّرِكةِ عَلى غَيْر رَأْسِ مالٍ

- ‌31 - باب في المُزارَعَةِ

- ‌32 - باب في التَّشْدِيدِ في ذَلِك

- ‌33 - باب في زَرْعِ الأَرْضِ بغَيْرِ إِذْنِ صاحِبِها

- ‌34 - باب في المُخَابَرَةِ

- ‌35 - باب في المُساقاةِ

- ‌36 - باب في الخَرْصِ

- ‌أَبْوَابُ الإِجَارَةِ

- ‌1 - باب في كَسْبِ المُعَلِّمِ

- ‌2 - باب في كَسْبِ الأَطِبَّاءِ

- ‌3 - باب في كَسْب الحَجَّامِ

- ‌4 - باب في كَسْبِ الإِماء

- ‌5 - باب في حُلْوانِ الكاهِنِ

- ‌6 - باب في عَسْب الفَحْلِ

- ‌7 - باب في الصّائِغِ

- ‌8 - باب في العَبْد يُباعُ وَلَهُ مالٌ

- ‌9 - باب في التلقي

- ‌10 - باب في النَّهْى عَنِ النَّجْش

- ‌11 - باب في النَّهْي أَنْ يَبيعَ حاضِرٌ لِبادٍ

- ‌12 - باب مَنِ اشْتَرى مُصَرّاةً فكرِهَها

- ‌13 - باب في النَّهْى، عَنِ الحُكْرةِ

- ‌14 - باب في كسْرِ الدَّراهمِ

- ‌15 - باب في التَّسْعيرِ

- ‌16 - باب في النَّهْي عَنِ الغِشِّ

- ‌17 - باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ

- ‌18 - باب في فَضْلِ الإِقالَةِ

- ‌19 - باب فِيمَنْ باع بيْعتَيْنِ في بَيْعةٍ

- ‌20 - باب في النَّهْي عَن العِينَة

- ‌21 - باب في السَّلَفِ

- ‌22 - باب في السَّلَمِ في ثَمَرَةٍ بِعَيْنِهَا

- ‌23 - باب السَّلَفِ لا يُحَوَّلُ

- ‌24 - باب في وَضْعِ الجَائِحَةِ

- ‌25 - باب في تَفْسِيرِ الجَائِحَةِ

- ‌26 - باب في مَنْعِ المَاءِ

- ‌27 - باب في بَيْعِ فَضْل المَاءِ

- ‌28 - باب في ثَمَنِ السِّنَّوْرِ

- ‌29 - باب في أَثْمَانِ الكِلَابِ

- ‌30 - باب في ثَمَنِ الخَمْرِ والمَيْتَةِ

- ‌31 - باب في بَيع الطَّعامِ قَبْلَ أَنْ يُسْتوْفَى

- ‌32 - باب في الرَّجُلِ يقُولُ في البَيْع: لا خِلابَة

- ‌33 - باب في العُرْبانِ

- ‌34 - باب في الرَّجُلِ يَبِيعُ ما لَيْسَ عِنْدَهُ

- ‌35 - باب في شَرْطٍ في بَيْعٍ

- ‌36 - باب في عُهْدةِ الرَّقِيقِ

- ‌37 - باب فيمَنِ اشْتَرى عَبْدًا فاسْتَعْمَلَهُ ثُمَّ وَجدَ بِهِ عَيْبًا

- ‌38 - باب إذا اخْتَلَفَ البَيِّعانِ والمبِيعُ قائِمٌ

- ‌39 - باب في الشُّفْعةِ

- ‌40 - باب في الرّجُلُ يُفْلِسُ فَيَجِدُ الرَّجُلُ مَتاعَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَهُ

