الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
41 - باب فِيمَنْ أَحْيا حَسِيرًا
3524 -
حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْماعِيلَ، حدثنا حَمّادٌ ح. وَحَدَّثَنا مُوسَى، حدثنا أَبانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحِمْيَريِّ، عَنِ الشَّعْبيِّ - قالَ: عَنْ أَبانَ، أَنَّ عامِرًا الشَّعْبيَّ - حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ:"مَنْ وَجَدَ دابَّةً قَدْ عَجَزَ عَنْها أَهْلُها أَنْ يَعْلِفُوها فَسَيَّبُوها فَأَخَذَها فَأَحْياها فَهيَ لَهُ". قالَ في حَدِيثِ أَبانَ: قالَ عُبَيْدُ اللهِ: فَقُلْتُ: عَمَّنْ؟ قالَ: عَنْ غَيْرِ واحِدٍ مِنْ أَصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (1).
قالَ أَبُو داوُدَ: وهذا حَدِيثُ حَمّادٍ وَهُوَ أَبْيَنُ وَأَتَمُّ.
3525 -
حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ حَمّادٍ -يَعْني: ابن زَيْدٍ- عَنْ خالِدٍ الحذّاءِ، عَنْ عُبَيدِ اللهِ بْنِ حُمَيدِ بْنِ عَبدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الشَّعْبيِّ يَرْفَعُ الحدِيثَ إِلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قالَ:"مَنْ تَرَكَ دابَّةً بِمُهْلِكٍ فَأَحْياها رَجُلٌ فَهيَ لِمَنْ أَحْياها"(2).
* * *
باب فيمن أحيا (3) حسيًرا
حسرت الدابة حسوراً مثل قعد قعودًا إذا كلَّت وتعبت لطول مدى السير (4) فهي حسير، وكذلك حسر البصر، قال الله تعالى:{يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} (5) وفي الحديث: "الحسير لا يعقر"(6)
(1) رواه الدارقطني 3/ 68 (259)، والبيهقي 6/ 198، والطبري في "تهذيب الآثار" 3/ 252. وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (6584).
(2)
انظر ما قبله.
(3)
في (ر): اختار.
(4)
زاد هنا في (ر): (والتسري) ولا أدري وجهها.
(5)
تبارك: 4.
(6)
رواه ابن أبي شيبة 18/ 228 (34362) من قول عمر بن عبد العزيز.
أي: لا يجوز للغازي إذا حسرت دابته أن يعقرها مخافة العدو أن يعقرها، لكن يسيبها (1).
[3524]
(حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد ح، وحدثنا موسى) ابن إسماعيل التبوذكي (حدثنا أبان، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن حميد بن عبد الرحمن الحميري) وثق (عن) عامر (الشعبي، قال) موسى (عن أبان) عن عبيد الله (أن عامرًا) بن شراحيل (الشعبي حدثه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلِفوها) بكسر اللام؛ لأنها كلت عن السير وعجزت عن المسير معهم فعجزوا عن علفها لانقطاعها عنهم.
(فسيبوها) للعجز عن استصحابها معهم، سواء كانت مما يؤكل لحمها أو لا. فيؤخذ من إطلاقه أنه يجوز لمالكها أن يسيبها في الصحراء لمن أخذها للأكل أو غيره أو لحيوان يفترسها، وإن كان الأفضل أن يذبحها ويطعمها للمحتاجين كما يقع كثيرًا في طريق الحجاز للإبل التي تعجز عن الحمل والمشي معهم. ولو ذبحها أو باع لحمها وجلدها جاز. وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال بزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها في الحضر تسييبها بل يجب عليه نفقتها.
(فأخذها فأحياها) بسقيها وعلفها وخدمتها، وفيه التجوز في الألفاظ بتسمية ذلك حياة كقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ
(1) انظر: "النهاية" لابن الأثير 1/ 384، "لسان العرب" 4/ 187، "غريب الحديث" لابن الجوزي 1/ 212.
جَمِيعًا} (1).
(فهي له) أخذ بظاهره الإمام أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا: من ترك دابة بمهلكة (2) فأخذها إنسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل والركوب ملكها، إلا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها، بل ليرجع إليها أو ضلت عنه.
وقال مالك: هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها آخذها.
وقال الشافعي وغيره: إن ملك صاحبها لم يزل (3) عنها بالعجز عنها وسبيلها سبيل اللقطة، فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها؛ لأنه لم يأذن فيه (4). ونظير هذا ما أفتى به شيخنا البلقيني رحمه الله تعالى في سنة يكثر فيها الفأر فيقطع الزرع وينقله تحت الأرض فيعجز أصحابه عن إخراجه إلا بكلفة تزيد على قيمته فإذا جاء أحد وبحث عن الزرع فاستخرجه من تحت الأرض، فأفتى: بأن الزرع باقٍ على ملك صاحبه لم يزل عن ملكه بالعجز عن تحصيله، فإذا طلبه صاحبه من مستخرجه وجب عليه رده عليه، ولا يجب عليه أجرة عمله في استخراجه؛ لأنه لم يأذن فيه. وفرق بين هذا وبين السنابل المتناثرة على الأرض حال الحصاد فإن ملتقطها يملكها بأن (5)
(1) المائدة: 32.
