الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - باب في هَدايا العُمّالِ
3581 -
حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَحْيَى، عَنْ إِسْماعِيلَ بْنِ أَبي خالِدٍ، حَدَّثَني قَيْسٌ، قالَ: حَدَّثَني عَديُّ بْنُ عُمَيْرَةَ الكِنْديُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قالَ: "يا أيُّها النّاسُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ لَنا عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنا مِنْهُ مِخْيَطًا فَما فَوْقَهُ فَهُوَ غُلٌّ يَأْتي بِهِ يَوْمَ القِيامَةِ". فَقامَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ أَسْوَدُ كَأنَّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقالَ: يا رَسُولَ اللهِ اقْبَلْ عَنّي عَمَلَكَ. قالَ: " وَما ذاكَ؟ ". قالَ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذا وَكَذا. قالَ: " وَأَنا أَقُولُ ذَلِكَ: مَنِ اسْتَعْمَلْناهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَأْتِ بِقَلِيلِهِ وَكثِيرِهِ فَما أُوتيَ مِنْهُ أَخَذَهُ وَما نُهيَ عَنْهُ انْتَهَى"(1).
* * *
باب: في هدايا العمَّال
[3581]
(ثنا مسدد ثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم الكوفي التابعي (حدثني) أبو كامل (2)(قيس) بن أبي حازم البجلي، تابعي كبير (حدثني عدي بن عميرة) بفتح العين، وكسر الميم. قال القاضي: لا يعرف في الرجال أحد يقال له: عميرة بالضم، بل كلهم بالفتح (3). وهو ابن فروة بن زرارة (الكندي) أبو زرارة حضرمي كوفي رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (4): يا أيها الناس، من عمل) بضم العين وتشديد الميم المكسورة (منكم) قد يؤخذ من قوله (منكم) أن العامل لا
(1) رواه مسلم (1833).
(2)
كذا في (ل)، (م): وهو خطأ، إنما هو أبو عبد الله، وأنظر ترجمته في:"تهذيب الكمال " 24/ 10.
(3)
"إكمال المعلم" 6/ 239.
(4)
ساقطة من (م).
يكون إلا مسلمًا، ولفظ (من) الجزئية دالة على العموم فيه في عمومه كل عامل.
قال أصحابنا: يشترط في ساعي الزكاة أن يكون مسلمًا إذا كان التفويض عامًّا، فإن عين الإمام شيئًا يأخذه، قال الماوردي: لا يتعين فيه الإسلام (1). قال النووي (2): عدم اشتراط إسلامه فيه نظر (3).
وقال أبو الخطاب وغيره من الحنابلة: لا يشترط إسلام العامل؛ لأنه إجارة على عمل، فجاز أن يتولاه الكافر كسائر الولايات كجباية الخراج. ومشهور رواية أحمد: اشتراط إسلامه؛ لأن من شرطه الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة؛ ولأنه ولاية على المسلمين، فلم يجز أن يتولاها الكافر كسائر الولايات (4). وظاهر الحديث يدل له.
(لنا على عمل) ويدخل في العامل على العمل الساعي الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكاة، والكاتب والقاسم والحاشر الذي ينادي في الناحية؛ ليجتمعوا لأخذ الصدقة، وحاشر النعم من مسارحها إلى مياه أهلها، وجباة المال وحفاظها والكيّال والوزان والعداد وكل من يحتاج إليه فيها (فكَتَمنا منه) أي: من المال الذي جمعه في عمالته (مخيطًا) بكسر الميم.
وفي الحديث: "أدوا الخياط والمخيط"(5) فالخياط: الخيط الذي
(1)"الأحكام السلطانية" ص 206.
(2)
ساقطة من (م).
(3)
"روضة الطالبين" 6/ 366.
(4)
"المغني" 9/ 313.
(5)
تقدم عند أبي داود برقم (2694) من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده.