- ‌41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا

- ‌42 - باب في الرَّهْنِ

- ‌43 - باب في الرّجُلِ يأكُلُ مِنْ مالِ ولَدهِ

- ‌44 - باب في الرَّجُلِ يَجِدُ عينَ مالِهِ عنْدَ رَجُلٍ

- ‌45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه

- ‌46 - باب في قَبُولِ الهدايا

- ‌47 - باب الرُّجُوعِ في الهِبَةِ

- ‌48 - باب في الهَدِيَّةِ لِقَضاءِ الحاجَةِ

- ‌49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ

- ‌50 - باب في عَطِيَّةِ المَرْأةِ بغَيْر إِذْنِ زَوْجِها

- ‌51 - باب في العُمْرى

- ‌52 - باب مَنْ قال فِيهِ: وَلعَقِبِهِ

- ‌53 - باب في الرُّقْبَى

- ‌54 - باب في تضْمِينِ العارِيَّةِ

- ‌55 - باب فِيمنْ أَفْسَد شَيْئًا يَغْرَمُ مِثْلهُ

- ‌56 - باب المَواشي تُفْسِد زَرْعَ قَوْمٍ

- ‌كِتَابُ الأَقْضَيِةِ

- ‌1 - باب في طَلَبِ القَضاءِ

- ‌2 - باب في القاضي يُخْطِئُ

- ‌3 - باب في طَلَبِ القَضاءِ والتِّسَرُّعِ إِلَيْهِ

- ‌4 - باب في كَراهِيَةِ الرِّشْوَةِ

- ‌5 - باب في هَدايا العُمّالِ

- ‌6 - باب كَيْفَ القَضاءُ

- ‌7 - باب في قَضاءِ القاضي إِذا أَخْطَأَ

- ‌8 - باب كَيْفَ يَجْلِسُ الخَصْمان بينَ يَدى القاضي

- ‌9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ

- ‌10 - باب الحكْمِ بينَ أَهْل الذّمَّةِ

- ‌11 - باب اجتِهادِ الرَّأي في القَضاءِ

- ‌12 - باب في الصُّلْح

- ‌13 - باب في الشَّهاداتِ

- ‌14 - باب فِيمَنْ يُعِينُ عَلى خصومَةٍ مِنْ غيْرِ أن يَعْلَمَ أمْرَها

- ‌15 - باب في شَهادةِ الزُّورِ

- ‌16 - باب منْ ترَدُّ شهادَته

- ‌17 - باب شَهادَة البَدَويِّ عَلَى أهْلِ الأَمْصارِ

- ‌18 - باب الشَّهادَةِ في الرَّضاعِ

- ‌19 - باب شَهادةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَفي الوَصِيَّة في السَّفَرِ

- ‌20 - باب إِذا عَلِمَ الحاكِمُ صِدْق الشّاهِدِ الواحدِ يَجُوز لَه أَنْ يَحْكمَ به

- ‌21 - باب القَضاء بِاليَمينِ والشّاهِد

- ‌22 - باب الرّجُلَيْنِ يَدَّعِيانِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ لَهُما بيِّنَةٌ

الفصل: ‌45 - باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده

‌45 - باب في الرَّجُلِ يأْخُذُ حَقَّهُ مِنْ تحْتِ يدِه

3532 -

حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حدثنا زُهَيْرٌ، حدثنا هِشامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ أَنَّ هِنْدًا أُمَّ مُعاوِيَةَ جاءَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وإنَّهُ لا يُعْطِيني ما يَكْفِيني وَبَنيَّ فَهَلْ عَلَيَّ جُناحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مالِهِ شَيْئًا؟ قالَ: "خُذي ما يَكْفِيكِ وَبَنِيكِ بِالمَعْرُوفِ"(1).

3533 -

حدثنا خُشَيْشُ بْنُ أَصْرَمَ، حدثنا عَبْدُ الرَّزّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْريِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائِشَةَ قالَتْ: جاءَتْ هِنْدٌ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقالَتْ: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبا سُفْيانَ رَجُلٌ مُمْسِكٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ حَرَجٍ أَنْ أُنْفِقَ عَلَى عِيالِهِ مِنْ مالِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؟ فَقالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "لا حَرَجَ عَلَيْكِ أَنْ تُنْفِقي عَلَيْهِمْ بِالمَعْرُوفِ"(2).