(2)
سقطت من (ر).
(3)
في (ر): يلزم.
(4)
انظر: "المغني" 6/ 400.
(5)
هكذا في (ر)، (ل) ولعل الصواب (لأن).
حبات السنابل من الأشياء التافهة التي يعرض عنها صاحبها غالبًا، وطريق من أراد استخراج ما نقله الفأر أن يأتي إلى مالكه ويشارطه على جعل معلوم يأخذه من المالك على استخراجه.
و(قال في حديث أبان: قال عبيد الله: فقلت) للشعبي: (عمن) حدثت هذا؟ (قال: عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) وحكى الذهبي عن أحمد بن عبد الله العجلي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (1).
وقال منصور بن عبد الرحمن الغُدَّاني عن الشعبي: أدركت خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: علي وطلحة والزبير في الجنة (2).
وقال الشعبي: ما كتبت سوادًا في بياض قط ولا حدثني رجل فأحببت أن يعيده (3).
(قال أبو داود: هذا حديث حماد) بن سلمة (4)(وهو أبين) معنى (وأتم) لفظًا من حديث أبان.
[3525]
(حدثنا محمد بن عبيد) بن حساب الغبري شيخ مسلم (عن حماد بن زيد) الأزدي الأزرق أحد الأعلام (عن خالد الحذاء، عن عبيد الله) بالتصغير (ابن حميد بن عبد الرحمن) الحميري، وثق.
(عن الشعبي، رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من ترك دابة) أي
(1) انظر: "معرفة الثقات" للعجلي 2/ 12.
(2)
رواه البيهقي في "الاعتقاد" ص 374، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" 25/ 349، وذكره البخاري تعليقًا في "التاريخ الكبير" 6/ 450.
(3)
انظر: "سير أعلام النبلاء" 4/ 301.
(4)
هكذا في (ر)، (ل) والصواب (بن زيد) كما صرح به في الإسناد التالي.
سيبها، كما في الحديث قبله (بمُهلَكٍ) بضم الميم وفتح اللام، أي: مهلك اسم لمكان الهلاك من أهلك، وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى:{مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} (1)، وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام (2)، أي: ما شهدنا مكان هلاكه ولا زمان هلاكه.
(فأحياها رجل) أي: بسقيها وعلفها وإراحتها، والحياة مجاز. وقد حضرت يوم كتابة هذا الحديث أول مجلس تكلم فيه الشيخ محمد البرماوي على الفقه في المدرسة الصلاحية بالقدس الشريف في التاسع والعشرين من شوال عام ثلاثين وثمانمائة، وابتدأ بإحياء الموات من "المنهاج" فذكر للإحياء (3) خمسة عشر معنى واحد منها حقيقة، والباقي (4) مجاز، وعد منها هذا المعنى واستشهد له بشعر من كلام العرب ولم يستحضر هذا الحديث وعد منها أنها تأتي بمعنى الغنى، والموت بمعنى الفقر وبمعنى اليقظة، والموت بمعنى النوم، والإحياء بمعنى عمارة الأرض، لقوله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا أرضاً (5) ميتةً"(6)(فهي لمن أحياها) تقدم أن حكم هذِه الدابة حكم اللقطة فتكون اللام هنا في قوله (فهي لمن أحياها) كاللام في حديث اللقطة: "فهي لك"(7)
(1) النمل: 49.
(2)
انظر: "التيسير في القراءات السبع" لأبي عمرو الداني ص 144.
(3)
في (ر): الإحياء.
(4)
في (ر): والثاني.
(5)
سقطت من (ر).
(6)
سبق برقم (3073).
(7)
سبق برقم (1710).
يعني الشاة، وقد انفرد مالك (1) بتجويز أخذ الشاة للتملك وعدم تعريفها متمسكًا بقوله:"فهي لك"، وأجيب بأن اللام ليست للتمليك، وأجمعوا على أن مالكها إن جاء قبل أن يأكلها المالك (2) أخذها منه.
قال النووي: إن جاء صاحبها قبل أن يتملكها الملتقط أخذها بزوائدها المتصلة والمنفصلة، وأما بعد التملك (3) فإن لم يجيء صاحبها فهي لمن وجدها ولا مطالبة عليه في الآخرة. ومهما تلف منها بعد مجيء صاحبها لزم الملتقط غرامته للمالك، وهو قول الجمهور (4).
* * *
(1)"المدونة" 4/ 457.
(2)
هكذا في (ر)، (ل) وفي "فتح الباري"(الواجد) وهو الصحيح؛ لأن واجدها لا يملكها إلا بعد التعريف سنة كاملة.
(3)
في (ر): التمليك.
(4)
انظر: "شرح صحيح مسلم" للنووي 12/ 22 - 23، "فتح الباري" 5/ 83 - 85.