يخيط به، والمخيط: الإبرة والمسلة ونحوهما (فما) الفاء بمعنى (إلى)، كما قال الكسائي في قوله تعالى:{بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (1) وأن التقدير عنده إلى ما (2)(فوقه) في الصغر. قال: وهذا في الكلام كقولك: أتراه قصيرًا؟ . فيقول القائل: أو فوق ذلك. أي: هو أقصر مما يرى. (فهو غل) وهو الحديدة التي تجمع بها يد الأسير إلى عنقه (يأتي به يوم القيامة) إلى المحشر، وهو حامل له، كما ذكر مثله في الغال، وتسمى هذِه الحديدة جامعة، وكل من خان في شيء خفية فهو غل، ويحتمل أن يكون الغل في يده يوم القيامة في جهنم، وفيه توعد شديد، وزجر أكيد في خيانة العامل في القليل والكثير، وأنه من الكبائر العظام، وكذا أخذ رشوة العامل حرام أيضًا بإجماع العلماء.
(فقام) زاد مسلم: إليه (رجل) فيه: أن العاملين يشترط فيهم الذكورة، فلا يجوز أن يكون العامل أنثى؛ لأن العمل إمارة وولاية على المسلمين، فلم يجز للمرأة أن تتولاها (من الأنصار) فيه: أنه يجوز أن يكون العامل من الأنصار والمهاجرين، ولا يجوز أن يكون هاشميًّا ولا مطلبيًّا لحديث الفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة بن الحارث حين سألا النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعثهما، فأبى أن يبعثهما وقال:"إنما هذِه أوساخ الناس، وإنها (3) لا تحل (4) لمحمد ولا لآل محمد"(5).
(1) البقرة: 26.
(2)
انظر: "إعراب القرآن" للنحاس 1/ 203.
(3)
في (م): وإننا.
(4)
في (م): نجد.
(5)
تقدم عند أبي داود برقم (2987).
(أسود) فيه أنه يجوز أن يكون العامل من الأنصار أسوَد وأبيض لا فرق في الجواز بينهما (وكأني أنظر إليه) حين جاءه (فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك) النزول عن العمل الذي هو ولاية لا يحتاج إلى قبول، بل لو قال: عزلتُ نفسي. انعزل، فيُحمل هذا على الاستئذان، فإن فيه نوع استشارة (قال: وما ذاك؟ ) لفظ مسلم: "وما لك؟ (1) ".
(قال: سمعتك تقول: كذا وكذا، قال: وأنا أقول ذاك) زاد مسلم: "الآن"(2)(من استعملناه على عمل) يدخل فيه القضاء والحسبة وما تقدم ذكره.
(فليأت بقليله وكثيره) قال القرطبي: يدل على أنه [لا يجوز له أن](3) يقتطع منه شيئًا لنفسه، لا أجرة ولا غيرها، لا له ولا لغيره، إلا أن يأذن له الإمام الذي يلزمه طاعته (4). قلت: ويدخل في عمومه أنه يأتي بما دخل تحت يده من صدقة الفرض والتطوع، وكذا ما أهدي إليه، فإنه لو كان في بيت أبيه لم يُهد إليه.
وفيه: أنه يحرم على العامل أن يقتطع عنده ما أهدي إليه، فإنه لبيت المال، فإن اقتطع منه ما أهدي إليه خان في أمانته وولايته.
(فما أوتي) بضم الهمزة، والظاهر أنه بكسر التاء وفتح آخره، مبني لما لم يسم فاعله، التقدير: وما أوتي (منه) النبي صلى الله عليه وسلم (أخذ) بفتح الهمزة
(1) في (ل)، (م): ذاك. والمثبت من "صحيح مسلم"(1833).
(2)
مسلم (1833).
(3)
من "المفهم".
(4)
"المفهم" 4/ 33.
والخاء والذال المعجمتين. أي: أخذ ما جاز أخذه، بدليل ذكر النهي بعده (وما نهي) بضم النون، وكسر الهاء، مبني للمفعول، التقدير: وما نهى الله تعالى (عنه) أي: عن أخذه (انتهى) بفتح التاء والهاء، أي: انتهى عن أخذه، وعلى هذا فيذكر العامل الجهات التي قبض منها المال وصفتها، فيأخذ منها ما جاز أخذه، ويترك ما لم يجز أخذه، بل يرده على دافعه، أو يفعل فيه ما تقتضيه الشريعة، وهذا ما ظهر لي؛ إذ لم يتكلم عليه النووي ولا القرطبي.