الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
42 - باب في الرَّهْنِ
3526 -
حدثنا هَنّادٌ، عَنِ ابن المُبارَكِ، عَنْ زَكَرِّياءَ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ:"لَبَنُ الدَّرِّ يُحْلَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذا كانَ مَرْهُونًا والظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذا كانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الذي يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ النَّفَقَةُ"(1).
قالَ أَبُو داوُدَ: وَهُوَ عِنْدَنا صَحِيحٌ.
3527 -
حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ قالا: حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ عُمارَةَ بْنِ القَعْقاعِ، عَنْ أَبي زرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْن الخَطَّابِ قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ عِبادِ اللهِ لأُناسًا ما هُمْ بِأَنْبِياءَ وَلا شُهَداءَ يَغْبِطُهُمُ الأنْبِياءُ والشُّهَداءُ يَوْمَ القِيامَةِ بِمَكانِهِمْ مِنَ اللهِ تَعالَى". قالوا: يا رَسُولَ اللهِ تُخْبِرُنا مَنْ هُمْ. قالَ: "هُمْ قَوْمٌ تَحابُّوا بِرُوحِ اللهِ عَلَى غَيْرِ أَرْحامٍ بَيْنَهُمْ وَلا أَمْوالٍ يَتَعاطَوْنَها فَواللهِ إِنَّ وُجُوهَهُمْ لنُورٌ وَإِنَّهُمْ عَلَى نُورٍ لا يَخافُونَ إِذا خافَ النّاسُ وَلا يَحْزَنُونَ إِذا حَزِنَ النّاسُ". وَقَرَأَ هذِه الآيَةَ: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)} (2).
* * *
باب في الرهن
[3526]
(حدثنا هناد، عن) عبد الله (بن المبارك، عن زكريا) بن أبي زائدة (عن) عامر (الشعبي، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لبن
(1) رواه البخاري (2512).
(2)
رواه ابن أبي حاتم في "التفسير" 6/ 1963، وأبو نعيم في "الحلية" 1/ 5، والبيهقي في "الشعب" 11/ 315 (8585).
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب"(3026).
الدَّرِّ) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء. الدر اللبن تسميةٌ بالمصدر، وهو هنا بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع، وقيل: هو هنا من إضافة الشيء إلى نفسه، كقوله تعالى:{وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (1).
(يحلب بنفقته) رواية البخاري: "يشرب بنفقته"(2). أي: بقدر نفقته (إذا كان) الحيوان (مرهونًا) ورواه سعيد بن منصور بإسناده، ولفظه:"الدابة إذا كانت مرهونة تركب بقدر علفها -أي: وشربها- وإذا كان لها لبن يشرب منه بقدر علفها".
ورواه حماد بن سلمة في "جامعه" عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم بأوضح من هذا، ولفظه:"إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر ثمن علفها فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا"(3).
(والظهر) أي ظهر الدابة (يُركب) كذا للجميع بضم أول يركب على البناء للمجهول، وكذلك يُشرب وهو خبر بمعنى الأمر، كقوله:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (4)(بنفقته (5) إذا كان مرهونًا) هذا مخصوص بالمرهون.
وأما قوله بعده: (وعلى الذي يركب ويحلب النفقة) بالرفع مبتدأ فعلى العموم، أي: كائنًا من كان. هذا ظاهر الحديث، وفيه حجة لمن قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته، ولو لم يأذن له المالك،
(1) ق: 9.
(2)
(2512).
(3)
انظر: "فتح الباري" 5/ 143 - 144.
(4)
البقرة: 233.
(5)
من "السنن".
وهو قول أحمد وإسحاق والحسن والليث وغيرهم، قالوا: ينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والحلب بقدر النفقة متحريًا العدل في ذلك، قالوا: وسواء أنفق المرتهن مع تعذر النفقة من الراهن لغيبته أو امتناعه من الإنفاق أو مع القدرة على ذلك أخذ النفقة من الراهن ولا ينتفع بغيرهما لمفهوم الحديث، وأما دعوى الإجمال فيه فقد دل بمنطوقه على إباحة الانتفاع في مقابلة الإنفاق، وهذا يختص بالمرتهن؛ [لأن الحديث وإن كان مجملا لكنه يختص بالمرتهن](1) لأن انتفاع الراهن بالمرهون لكونه مالك رقبته لا لكونه منفقًا عليه بخلاف المرتهن. وذهب الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء إلى أن (2) المرتهن لا ينتفع من المرهون بشيء، وهو متطوع بما أنفق. وتأولوا (3) الحديث على أنه ورد على خلاف القياس من وجهين:
أحدهما: التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه.
والثاني: تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يرده أصول مجمع عليها، وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها. ويدل على نسخه حديث ابن عمر الذي ذكره البخاري في أبواب المظالم وغيره:"لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه .. " الحديث (4)
(1) سقط من (ر).
(2)
في (ر): أنه.
(3)
في (ر): وتأولها.
(4)
البخاري (2435). وانظر: "التمهيد" 14/ 215 - 216.
وقال الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر: لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي مركوبة ومحلوبة له كما كانت قبل الرهن (1).
وقال الطحاوي: هو محمول على أنه كان قبل تحريم الربا، فلما حرم الربا حرم (2).
وذهب الأوزاعي والليث وأبو ثور إلى حمله على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذٍ للمرتهن الإنفاق على الحيوان حفظًا لحياته ولإبقاء المالية فيه، وجعل له في مقابلة نفقته الانتفاع بالركوب أو بشرب اللبن بشرط أن لا يزيد قدر ذلك أو قيمته على قدر علفه وهي من جملة مسائل الظفر (3).
(قال أبو داود: وهو عندنا صحيح) ورواه البخاري وغيره (4).
* * *
(1)"الأم" 4/ 339.
(2)
"شرح معاني الآثار" 4/ 99.
(3)
انظر: "فتح الباري" 5/ 144.
(4)
انتهى شرح المصنف لهذا الباب غير أنه لم يشرح فيه إلا الحديث الأول (3526) دون الثاني، والله أعلم.