3534 -

حدثنا أَبُو كامِلٍ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ زُرَيْعٍ حَدَّثَهُمْ، حدثنا حُمَيْدٌ - يَعْني الطَّوِيلَ - عَنْ يُوسُفَ بْنِ ماهَكَ المَكّيِّ قالَ: كُنْتُ أكْتُبُ لِفُلانٍ نَفَقَةَ أَيْتامٍ كانَ وَليَّهُمْ فَغالَطوهُ بِألفِ دِرْهَمٍ فَأَدَّاها إِلَيْهِمْ فَأَدْرَكْتُ لهُمْ مِنْ مالِهِمْ مِثْلَيْها. قَالَ: قُلتُ: أَقْبِضُ الألفَ الذي ذَهَبُوا بِهِ مِنْكَ؟ قال: لا، حَدَّثَني أَبى أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"أَدِّ الأَمانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ"(3).

3535 -

حدثنا مُحَمَّد بْنُ العَلاءِ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْراهِيمَ قالا: حدثنا طَلْقُ بْنُ غَنّامٍ، عَنْ شَرِيكٍ - قَالَ ابن العَلاءِ: وَقَيْسٍ - عَنْ أَبي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبي صَالِحٍ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَدِّ الأمانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلا تَخُنْ مَنْ خانَكَ"(4).

* * *

(1) رواه البخاري (2211)، ومسلم (1714).

(2)

رواه البخاري (2460).

(3)

رواه أحمد 3/ 414، والدولابي في "الكنى والأسماء" 1/ 187.

وقال الألباني في "الإرواء" 5/ 382: رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم.

(4)

رواه الترمذي (1264)، والبخاري في "التاريخ الكبير" 4/ 360، والدارمي=

ص: 521

باب في الرجل يأخذ حقه من تحت يده

[3532]

(حدثنا أحمد بن يونس، حدثنا زهير، حدثنا هشام بن عروة) ابن الزبير (عن) أبيه (عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها أن هندًا) بنت عتبة ابن ربيعة امرأة أبي سفيان (أم معاوية) أسلمت عام الفتح بعد إسلام زوجها (جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أبا سفيان رجل شحيح) أي بخيل.

قال القرطبي: لم ترِد أنه شحيح مطلقًا، فتذمه بذلك؛ وإنما وصفت حاله معها، فإنه كان يقتر عليها، وعلى أولادها، كما قالت:"لا يعطيني وبني ما يكفيني"(1) وهذا لا يدل على البخل مطلقًا، فقد يفعل الإنسان هذا مع أهل بيته (2)؛ لأنه يرى غيرهم أحوج وأولى، ليعطي غيرهم. وعلى هذا: لا يجوز أن يستدل بهذا الحديث على أن أبا سفيان كان بخيلًا، فإنه لم يكن معروفًا بهذا (3). فيه دليل على جواز سماع [الأجنبية](4) عند الإفتاء والحكم وما في معناه.

ومنها جواز ذكر الإنسان في غيبته بما يكرهه إذا كان للاستفتاء والشكوى ونحوهما، ويكون هذا مما استثني من الغيبة (5) (وإنه لا

= (2639). وصححه الألباني في "الإرواء"(1544).

(1)

رواه البخاري (5364)، ومسلم (1714) من حديث عائشة.

(2)

في (ر): بيتي.

(3)

"المفهم" 5/ 159 - 160.

(4)

في النسخ: الآدمية. والمثبت من "شرح النووي على مسلم".

(5)

انظر: "شرح مسلم" للنووي 12/ 7.

ص: 522

يعطيني [ما يكفيني]) (1) بفتح أوله (و) يكفي (بني) أي: بل يعطينا دون الكفاية، فيه دليل على أن هذا كان منها استفتاء لا دعوى؛ لأن هذِه القضية كانت بمكة، وكان أبو سفيان حاضرًا بها، والدعوى لا تجوز على من كان مقيمًا إلا بحضوره، ولا تسمع بغير حضوره إلا إذا كان غائبًا عن البلد، أو مستترًا لا يقدر عليه أو متعذرًا، ولم يقع ذلك من أبي سفيان.

