الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
49 - باب في الرَّجُلِ يُفَضِّل بَعْضَ وَلَدِهِ في النُّحْلِ
3542 -
حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، حدثنا هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنا سَيّارٌ وَأَخْبَرَنا مُغِيرَةُ وَأَخْبَرَنا داوُدُ، عَنِ الشَّعْبيِّ، وَأَنْبَأَنا مُجالِدٌ وَإِسْماعِيل بْن سالِمٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ قال: أَنْحَلَني أَبي نُحْلًا - قالَ إِسْماعِيلُ بْنُ سالِمٍ مِنْ بَيْنِ القَوْمِ: نَحَلَهُ غُلامًا لَهُ - قال: فَقالَتْ لَهُ أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَواحَةَ: إِيتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشْهِدْهُ، فَأَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَشْهَدَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقالَ: إِنّي نَحَلْتُ ابني النُّعْمانَ نُحْلًا وَإِنَّ عَمْرَةَ سَأَلتْني أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى ذَلِكَ قالَ: فَقالَ: "أَلَكَ وَلَدٌ سِواهُ". قالَ: قلْتُ: نَعَمْ. قالَ: "فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَ النُّعْمانَ؟ ". قالَ: لا. قالَ: فَقالَ بَعْضُ هؤلاء المحَدِّثِينَ: "هذا جَوْرٌ". وقالَ بَعْضُهُمْ: "هذا تَلْجِئَةٌ فَأَشْهِدْ عَلَى هذا غَيْري".
قالَ مُغِيرَةُ في حَدِيثِهِ: "أَلَيْسَ يَسُرُّكَ أَنْ يَكُوُنوا لَكَ في البِرِّ واللُّطْفِ سَواءً؟ ". قال: نَعَمْ. قالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هذا غَيْري". وَذَكَرَ مُجالِدٌ في حَدِيثِهِ: "إِنَّ لَهُمْ عَلَيْكَ مِنَ الحَقِّ أَنْ تَعْدِلَ بَيْنَهُمْ كما أَنَّ لَكَ عَلَيْهِمْ مِنَ الحَقِّ أَنْ يَبَرُّوكَ".
قالَ أَبُو داوُدَ: في حَدِيثِ الزُّهْريِّ: قالَ بَعْضُهُمْ: "أَكُلَّ بَنِيكَ". وقالَ بَعْضُهُمْ: "وَلَدِكَ". وقالَ ابن أَبي خالِدٍ، عَنِ الشَّعْبيِّ فِيهِ:"أَلَكَ بَنُونَ سِواهُ". وقالَ أَبُو الضُّحَى، عَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ:"أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ"(1).
3543 -
حدثنا عُثْمانُ بْنُ أَبي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ هِشامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَني النُّعْمانُ بْنُ بَشِيرٍ قال: أَعْطاهُ أَبُوهُ غُلامًا فَقالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "ما هذا الغُلامُ". قال: غُلامي أَعْطانِيهِ أَبي. قالَ: "فَكُلَّ إِخْوَتِكَ أَعْطَى كَما
(1) رواه البخاري (2586)، ومسلم (1623).
أَعْطاكَ؟ ". قال: لا. قالَ: "فارْدُدْهُ" (1).
3544 -
حدثنا سُلَيْمانُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا حَمّادٌ، عَنْ حاجبِ بْنِ المفَضَّلِ بْنِ المهَلَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قالَ: سَمِعْتُ النُّعْمانَ بْنَ بَشِيرٍ يقول: قال رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلادِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنائِكُمْ"(2).
3545 -
حدثنا محَمَّد بْنُ رافِعٍ، حدثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حدثنا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرٍ قال: قالَتِ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلِ ابني غُلامَكَ وَأَشْهِدْ لي رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: إِنَّ ابنةَ فُلانٍ سَأَلتْني أَنْ أَنْحَلَ ابنها غُلامًا وقالَتْ لي: أَشْهِدْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقالَ: "لَهُ إِخْوَةٌ؟ ". فَقال: نَعَمْ. قالَ: "فَكُلَّهُمْ أَعْطَيْتَ مِثْلَ ما أَعْطَيْتَهُ؟ ". قال: لا. قالَ: "فَلَيْسَ يَصْلُحُ هذا وَإِنّي لا أَشْهَدُ إِلَّا عَلَى حَقٍّ"(3).
