الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب القاضي يَقْضي وَهو غَضْبانُ
3589 -
حَدَّثَنا محَمَّد بْن كَثِيرٍ، أَخْبَرَنا سفْيانُ، عَنْ عَبْدِ المَلِكِ بْنِ عُمَيْرِ، حَدَّثَنا عَبْد الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ أنَّهُ كَتَبَ إِلَى ابنهِ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لا يَقْضي الحَكَمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبانُ"(1).
* * *
باب: القاضي يقضي وهو غضبان
[3589]
(ثنا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن عبد الملك بن عمير) الكوفيِّ رأى علي بن أبي طالب (ثنا عبد الرحمن بن أبي بكرة) الثَّقفيُّ، أول مولود بالبصرة (عن أبيه) أبي بكرة نفيع بن الحارث الثَّقفيُّ الطائفي (أنه كتب إلى ابنه) لفظ رواية مسلم: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبي- وكتبت له- إلى عبد الله بن أبي بكرة وهو قاضٍ بسجستان (2). (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقضي) رواية النسائي أن عبد الرحمن قال: كتب إلى أبو بكرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (3). وفيه دليل على أن الكتاب بالحديث كالسماع من الشيخ في وجوب العمل به (الحكم) بفتح الحاء والكاف. يعني: الحاكم كقولهم في المثل: في بيته يؤتى الحكم (4). ومن أسماء الله تعالى الحكم.
(1) رواه البخاري (7158)، ومسلم (1717).
(2)
"صحيح مسلم"(1717).
(3)
"المجتبي" 8/ 247.
(4)
رواه أبو الشيخ في "أمثال الحديث"(326) عن النُّعمان بن بشير، ورواه البغوي في "الجعديات"(1728)، وعمر بن شبه في "تاريخ المدينة" 2/ 755 ووكيع في "أخبار=
وفي الحديث أن أبا شريح كان يكنى أبا الحكم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله هو الحكم" وكناه أبا شريح (1).
(بين اثنين) هذا أقل ما يتأتى فيه الحكم، وإلا فقد يحكم بين ثلاثة فصاعدًا، المفهوم العدد غير معمول (2) به هنا؛ لكونه خرج مخرج الغالب (وهو غضبان) جملة اسمية في موضع نصب على الحال. أي: لا يقضي في حال غضبه، قالوا: علة النهي عنه لما يحدث للنفس بسبب الغضب من التشويش الموجب لاختلال النظر في المسائل الاجتهادية، وبهذا يظهر مناسبة ذكر هذا الحديث بعد ما قبله، ودقة نظر المصنف في ترتيب الأحاديث والأبواب لمن تدبر ذلك.
وقاس الفقهاء عليه كل ما كان في معناه من مشوشات الفكر الآتية، وهذا القياس أحد أنواع الأسماء الخمسة، ووجهه أن ترتيب حكم القضاء على وصف الغضب فيه إنما يشعر بأنه هو علة النهي، لكنا نعلم أن خصوص كونه غضبًا لا مناسبة فيه، فيلزم أن يكون متغيرًا من جهة عمومه، وهو كونه مشوشًا للفكر.
وهذا الوصف غير مذكور، لكنَّه هو المناسب يلزم أن يلحق به ما في معناه من الجوع وغيره كما سيأتي، فظهر بهذا أن العلة في الحقيقة هو التشويش لا الغضب. وقال الإمام فخر الدين: لا مناسبة بين التشويش والغضب؛ لأن التشويش إنما ينشأ عن الغضب الشديد لا عن مطلقه،
=القضاة" 1/ 108، والبيهقيّ 1/ 136 عن عمر بن الخطاب.
(1)
سيأتي عند أبي داود برقم (4955) من حديثه.
(2)
في النسخ: معلوم، ولعل مراد المصنف ما أثبتناه.
فلا يصلح للغلبة.
والجواب أن وصف الغضب مظنة التشويش الذي هو الحكمة، ولما كانت الحكمة التي هي تشويش الذهن غير منضبطة علق الحكم على مظنتها وهو الغضب، كالسفر مع المشقة.
ويقوي هذا حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا يقضي القاضي إلا وهو شبعان ريان"، رواه البيهقي (1)، ورواية الشافعي بلفظ:"لا يحكم الحاكم، ولا يقضي بين اثنين وهو غضبان"(2) ويلحق بالغضب كل حال يخرج بها الحاكم عن سداد النظر واستقامة الحال، كالشبع المفرط، والقلق، والهم المضجر، والفرح المفرط، ومدافعة الحدث، والتوقان إلى الطَّعام، والمرض المؤلم، والنعاس الغالب، ويدخل في عمومه عموم الأمكنة المشوشة لضيق المكان لزحمة ونحوها، وأن يكون المجالس لا يتمكن فيه من القعود؛ لكثرة شوك ونحوه. وكذا عموم الأزمنة كشدة برد الشتاء، وحر الصيف، ونحو ذلك.
وأما حكم النبي صلى الله عليه وسلم في حال غضبه في اللقطة وقصة الزبير في السقي ونحوهما، أن الغضب في العلة عام مخصوص بغير النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو
(1)"السنن الكبرى" 10/ 105، ورواه أيضاً الطبراني في "الأوسط" 5/ 36 (4603)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" كما في "بغية الباحث"(460)، والدارقطني 4/ 189، ووكيع في "أخبار القضاة" 1/ 83، وابن عدي في "الكامل" 7/ 151.
قال الحافظ في "التلخيص الحبير" 4/ 189: فيه القاسم العمري، وهو متهم بالوضع.
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة": موضوع.
(2)
"الأم" 7/ 99.
معصوم من اختلال الحكم عند الغضب؛ لعصمته، فلا يقول في حالة الغضب والرضا إلا حقًّا، كما جاء في "الصحيح" حين قال الصحابي: أكتب عنك ما تقول في الرضا والغضب؟ وخصص بعضهم الغضب المانع من الحكم أن يكون لغير الله، فأمَّا الغضب لله كغضبه صلى الله عليه وسلم فلا يمنع جواز الحكم.
* * *