(فهل عليَّ) من (جُناحٍ) بضم الجيم، أي: إثم (أن آخذ من ماله) أي: بغير إذنه (شيئًا؟ قال: خذي) من ماله (ما) يجوز أن تكون موصولة، ويجوز أن تكون نكرة موصوفة، أي: شيئًا (يكفيك) فيه أن نفقة الزوجة واجبة وأنها ليست مقدرة بمقدار (2) مخصوص، وإنما ذلك بحسب الكفاية المعتادة، خلافًا للشافعي ومن وافقه أنها مقدرة بالأمداد على الموسر كل يوم مدان، وعلى المعسر مد، وعلى المتوسط مد ونصف (3)، وهذا الحديث يرد على أصحابنا.

(و) يكفي (بنيك) فيه دليل على وجوب نفقة الأولاد على أبيهم، وأن نفقة القريب مقدرة بالكفاية كما هو ظاهر الحديث (4)(بالمعروف) وهو القدر الذي عرف بالعادة أنه كفاية.

[3533]

(حدثنا خُشيش) بضم الخاء المعجمة وتكرير الشين

(1) سقط من (ر).

(2)

في (ر): بمقدر.

(3)

انظر: "البيان" للعمراني 11/ 204.

(4)

انظر: "المفهم" 5/ 161، "شرح مسلم" للنووي 12/ 7.

ص: 523

المعجمة، مصغر (ابن أصرم) بالصاد والراء المهملة، النسائي الحافظ، ثقة (حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: جاءت هند إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل مُمْسِك) بضم الميم الأولى وإسكان الثانية، أي: شحيح وبخيل كما تقدم (فهل عليَّ من حرج أن أنفق على عياله من ماله) فيه أن للمرأة مدخلًا في كفالة أولادها والإنفاق عليهم من مال أبيهم (بغير إذنه؟ ) صرح هنا بما أبهمه في الحديث قبله (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا حرج عليك) أي: لا إثم، وإذا انتفى الحرج ثبتت الإباحة، وهذِه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظًا فهي مقيدة معنى، فكأنه قال: إن صح أو ثبت ما ذكرت فخذي ولا حرج عليك. وقد استنبط البخاري منه جواز حكم الحاكم بعلمه فيما اشتهر وعرف. فقال: باب حكم الحاكم بعلمه إذا لم يخف الظنون والتهم، وكان أمرًا مشهورًا (1).

(أن تنفقي) عليهم (بالمعروف) فيه دليل على اعتبار العرف في الأحكام الشرعية والرجوع إليه، وفيه دليل على أن من تعذر عليه أخذ حقه من غريمه ووصل من مال الغريم إلى شيء كان له أخذه بأي وجه توصل إليه (2).

قال ابن بطال: فيه دليل على جواز أخذ صاحب الحق من مال من لم يوفه أو جحده قدر حقه (3).

(1) بوب به على حديث (7161).

(2)

انظر: "المفهم" 5/ 161.

(3)

"شرح البخاري" 6/ 585.

ص: 524

[3534]

(حدثنا أبو كامل) فضيل بن حسين الجحدري (أن يزيد بن زريع حدثهم) قال (حدثنا حميد الطويل، عن يوسف بن ماهَك) بفتح الهاء (1) غير منصرف للعجمة والتعريف (المكي (2) قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان) هو (وليهم، فغالطوه بألف درهم) وهذا يدل على أنه كان مالًا كثيرًا (فأداها إليهم) من ماله (فأدركت لهم) أي: وصلت للأيتام (من مالهم) على مال (مثليها) مثل الألف التي أداها إليهم من ماله، من قولهم: أدرك الغلام إذا وصل إلى الحلم.

(قال: قلت) له (أقبض) بالباء الموحدة من القبض، وفي رواية: أقتض بالتاء المثناة فوق بدل الباء من الاقتضاء، من قولهم: اقتضيت منه حقي أي أخذته، أقتص بتشديد المهملة (الألف الذي ذهبوا به منك؟ ) أي من مالك (قال: لا) أي: لا أفعل ذلك، وقد (حدثني أبي) ماهك الفارسي المكي.

(أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أد الأمانة) أصله المصدر من أمن بالكسر أمانة ثم استعمل منقولًا إلى الأعيان مجازًا، فقيل: الوديعة أمانة (إلى من ائتمنك) عليها، ويدخل في عموم الأمانة: العارية والمرهون والعين المؤجرة والوديعة، وقال البراء بن عازب وابن مسعود وابن عباس: الأمانة في كل شيء: في الوضوء والصلاة والزكاة والجنابة والصوم والكيل والوزن، كما أن الله تعالى يدخل في

(1) في (ر): الحاء.

(2)

زيادة من (ر).

ص: 525

عموم من ائتمنك قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} (1).

(ولا تخن من خانك) بأن تقابله بمثل خيانته، فمن ظفر بمال لمن له عنده بمال وعجز عن أخذه منه وأخذه بماله واستدرك ظلامته منه فهذا لم يخنه؛ لأنه مقتض حقًّا لنفسه والأول مغتصب حقًّا لغيره، وكان مالك بن أنس يقول: إذا أودع الرجل رجلًا ألف درهم فجحده الألف وأودعه الجاحد ألفًا لم يجز له أن يجحده. قال ابن القاسم صاحبه: أظنه ذهب إلى هذا الحديث. وظاهر حديث يوسف بن ماهك المذكور، ويدل على أنه يذهب إلى هذا، وذهب الشافعي وأصحاب الرأي وغيرهم إلى أنه يجوز له أن يأخذ الألف قصاصًا عن حقه لحديث هند المذكور قبله (2).

[3535]

(حدثنا محمد بن العلاء وأحمد بن إبراهيم) الدورقي، أخرج له مسلم (قالا: حدثنا طلق بن غنام) بالغين المعجمة والنون، النخعي (عن شريك قال) محمد (ابن العلاء وقيس، عن أبي حصين) بفتح الحاء والصاد المهملتين، واسمه عثمان (عن أبي صالح) ذكوان السمان.

(عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أد الأمانة) كما أمرك الله (إلى من ائتمنك) إن كان المالك أو وكيله، وروى والد شيخنا الشيخ صلاح الدين العلائي في كتابه "اليقين في أعمال اليقين" بسنده إلى عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

(1) الأحزاب: 72، وانظر:"الأهوال" لابن أبي الدنيا (250)، "حلية الأولياء" 4/ 201.

(2)

انظر: "معالم السنن" 3/ 168.

ص: 526

"القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها -أو قال: - يكفر كل شيء إلا الأمانة، يؤتى بصاحب الأمانة فيقال له: أد أمانتك. فيقول: أي رب وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: اذهبوا به إلى الهاوية فيذهب به إليها فيهوي فيها حتى ينتهي إلى قعرها، فيجدها هناك كهيئتها فيأخذها فيضعها على عاتقه فيصعد بها في نار جهنم حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت فهوى في أثرها أبد الآبدين" قال: والأمانة في الصلاة والأمانة في الصوم والأمانة في الوضوء والأمانة في الحديث، وأشد ذلك الودائع. قال: فلقيت البراء بن عازب فقلت: ألا تسمع ما يقول أخوك عبد الله؟ قال: صدق (1). والأمانة في كل شيء.

ثم ذكر بعده الحديث الذي رواه الترمذي عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا حدث الرجل فالتفت فهي أمانة"(2).

قال: ومعنى الحديث أن الرجل إذا تحدث بشيء ثم التفت فإن التفاته قرينة في أنه يتوقى أحدًا يسمع (3) حديثه، فيدل هذا على أنه لا يحب اطلاع أحد على ذلك الحديث غير الذي حدثه، وكأنه يستكتم الحديث ممن يحدثه، وحينئذٍ تكون أمانة عند المحدث (ولا تخن من خانك) فيه ما تقدم.

* * *

(1) انظر: "تفسير الطبري" 20/ 340.

(2)

"السنن"(1959).

(3)

تكررت في (ل).

ص: 527