* * *
باب في الرجل يفضل بعض ولده على بعض في النُّحل
[3542]
(حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم) بن بشير (أنبأنا سيار) بسين مهملة ثم مثناة تحت، أبو الحكم العنزي الواسطي (وأخبرنا مغيرة) ابن مقسم، عن الشعبي.
(وأخبرنا داود) بن عبد الله الأودي (عن الشعبي ومجالد) بالجيم، بن سعيد الكوفي.
(وإسماعيل بن سالم) الأسدي (عن الشعبي، عن النعمان بن بشير) رضي الله عنهما.
(1) رواه البخاري (2587)، ومسلم (1623).
(2)
رواه البخاري (2587).
(3)
رواه مسلم (1624).
(قال (1): نحلني أبي) بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجُلاس، بضم الجيم وتخفيف اللام الخزرجي، شهد العقبة وبدرًا، ومات في خلافة أبي بكر، يقال: إنه أول من بايع أبا (2) بكر من الأنصار (3).
(نُحلًا) بضم النون، مثل فعل فعلًا، أي: أعطيته شيئًا بغير عوض بطيب نفس (قال إسماعيل بن سالم) الأسدي.
(من بين القوم) أي من بين الرواة (نَحلَه، غلامًا له) فيه أن العطية كانت عبدًا، وكذا في رواية ابن حبان، ووقع في رواية أبي (4) حريز بمهملة وراء ثم زاي، بوزن (5) عظيم، عند ابن حبان والطبراني عن الشعبي: أن النعمان خطب بالكوفة فقال: إن والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عمرة بنت رواحة نفست بغلام وإني سميته النعمان وإنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديقة من أفضل مال هو لي، وإنها قالت: أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه قوله: "فإني لا أشهد على جور"(6). وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين:
إحداهما: عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة.
والثانية: بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدًا.
(1) من المطبوع.
(2)
في (ر): أبي.
(3)
انظر: "معرفة الصحابة" 1/ 398، "الاستيعاب" 1/ 85.
(4)
في (ر): ابن.
(5)
في (ر): ثواب.
(6)
"صحيح ابن حبان" 11/ 507 (5107)، "المعجم الكبير" 24/ 338 (845).
قال ابن حجر: وهو جمع لا بأس به إلا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى: "لا أشهد على جور"، وجَوَّزَ ابن (1) حبان أن يكون [بشير ظن] (2) نسخ الحكم. وقال غيره: يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه، أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد؛ لأن (3) ثمن الحديقة [في الأغلب](4) أكثر من ثمن العبد، قال: ثم ظهر لي وجهٌ آخر، وهو: أن عمرة لما امتنعت من تربيته إلا أن يهب له (5) شيئًا يخصه به فوهبه (6) الحديقة تطييبًا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها؛ لأنه لم يقبضها منه أحد، فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلامًا ورضيت عمرة بذلك إلا أنها خشيت أن يرتجعه أيضًا فقالت: أشهد على هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم (7).
(فقالت له أمي (8) عمرة بنت رواحة) ابن ثعلبة (9) الخزرجية أخت (10)
(1) في (ر): أن.
(2)
في (ر): يشترطن.
(3)
في (ر): لا.
(4)
في النسخ: أغلب. وكتب على هامش (ل): لعله في الأغلب. والمثبت من "الفتح".
(5)
في (ر): لهما.
(6)
في النسخ: (فهو هبة).
(7)
انظر: "فتح الباري" 5/ 212 - 213.
(8)
في (ر): أي.
(9)
في النسخ: الحلبة. والمثبت من "الفتح".
(10)
مكررة في (ر).
عبد الله بن رواحة الصحابي المشهور، وكانت ممن بايع النبي صلى الله عليه وسلم من النساء وفيها يقول قيس بن الخطيم -بفتح المعجمة-:
وعمرة من (1) سروات النسا
…
ء تنفح بالمسك أردانها (2)
(إئت النبي صلى الله عليه وسلم فأشهده) بهمزة قطع، فيه دلالة على أن هبة الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج إلى قبض، وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض. وقيل: إن كانت الهبة ذهبًا أو فضة فلا بد من عزلها وإفرادها، وأن للإمام الأعظم أن يشهد ويتحمل الشهادة ويظهر فائدتها، إما ليحكم في ذلك بعلمه عند من يجيزه أو يؤديها عند بعض نوابه (3).
(قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال: إني نحلت ابني النعمان نحلًا) قال الجوهري (4): النحل بالضم: مصدر قولك نحلته من العطية ونحلت المرأة مهرها نحلة بالكسر أعطيتها (وإن عمرة) بنت رواحة (سألتني أن أشهدك على ذلك) وفي رواية في الصحيحين: تصدق عليَّ أبي ببعض ماله، فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (5).
(قال: فقال: ألك ولد سواه؟ ) فيه دليل على مشروعية استفصال
(1) في (ر): بن.
(2)
انظر: "الإصابة" 8/ 31.
(3)
انظر: المصدر السابق 5/ 215 - 216.
(4)
انظر: "الصحاح" 5/ 1826.
(5)
البخاري (2587) مسلم (1623) واللفظ لمسلم.
الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال، لقوله:"ألك ولد غيره؟ ". (قلت: نعم. قال: فكلهم) بالنصب مفعول مقدم، ورواية البخاري:"أكل ولدك"(1)، ورواية مسلم: أما يونس ومعمر فقالا: "أكل بنيك"(2)، ولا منافاة بينهما؛ لأن لفظ الولد يشمل ما لو كانوا ذكورًا أو إناثًا وذكورًا، وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورًا فظاهر، وإن كانوا ذكورًا وإناثًا فعلى سبيل التغليب، ولم يذكر ابن سعد لبشير والد النعمان ولدًا غير النعمان وذكر له بنتًا اسمها أبية بالباء الموحدة تصغير أبي (3).
(أعطيت) رواية مسلم: "أكلهم وهبت؟ "(4)(مثل ما أعطيت النعمان؟ قال: فقلت: لا) للدارقطني عن مالك: لا والله يا رسول الله (فقال بعض هؤلاء المحدثين) أي بعض هذا الحديث (هذا جور) قال أحمد: الجور الظلم، والظلم حرام، واستدل به على تحريم تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطية، وأن المساواة مأمور بها، يعني في الرواية الآتية:"اعدلوا بين أولادكم" ولأن تفضيل بعضهم على بعض يورث المعاداة بينهما وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها وخالتها.
(وقال بعضهم) بالرفع (هذا تَلْجِئةٌ) بفتح التاء والهمزة التي بعد الجيم المكسورة مصدر لجأته بالتشديد والهمز، يقال: ألجأته ولجَّأته إليه،
(1)"صحيح البخاري"(2586).
(2)
"صحيح مسلم"(11/ 1623).
(3)
"الطبقات الكبرى" 3/ 531.
(4)
وبعدها في الأصل: رواية: أعطيته، نسخة: أعطيتهم.
بالهمز في الأول والتضعيف في الثاني، أي: اضطررته إليه وأكرهته.
قال الأزهري (1): التلجئة أن تجعل مالك لبعض ورثتك دون بعض، كأنه يتصدق عليه دون غيره، وقال: هو أن يلجئك أن تأتي أمرًا باطنه بخلاف ظاهره، وذلك مثل أن تشهد على أمر يخالف ظاهره باطنه. فعلى قول الأزهري، تلجئة: إخبار عن حكم الإشهاد (2) على قول غيره فهو إخبار عن الشاهد.
(فأشهد) بفتح الهمزة وكسر الهاء (على هذا غيري) استدل به الشافعي ومالك وأبو حنيفة (3) على أن تفضيل بعض الأولاد على بعض مكروه ليس بحرام، والهبة صحيحة، واحتجوا بهذا الحديث؛ إذ لو كان حرامًا أو باطلًا لما أمره بإشهاد غيره، وأجاب عنه أحمد بأن هذا أمر تهديد وتوعد، كقوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} (4) قال النووي: "لا أشهد على جور". ليس فيه أنه حرام؛ لأن الجور هو الميل عن الاستواء والاعتدال سواء كان حرامًا أو مكروهًا (5)، وأما حمل الأمر على التهديد فهو على غير الأصل؛ فإن الأصل في الأمر طلب الفعل حقيقة.
(وقال مغيرة) بن مقسم (في حديثه: أليس يسرك أن يكونوا) وفي
(1)"تهذيب اللغة" 11/ 131.
(2)
في (ر): الأولاد.
(3)
انظر: "الحاوي" 7/ 545، "التمهيد" 7/ 225 وما بعدها، "بدائع الصنائع" 6/ 127.
(4)
فصلت: 405.
(5)
انظر: "شرح مسلم" للنووي 11/ 67.
رواية مجالد بن سعيد، عن الشعبي عند أحمد:"إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم (1) فلا تشهدني على جور، أيسرك أن يكونوا إليك في البر واللطف"(2)(لك في البر واللطف) بضم اللام، وهو طلب الرفق والرحمة بك (سواءً؟ ) بالنصب (قال: نعم) رواية أحمد: قال: بلى. (قال: فأشهد على هذا غيري) فيه إذن بالإشهاد على ذلك، وإنما امتنع من ذلك لكونه الإمام، وكأنه قال: لا أشهد؛ لأن الإمام ليس من شأنه أن يشهد، وإنما من شأنه أن يحكم. حكاه الطحاوي، وارتضاه ابن القصار، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الإمام ليس من شأنه أن يمتنع من تحمل الشهادة وأدائها إذا تعينت عليه، وقد صرح المحتج بهذا أن الإمام إذا شهد عند بعض نوابه جاز.
وقال ابن حبان: قوله: أشهد. صيغة أمر، والمراد به نفي الجواز، وهو كقول عائشة: اشترطي لهم الولاء (3).
(وذكر مجالد) بن سعيد (في حديثه: إن لهم عليك من الحق) أي الثابت، ولهذا قيل لمرافق الدار حقوقها، وهو يحتمل الواجب والمندوب، والمندوب في (أن تعدل بينهم) في العطية (كما أن لك عليهم من الحق) الثابت (أن يبَرُّوك) بفتح الباء الموحدة، قال الله تعالى:{أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا} (4)، والتشبيه الواقع في الحق الذي عليه
(1)"المسند" 4/ 269.
(2)
"المسند" 4/ 270.
(3)
"صحيح ابن حبان" 11/ 504.
(4)
البقرة: 224.
من التسوية بينهم بالحق الذي له عليهم من بره، والإحسان قرينة تدل على أن الأمر في التسوية للندب (1).
(وفي حديث الزهري: قال بعضهم: أكل (2) بنيك؟ ) أعطيت، كما تقدم عن رواية مسلم.
(وقال بعضهم) أي بعض الرواة: أكل (ولدك؟ ) بالجر، كما تقدم في رواية البخاري، وتقدم الجمع بين الروايتين.
(وقال) إسماعيل (ابن أبي خالد) الكوفي (عن الشعبي فيه) قال: (ألك بنون سواه؟ وقال أبو الضحى) مسلم بن صُبَيح، بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة، مصغر، وقيل: بفتح الصاد قاله الحافظ عبد الغني (3)(عن النعمان بن بشير: ألك ولد غيره؟ ) وفيه: ألا سويت بينهم (4).
[3543]
(حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير) بفتح الجيم (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن الزبير (حدثني النعمان بن بشير) رضي الله عنهما (قال: أعطاه أبوه غلامًا) تقدم في رواية: أنه أعطاه حديقة وتقدم الجمع بين الروايتين.
(فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما هذا الغلام؟ ) فيه سؤال الأستاذ والكبير عن حال جماعته؛ ليرشدهم إلى ما فيه صلاحهم.
(قال: غلامي أعطانيه أبي) فيه أنه يقال للعبد غلامي، ولا يقول:
(1) انظر: "فتح الباري" 5/ 214 - 215.
(2)
زيادة من (ر).
(3)
"المؤتلف والمختلف" ص 81.
(4)
سقط من (ر).
عبدي ولا أمتي للنهي عنه (1). (قال: فكلَّ) بالنصب في اللام (إخوتك أعطى كما أعطاك؟ ) أبوك (قال: لا. قال: فاردده) استدل به بعض المالكية على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه كما تقدم، وفي معناه الأم، وإن كان تفضيل بعض الأولاد صحيح، فإن الهبة لو لم تصح لم يصح الرجوع، ولو كانت باطلة لم يحتج إلى ردود. ورواية مسلم:"فرد تلك الصدقة"(2).
[3544]
(حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد، عن حاجب) بالحاء المهملة والجيم (ابن المفضل بن المهلب) وثقه ابن معين (عن أبيه)[الفضل](3) بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي، ذكره ابن حبان في "الثقات"(4)، وقد ولاه الحجاج خراسان بعد أخيه يزيد سنة خمس وثمانين، وافتتح باذغيس، وقسم الغنائم، وكان لا يدخر شيئًا في بيت المال (5)، وحبسه الحجاج مع أخيه يزيد في فسطاط قريب منه، وطلب منه ستة ألف ألف وجعل يعذبهم فهربوا منه إلى الشام.
(قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اعدلوا) في
(1) رواه البخاري (2552)، ومسلم (2249) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "
…
.. ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي. وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي).
ويأتي في هذا الكتاب برقم (4975) بنحوه.
(2)
"صحيح مسلم"(1623/ 13).
(3)
هكذا في النسخ، والصواب:(المفضل). وانظر: "تهذيب الكمال" 5/ 203 (1004).
(4)
6/ 238.
(5)
انظر: "تهذيب الكمال" 28/ 421.
العطية (بين أولادكم) تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية، وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد، ثم المشهور عن هؤلاء أنها باطلة، وعن أحمد: تصح، ويجب أن يرجع، واختلفوا في صفة التسوية: فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية: العدل أن يعطي للذكر حظين كالميراث، واحتجوا بأن ذلك حظهم من ذلك المال لو بقاه الواهب في يده حتى مات.
وقال بعضهم: لا فرق بين الذكر والأنثى، وظاهر الأمر بالعدل والتسوية يشهد له، واستأنسوا بحديث ابن عباس رفعه:"سووا بين أولادكم في العطية فلو كنت مفضلًا أحدًا لفضلت النساء".
أخرجه سعيد بن منصور والبيهقي من طريقه وإسناده حسن (1).
وأجاب من حمل الأمر بالتسوية على الندب عن الأمر به، بأن الموهوب للنعمان كان جميع ماله ولذلك رده، وليست فيه حجة على منع التفضيل، حكاه ابن عبد البر عن مالك (2).
(اعدلوا بين أبنائكم) كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلمة أعادها لتفهم عنه.
[3545]
(حدثنا محمد بن رافع) بن أبي زيد سابور القشيري، روى له الجماعة سوى ابن ماجه (حدثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الأموي، أحد
(1)"سنن سعيد بن منصور" 1/ 119 (294)، "السنن الكبرى" 6/ 117.
قال الحافظ في "الفتح" 5/ 214: إسناده حسن.
وضعفه الألباني في "الضعيفة"(340).
(2)
"التمهيد" 7/ 225.
الأعلام، روى له الجماعة (حدثنا زهير، عن أبي الزبير) محمد بن مسلم، التابعي.
(عن جابر رضي الله عنه قال: قالت امرأة بشير) عمرة بنت رواحة (انحَل) بفتح الحاء، أي: أعط (ابني غلامك) فيه أن للأم كلامًا لمصلحة الولد (وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وسلم) فيه أن من قصد الإشهاد يحق له أن يختار للشهادة الأولى والأصلح (1) والأكمل.
(فأتى) إلى (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامًا، وقالت: أَشهد) بفتح الهمزة (رسول الله صلى الله عليه وسلم) لي، فيه إشارة إلى سوء عاقبة الحرص والتنطع في الأمور والمبالغة فيها؛ لأن عمرة لو رضيت بما وهبه له زوجها وأشهد عليه آحاد الناس لما أدى ذلك إلى رجوع الهبة، فلما اشتد حرصها في تثبيت ذلك أدى إلى بطلانه (فقال: أله إخوة؟ ) (2) فيه استفصال الإمام كما تقدم (فقال: نعم. قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ ) فيه المساواة بينهم للتآلف بين قلوبهم. (قال: لا. قال: فليس يصلح هذا) لأنه يوقع بين الإخوة (3) الشحناء وقطيعة الرحم، وربما أدى إلى عقوق الوالدين (4)(وإني لا أشهد إلا على حق) فيه دلالة على أن الشاهد يكون فقيهًا عالمًا بما كان حقًّا وصحيحًا فيكتبه وما كان غير صحيح لا يكتبه؛ لأن فيه تضييعًا للحقوق.
(1) في (ر): والأصح.
(2)
في (ر): أجرة.
(3)
في (ر): الأجرة.
(4)
انظر: "فتح الباري" 5/ 215.
قال الزمخشري في قوله تعالى: {وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ} (1): أن {بِالْعَدْلِ} متعلق بـ {كَاتِبٌ} صفة له، أي: كاتب مأمون على ما يكتب بالسوية والاحتياط، لا يزيد على ما يجب أن يكتب ولا ينقص. قال: وفيه دليل على أن يكون الكاتب فقيهًا عالمًا بالشروط حتى يجيء ما يكتبه معدلًا بالشرع، وهو أمر [للمتداينين](2) بتخير الكاتب، وأن لا يستكتبوا إلا فقيهًا دينًا.
* * *
(1) البقرة: 282، وانظر:"الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" 1/ 511 - 512.
(2)
في النسخ: للمتدينين. والمثبت من "الكشاف" للزمخشري.